إعلان

ولنا في الطابور.. حياة وموت (بروفايل)

04:18 م الأربعاء 11 مارس 2015

طوابير البوتاجاز

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إشراق أحمد:

مشوار طويل يبدأه كل مصري منذ لحظة المهد أملا في الوصول إلى المقدمة. بنظرة صافية لم يعكرها ضباب الحياة بعد يمضي، تقفز خطواته فرحا بأول مشوار له بمفرده، يقبض على الجنيه، ثمن "العيش" الذي طالبته أمه بإحضاره، تطارده وصيتها الحازمة النبرة "أوعي الفلوس تقع منك" فهي حق الطعام وهو أمينها، عليه أن يعض عليها بالنواجذ، فلا تضيع، ولا يعود إلا بأرغفة الخبز، يشحذ الصغير همته مقابل لحظات التسكع دون قيود، يبصر "الكشك" الخشبي، تخرج منه أقفاص يستلقي عليها الخبز، كأنما نعوش أو مريض، تحملها الأيدي المرفوعة بين أجساد ملتحمة في طابور طويل حتى المثوى الأخير، غير أن الفرحة الممزوجة بالضيق للظفر بالخبز هو حال الخارج من تلك المعمعة، حينها يعلم لماذا كف والده عن الذهاب، ولما انتقل إليه ذلك التكليف؛ الذي تحمله والديه لسنوات طوال حتى خارت قواهم، وبات لزاما إدخال وافد جديد للفلك الذي تدور فيه الأسرة، انتظارا للوصول لتلك الصفوف الأولى، أملا في الحصول على حق؛ العيش، البنزين، التموين، الدراسة، الدواء وحتى الانتخاب.

في مصر العلاقة مع الطابور طردية، كلما زاد يوم في الحياة، قابله مزيد من الطوابير والانتظار، تحمل الأم رضيعها من أجل مصل التطعيم، ومن قبل كانت مثله تحتضنها والدتها للغرض ذاته، يشب الصبي، يقف في طابور المنتظرين لفرصة عمل، فيما يجلس والده على مقاعد المرضى لساعات، في سبيل الحصول على قرار للعلاج على نفقة الدولة، أو دواء يكتبه له الطبيب، عله يخفف عنه آلامه، بينما تخبر الأم ابنتها أنها كبرت وبات عليها أخذ دورها في طابور الجواز "قبل ما القطر يفوتها"، تنتظر الفتاة أمل الحياة الجديدة، ورغبة في لحظة تسعد بها والدتها بعد عناء، فتحولها كلمات الجارات والمعارف إلى "طابور العوانس".

للحياة في مصر طابور وللموت كذلك، هو واقع ترسمه الأيام في "أم الدنيا"، وأحيانا تتشتت الخطى، فيظل المرء يقف في طابور من أجل المعيشة حتى يواجه الموت، يلقى مصرعه بين الأجساد دون الحصول على رغيف الخبز، يجمع الأموال من "لحم الحي"، يقف بين صفوف المتهمين بفقدان الأمل، وهم الحالمين بحياة أفضل، يتحمل المخاطر التي على دراية بها، فيلفظ أنفاسه في مياه باردة، حال الألسن التي تلوم إقدامه على فعل "الهجرة غير الشرعية".

يجلس الطفل في اهتمام، يخبره المدرس أن الطابور عنوان النظام، دليل رقي المجتمعات، ففي بلد المليار نسمة يلتزم الجميع بمكانه في الصف ولو لمشاهدة مباراة كرة القدم، وهناك بلدان يبلغ بها الزحام أشده أمام المتاحف وبمحطات المترو دون ملل وبلا انتظار طويل، يتساءل الصغير "بس أحنا مش كده"، فيأتيه الرد مقتضب "العيب فينا"، فيما تتداول الأخبار بسقوط أكثر من 21 مشجع زملكاوي للتدافع في "طابور" انتظار مباراة ناديهم، ويلوك المقدمون لبرامج التوك شو بكلمات تحذر من "الطابور الخامس" الراغب في إفساد البلاد، وتشجع المواطنين على المشاركة في العرس، لمعاودة كَرة المشهد التاريخي لطوابير الانتخاب، ينتهي اليوم الدراسي، تعود الأمور إلى نصابها الروتيني، فيقف الصبي بطابور الخبز، ووالده بصفوف المنتظرين للتموين والدواء، وأخوه الأكبر يأمل في "تفويل" سيارة "التاكسي" التي يعمل عليها، وتمكث الأم بين زمرة القاعدين حتى يأتي دورها في إجراء العملية الجراحية، أو يحكم الله في أمر كان مفعولا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان