إعلان

بالصور: الضمور والحكومة ينهشا عائلة "سنوسي"

02:20 م الإثنين 11 مايو 2015

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – يسرا سلامة:
منذ قرابة العشر سنوات، كان "جمعة السيد سنوسي" يشحذ طاقته كل يوم للذهاب إلى مخبز حكومي في مدينة الفيوم، ليحصل على قوت يومه يطعم به أولاده الثلاثة، هبة وشيماء وأحمد، بخلاف زوجته صباح، ويستعد لتحضير جهاز الفتاة الكبرى هبة لتزويجها، قبل أن يستيقظ بداخل جسدها جين وراثي يدمر العضلات، لتبدأ مأساة الأب مع أولاده الثلاثة وزوجته، وينال هو منها قدر يحمد الله عليه.

العشر سنوات انقضت، أصبح بعدها "جمعة" طوَّاف على جهات حكومية، وجمعيات أهلية، وأطباء، طالبا المساعدة، جلباب بني اتسخ بفعل القهر، وذقن شعثاء تركها طليقة، بعد أن أخذته دوامة البحث عن علاج لأولاده، وجيب بداخل جلبابه يحفظ فيه كل أوراق حكاية أسرته، التي هدها الروتين وقسوة القلب قبل المرض الذي نخر في عظام أولاده أمام عينيه، بدأت عندما شكت الأبنة والعروس الجديدة هبة ذو السادسة والعشرين ربيعا من ألم بعظامها، "ساعتها جرينا عليها في المستشفيات من الفيوم للقاهرة، ومن غير حل واضح".

"هزال عام وضمور في العضلات".. كلمة خطها الطبيب بتقرير عن الأبنة الكبرى، أحال الشابة إلى حالة ضعف عام، حتى زادت الحالة سوءا لتصبح حالتها شللا رباعيا يفقدها السيطرة على أطرافها الأربعة، ليتركها عقب ذلك زوجها بابنة عمرها الآن سبع سنوات، وبحركة بين غرفتها لقضاء حاجتها، يعتبر انجازا تجاهد من أجله كل يوم، لم تنفد مأساة إلى قلب الأب الخمسيني حتى ظهرت نفس أعراض الأبنة على الأم، وأصبحت "صباح عبد العزيز" قعيد هي الأخرى بجانب ابنتها، بعد أن تحولت هشاشة عظامها إلى ضمور يمنعها عن الحركة.

أوراق من أطباء ومستشفيات في بلدته بالفيوم، لحقتها أوراق من وزارة التضامن الاجتماعي، بعد طلبات من الأب لإعانة ابنته وزوجته، أسفرت عن 50 جنيها تحصل عليها الفتاة الكبرى من وزارة التضامن الاجتماعي، بعد مناشدات من الأب على أبواب الوزارة المعنية بإعانة الفقراء وأصحاب الاعاقات، بجانب 240 جنيه من أحد الجمعيات الخاصة، لم تكفِ لتسديد ما أنفقه على محاولات علاج الابنة والزوجة، معاش سواه الرجل مبكرا ليحصل عقب سنوات بعمله كخباز على ما يقارب المائتي جنيه، لا يكفون إلا لسد رمق الأسرة المنكوبة، والتي طالتها أزمتان، جعلت هم الأب أكبر، حين طالت النار جسد ابنته الصغرى "شيماء، وتصاب بحروق في أسفل الوجه والصدر والكتف، ويصاب ابنه "أحمد" بضعف في النظر لا يقوى على استكمال دراسته عقبها.

"ليست من الاولويات".. ذلك كان رد المجالس الطبية التي طلب منها الأب علاج حروق ابنته، بدعوى أن حروق الجسد "تجميلية" وهناك أولويات أخرى، يقول الأب "كان نفسي أشوف بنتي الصغيرة سليمة، وكمان لا تسبب أذى للناس اللي بيشفوها، لكن واضح إن ده كتير"، مع الرجل أموالا من أهل الخير، لتكفي لعمليات لأبنة دون اكتمال تجميلها، قائلا إنها تحتاج إلى علاج ليزر عالي التكلفة، أم ابنه لم يحصل على إعانة أو فرصة للعمل،  بعد أن ردت وزارة القوى العاملة أنه لا يجوز إعانة له لأنه ليس كفيفا أو لديه مؤهل أقله الدبلوم، ليقول الأب "يعني أخزأ عين الواد عشان ياخد إعانة؟ يرضي مين ده؟!".

لا تملك "هبة" ابنة "سنوسي" أو "صباح" زوجته علاجا للقدرة على الحركة، حيث قال له الاطباء أن علاجهما يحتاج إلى خلايا جديدة، حيث تحرم شرعا تلك العمليات في مصر، أما الابن "أحمد" حامل الابتدائية والمرض البصري فقال له الطبيب أنها مسألة وقت حتى يفقد البصر كليا؛ لعدم وجود علاج للشبكية، الأب المكلوم زادته المعاناة ألما، بإصابته مياه بيضاء فوق عينيه، تاركا بلدته الفيوم، ليبحث عن حلول في أرجاء المحروسة، على عتبات أطباء أو مكاتب وزارة الصحة والتضامن الاجتماعي، وأبواب محافظة الفيوم التي يقول عنها "خارج خريطة مصر".

المرض ضيفا ثقيلا في بيت "سنوسي"، لا يخفف من وطأته سوى "خلود".. الحفيدة الصغيرة التي تساعد والدتها، أو إعانة كل فترة من أهل الخير الذين يعرفون حالته، وضيق ذات يده، الذي جعله يقدم مداخلة هاتفية في برنامج يقابل على إثرها وزيرة التضامن الاجتماعي، وتقر لابنه "أحمد" بالعمل، لكن القرار الوزاري لا يُنفذ، لعدم وجود وظيفة مناسبة، ويساعده رئيس جامعة القاهرة بتخفيض العلاج لابنه، ليتوقف التخفيض دون أسباب، ليظل كاهل الرجل محملا بديون عمليات ابنته شيماء، ومحملا بداء ترك الأسرة بلا رحمة.

دموع تنفرط من أعين الرجل، مناشدة إلى الله قبل أن يطرق بها باب أي مسؤول، "مش عارف أروح لمين ولا مين يساعدني في أزمة بناتي"، يطارد "سنوسي" دعاوى الانتحار بالإيمان، وصبرا ينشده في الساعات التي يتحمل فيها ألم عينيه، بعد أن ضاقت يده بعلاج لها، وصورة ملونة قديمة لابنته قبل مرضها، يحفظها بقلبه قبل جيب محفظته، يتمنى أن تعود إليها الابنة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان