إعلان

ماذا تبقي من ''كلنا خالد سعيد''؟

05:02 م الإثنين 03 مارس 2014

ماذا تبقي من ''كلنا خالد سعيد''؟

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- محمد الشرنوبي:

الصفحة لا تستجيب، تتمنّع على محاولة ابتعاثها من عالم النسيان والتجاهل، لا تُتح للداخل إليها سوى خيارين، إما الانتظار، أو أن يقتل الصفحة نهائيا، مع اعتذارٍ في صورة وجهٍ تعلوه تكشيرة كبيرة.

الانتظار يبدو حلاً عمليا لا سيّما وأن الأمر يدعو للصبر، مع الاستعانة على فترات الانتظار الطويلة بالاستغفار، ليس كطقس دينيّ تعبّديّ، وإنما كتنفيس عن الحيرة من حالة الموات التي دخلتها هذه الصفحة الشهيرة، منذ 3 يونيو 2013، بعد أن كانت حيّة بالتعليقات ونشطة بالمشاركات وملتهبة بالآراء الجريئة الرصينة التي تفتقدها إمبراطورية الفيس بوك.

الصفحة تُصرّ على عدم التجاوب مع محاولات استعادة تاريخها الحافل بدءا من لحظة الميلاد، تتثاقل في إلحاح، ربما تفتقد متابعيها وتحنّ إلى جمهورها، والذي وصل إلى نحو 3 ملايين و700 ألف.

مع تحريك الماوس على الصفحة المتبلِّدة، يتوقف السهم المستدق على عينين عسليتين تشعّان بألق غريب، يحيط بجوانب وجهٍ مثلثي، يرتاح على ملامح هادئة وابتسامة تزاحم بياض بشرته معلنة إشراقها على شفتين مرسومتين كساحل إسكندرية. صورة تبعث على الحياة، تنادي: يا ''كلنا خالد سعيد''.. أين أنتِ؟.

بطاقة التعريف بصفحة ''كلنا خالد سعيد'' على موقع التواصل الاجتماعي ''الفيس بوك''، تفيد بمولدها في 10 من يونيو 2010، بهدف ''الدفاع عن الشاب السكندري خالد سعيد، ضد ما تعرّض له من ظلم''، بحسب ما تقول الصفحة عن نفسها، ''وشاء الله أن تتحول إلى منبر للدفاع عن حق كل مصري في حياة كريمة''.

تضيف متحدّثة عن نفسها بلسان طلق وبلاغة ظاهرة: '' أحلم بمصر تحترم حقوق الإنسان، بسُلطة ينتخبها الشعب، بدولة مستقلة تجبر العالم على احترامها''، تتحدث بلسان مصري وسطي معتدل ينبذ التمييز والعنصرية، ولغة منفتحة على الجميع؛ الصغير قبل الكبير: ''الصفحة لكل المصريين بغض النظر عن دينهم أو عمرهم أو جنسهم أو تعليمهم أو مستواهم الاجتماعي أو انتمائهم السياسي''، ولا تنسَ أن تضع لمسة من لغتنا العامية في امتداحها لنفسها واعتزازها بالكبرياء واعتدادها بقيمة ما أنجزته '' اتجمعوا عشان عايزين بلدهم أحسن.. وعشان حق خالد سعيد يرجع كرمز فَوّق كل المصريين وصحّاهم''.

من الضروري أن نضع حديثها وتعريفها بنفسها في سياقه الصحيح، لا بد أن نستقبل إسهابها في التعريف بنفسها، وفي الخلفية ممارسات وسياسات عهد مبارك وجهاز حبيب العادلي القمعي، ترفع صوتها بقوة ''الصفحة بتدافع عن المصريين كلهم وبتفضح أي محاولة لتهديد أو ابتزاز أي مصري عشان يتنازل عن حقه.. وهتفضل منبر للدفاع عن حقوقنا دون أي خطوط حمراء''.

حاولت أن تخوض في السياسة دون أن تهرف في مستنقعاتها القذرة'' الكلام في السياسة مسموح لأن كل اللي بنعمله هو كلام في السياسة بمفهومها الشامل''، حتى وإن كانت قد اتخذت من قضية فرد منطلقا لها، إلا أنها باعدت نفسها عن الفردية المقيتة: ''النقاش حول الشخصيات والنزاع بين مؤيدين شخصية معينة أو حزب معين ضد شخصية تانية أو حزب تاني ده مش مسموح بيه في الصفحة لأن احنا في الصفحة كلنا مصريين. مينفعش تتحول الصفحة لمكان للجدل السياسي لأن فيه عشرات أو حتى مئات الصفحة على الانترنت بتعمل كده''، رفعت شعارا واحدا: ''احنا هنا قضيتنا واحدة: عايزين نغير بلدنا بغض النظر مين هما الأشخاص اللي هيغيروها .. وتركيزنا على اننا نفوق المصريين كلهم عشان يطالبوا بحقوقهم ولكل واحد منهم حرية الاختيار بعد كده عن طريق انه يطلع ويقرا''.

ألف ومائة وسبعة وعشرون (1127) يوما من التفاعل والحضور على موقع التواصل الاجتماعي، كانت فيها صفحة ''كلنا خالد سعيد'' متشابكة مع الحالة السياسية المصرية، دفعت بالكثيرين إلى وصفها بالشرارة الأولى لثورة 25 يناير، ووصف صاحب الصفحة بـ ''أيقونة الثورة المصرية''.

ألف ومائة وسبعة وعشرون يوما منذ أن تبنّت الصفحة قضية خالد سعيد، والذي قتل ضحية قمع الشرطة، ولم يرتح في قبره، بل لاحقته التهم والإشاعات بتعاطي المواد المخدّرة، وانتهك معنويا قبل أن ينتهك جسديا.

لم تستخرج شهادة وفاة رسمية لصفحة ''كلنا خالد سعيد''، وكان آخر منشور على الصفحة بيان القوات المسلحة في مساء الثالث من يونيو 2013 بعزل الرئيس السابق محمد مرسي، منذ هذه اللحظة يبدو أن القائمين عليها هجروها وارتأوا أن تبقى مجرد فكرة، حتى ولو طواها النسيان، وظلت أرشيفا في ذاكرة الفيس بوك.

- أبدت أسرة ''خالد سعيد'' المعروف إعلاميا بـ ''شهيد الطوارئ'' سعادتها بقرار المحكمة اليوم الإثنين، الثالث من مارس 2014، بتشديد العقوبة على المتهمين بقتله إلى 10 سنوات- كان الأولى بأصحاب القضية أن يزفّوا إلى جمهورهم هذا الحكم الذي جاء بعد معركة ضارية وصراع محتدم، لم يسلم المؤمنون به من الملاحقة الأمنية والتضييق عليهم في تحركاتهم والتشهير بهم وتخوينهم، كانوا أصحاب العرس، إلا أنهم آثاروا الفرجة من بعيد دون أن يبدوا أسبابا لإيثار الصمت المطبق غير الجميل.

لم نُرد أن نقلق الشهيد في فردوسه العليّ، حتى ولو برسالة على بريده الإلكتروني (elshaheeed@gmail.com)، معتمدين على الانتظار الجميل، فلربما يحمل لنا المستقبل إشعار بعودة الحياة إلى ''كلنا خالد سعيد.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان