إعلان

مقاطع من ''وجع مصر''.. غمض عينيك واستمع

12:52 م الثلاثاء 25 فبراير 2014

مقاطع من ''وجع مصر''.. غمض عينيك واستمع

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت: دعاء الفولي:

يقولون إن الثورة مقاومة، والنضال له أشكاله، كلٌ يفعل ما يستطيع، البعض يرسم، يُغني، أو يخرج للشارع لا يبرحه، حتى ينتصر أو يموت، وهناك من يُذكر الناس بما نسوه، يُعيد لهم تفاصيل أهملوها، تساقطت مع الوقت، يبث لهم مقاطع صوتية، فتكتمل الصورة بعقولهم مرة أخرى، فيبتسمون أو يبكون، يتوقفون قليلًا عن السمع ليهدأ الوجع، ثم يُكملون بما سمعوه مشوار الثورة بعد أن خبت نارها.

في شباك الشقة المطلة على أحد شوارع الإسكندرية وقفت الفتاة، تتعجب لذلك الشاب الذي يتقدم من الذين يصوبون أسلحتهم تجاهه، تنتظر قليلا، تنادي والدتها، طلقة واحدة في الصدر، يُطرح الفتى على الأرض ميتًا، تصرخ الوالدة ''ليه يا حيوان؟.. ليه منكو لله''، تبكي الفتاة على ألحان موسيقى أغنية ''يا بلادي'' ومعها كلمات ''يا ناس مفيش حاكم إلا من خيال محكوم''.

خلط الأصوات ليس تخصصًا مهنيًا يعمل به ''أيمن بدر''، هو مهندس معماري في الأصل، ابتغى فعل شيء جديد، يوصل به ما أراد للناس، فاتخذ من موقع ''ساوند كلاود'' طريقًا له، صوتًا مع آخر يخرج فكرة جديدة، تعبر عما يُريد قوله، أسمى مجموعته ''المزيج العميق''، مع اسم إضافي يتغير في كل مرة بداية من الأول ''عفن''، وحتى المزيج الأخير ''واحد''.

''احنا جيل جديد وطرق التعبير بتاعتنا مبدعة''، قال ''أيمن''. الفكرة الأخيرة التي عمِل عليها استغرقت شهرين، ''بدأت فيها من شهر عشرة وخلصتها قبل ذكرى الثورة بيومين''، لم يقصد أن يُنهيها قبيل الذكرى ووسط موجة من ثلاث فرق أصابت الشباب ''بس خدت وقت لأني كنت بقف شوية وأرجع وأفكر هختار ايه أدخله في التراك''، هدف المزيج الأخير هو إبراز مدى أهمية الوحدة بين المصريين ''احنا واحد في كل حاجة في البلد والدم والأمل حتى الميت لما هينزل هيبقى في نفس الأرض مع حد تاني مختلف عنه''.

''اللي يردموه يرجعوا تاني يفحتوه واللي يسفلتوه يرجعوا تاني يهدوه.. ياما جاري في الدنيا ياما جاري''، صوت الفنان ''عماد حمدي'' كمقطوعة من فيلم ''ثرثرة فوق النيل''، ومعه الجموع تهتف ''الشعب يريد إسقاط النظام''، سرينة إسعاف بهديرها المألوف، وصوت يقول ''بس للأسف احنا مضطرين نتعامل مع العفن''.

يعمل ''أيمن'' على أفكاره بمفرده، يحاول تطوير التقنيات المستخدمة في المزج ''بصعب الأمر على نفسي عشان أتعلم حاجة جديدة في كل مرة''، بدأت رحلته مع مزج الأصوات عندما قدّم الفكرة الأولى ''المزيج العميق: عفن''، في أحد المعارض الفنية التي تضمنت أعمال تقوم على خلط العناصر بالتوازي ولكن للفيديو ''التراك بتاعي كان الوحيد اللي معتمد على الصوت بس الناس كانت مبسوطة منه جدا''، أشار عليه أحد أساتذة الإعلام الحاضرين في المعرض أن يقوم برفع المُنتج على موقع ''ساوند كلاود'' دون أن يعرف وقتها أن ما يفعل سيصبح مُهم للكثيرين.

''إنك تتحول من طبيب جرّاح لحانوتي.. انا محصلتليش في حياتي''، في الخلفية يصرخ أحدهم ''الشهدا يا كفرة''، بكاء هستيري، صوت الطبيبة ''فاطمة البيّاض'' تروي شهادتها على أحداث فض ميدان رابعة العدوية ''قال لي انا عارف إني هستشهد بس إديني مُسكن يا بنتي.. ارفعي راسي مش قادر أخد نَفَسي يا بنتي''، قرآن يتلوه الشيخ مصطفى إسماعيل، بكاء مرة أخرى مختلط بـ''حسبي الله ونعم الوكيل.. ملناش إلا انت يارب''.

لم يستطع ''أيمن'' استكمال العمل مع بعض المشاهد أو الأصوات، تعتريه نوبة بكاء ''كنت بحاول أقلل في الأصوات جرعة البكاء لكن في نفس الوقت كنت بفتكر الأحداث وأعيط وأنا شغال''، لا يعرف الشاب العشريني شخص بعينه ممن ماتوا أو اُصيبوا خلال الاشتباكات ''بس كنت حاسس إني أعرفهم كلهم؛ الولد اللي وقف قدام المدرعة وقت الثورة والبنت اللي كانت بتعيط على الولد اللي اتقتل يوم 28 يناير في الإسكندرية''، لكن بعض الأصوات فاقت البقية وجعًا ''أكتر صوت وجعني هو صوت شهادة دكتورة في فض رابعة بتحكي عن الحدث ومشاهد الجثث اللي جاتلها''.

الشيخ محمد متولي الشعراوي يرفع دعاء ''ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين''، اشتباكات متوازية مع صوت شاب يصرخ مجروحًا بعد إصابة ''آة.. أة''، ينهي المقطع الشاعر فاروق جويدة ''هذه بلاد لم تعد كبلادي''.

الأربع أفكار التي قدمها ''أيمن'' قبلًا تنوعت بين الإسقاط السياسي وغيره، حيث بدأ أولها مرة في شهر مايو 2013، ثم جاء بعد ذلك بالفكرة الثانية وأسماها ''دم''، مزج فيها بعض من أصوات المهدورة دمائهم في أحداث مُختلفة من بداية الثورة، ثم الفكرة الثالثة ''كربون'': ''كنت عايز أقول إننا بنكرر نفس أخطائنا بالكربون طول الوقت.. حادثة القطر اللي حصلت للأطفال هتحصل تاني والغلط هيتكرر زي ما حصل قبل كدة''، المزج الرابع كان بعيد لحد ما عن مسار السياسة ''كان اسمه القدوس، فلسفته عن اسم ربنا.. الناس فاهمة ربنا بشكل خاطيء؛ كنت عايز أبين لهم إن ربنا بيتقدس أكثر لما بنقرّب منه''، استعان فيه بمجموعة من الأدعية الإسلامية، التراتيل المسيحية، مقاطع من فيلم ''بحب السيما'' واقتباسات أخرى.

اليوم: 25 يناير 2011

شاب يقف أمام مُدرعة شرطة ترش مياه، لا يتزحزح واضعًا يديه بوسطه، في الخلفية أصوات مُشجعين يشاهدون ''جدع جدع.. راجل''.

''انا مش عايز أبسط حقوقي.. انا عايز حقوقي كلها''، تلك فلسفة ''أيمن''، لم يترك حدثًا إلا وخرج فيه بداية من الثورة وحتى ذكراها، لم يسلم من الإصابات أيضًا ''يوم 28 يناير 2011 اتصبت في صدري بخرطوش وفيه جزء من تراك فيه صوت الناس وهما بيقولولي ارجع وخلي بالك''، مرة أخرى في أحداث ''محمد محمود'' الأولى، جاءت إصابته في اليد ''كنت عارف إن فيه قنص للعين فحميت عيني بكف إيدي الخرطوش جه فيها''، الخروج للمظاهرات أفاد المهندس المعماري ببعض لقطات صورها في الأحداث، ضمنها بعد ذلك في مزجه المقاطع، بجانب ذلك يعتمد على موقع يوتيوب كمورد أساسي للمشاهد ''لكن الفكرة هاخد إيه من يوتيوب وبعد ما بختار الفيديو بشتغل على الصوت بتاعه عشان يبقى أفضل''.

بندقية مُصوّبة للمتظاهرين، يرفعها رويدًا، يضغط الزناد، من خلفه جاء الصوت ''جدع يا باشا.. جت في عين الواد''، صوت طلقات، وقصيدة ''أمل دنقل'' ''هل يصير دمي بين عينيك ماء؟.. أتنسى ردائي المُلطخ بالدماء.. إنها الحرب قد تثقل القلب لكن خلفك عار العرب.. لا تُصالح''.

يحكي السامعون لصاحب الفكرة ما يشعرون به عند تشغيلهم المقاطع ''ناس كتير قالولي إننا مبنقدرش نكمل التراك بس بنسيبه ونرجع تاني''، يسعد ''أيمن'' لتلك الأقوال ''بحس إن الناس قادرة تكمل المشوار حتى لو فيه وجع وقسوة''، يحاول تطوير آداءه مع الوقت، يتفق مع أحد الفرق التي تُقدم عروضًا مسرحية للاستعانة بخبرته في ما يقدمونه ''فيه شعراء كمان كلموني وقالولي ممكن نعمل شغل سوا''، تُلهم الأصوات التي يجمعها البعض ''فيه رسام جرافيتي أعرفه قال لي إنت اللي بتعمله بيخليني أعرف أرسم''.

''ثوار أحرار هنكمل المشوار'' هتاف مع تصفيق، صوت آلة العود مع قصيدة ''اللي هيقعد في بيته بعدها خاين.. اللي هيقعد في بيته كأنه سلّم التانيين''، ينتهي المقطع بموسيقى أغنية ''يا بلادي'' كما بدأ.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان