إعلان

تثبيت الذاكرة .. "قصص"

د.هشام عطية عبد المقصود

تثبيت الذاكرة .. "قصص"

د. هشام عطية عبد المقصود
07:00 م الجمعة 24 سبتمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"صباح" ..

حين تشرب الشاي في صباح مبكر وبعد إفطار متعجل هو على سبيل التعود والاستجابة لنصائح تليفزيونية توصي بألا تترك إفطارك وحيدا، وبينما تنظر من شباك يطل على شجرة خضراء في الجانب الآخر من الشارع تبدو كأنها في موضعها منذ زمان لا تدركه، يخامرك حينها شيء مبهج لا يُفسر ولا تسعى أبدا لذلك، حينها تكمل شايك متمهلاً وتغلق صوت الموبايل صمتًا، وتصغى منصتًا لذلك الصوت البعيد الآتي من هناك.

"مساء"..

مساءات كثيرة تعبر بك، تحب فيها شكل السماء وهي تزينها النجوم، ستبدو للوهلة الأولى متشابهة كأنها لوحة ثابتة في مكانها منذ رأيتها هكذا، لكنك تدرك وفي كل يوم أنك ترى شيئا مختلفا وجديدا، وسيمكنك حتما أن تعرف الفارق بين النجوم المتكاثرة التي ترسم صورة انعكاسها في عيونك، ثم بعد أن تألفها ستطلق عليها أسماء تعرفها وتحبها، حتى إن غاب أحدها في مساء تال عرفت.

قطار..

في طريقه اليومي المحفور على عوارض شريط السكة الحديد غير المزدوج يسير متهاديًا ذلك القطار منذ عشرات السنوات التي يؤرخ لها بتهاديه الكهل، في سيره التاريخي هذا تتداخل ظلال حركة الناس والمواشي وشكل الترع والزرع مع ضوء الغروب المتضائل فتصنع مشهدا صامتا محتشدا بشجن جم، وحيث تتراص في غير انتظام البيوت التي يعبرها القطار متناثرة في توزع يوحي بالصبر وعدم الإكتراث، وهكذا تؤثر أن تستمر وتبقى.

"في يوم من الأيام" ..

لن تكتب شيئا مذهلا، تدرك ذلك يقينا، ستكتب فقط شيئا بسيطا وربما عاديا تماما لكنك تعرفه وربما تحبه، هاويا أبدا، ما يمنحك إحساسا ما أدركته ذات يوم ولو كان شاحبا في سفر تاريخ يومياتك أو حتى يوشك أن يكون منسياً في الزمان، وستختبر معضلة أن تكتب وتنشر حكايات وقصصاً كهلاً.

المفاجأة أو الدهشة ومثل تلك المفردات التي يحلو للبعض أن يصفك بها وهم ينطلقون من متنك ليصنعوا متونهم الموازية ستكون دوما لطيفة لكنها لن تصنع معك شيئا كبيرا، سيكون ذلك طيبا وفقط ثم لا شيء إضافياً، ولن يكون ضروريا أبدا أن تقول: لدى روايتان مكتملتان وقديمتان وأيضا لن أنشرهما، وستقول لمن يعرفك من الأصدقاء- محتفظا بما تحب- إنهما مجرد رتوش أو حتى بروفات غير مكتملة للكتابة وأنت تنظر نحو واحدة منهما تسمى نفسها "في يوم من نوفمبر" وتنظر إلى الأخرى التي بقيت في كراسة مدرسية ولا تحمل بعد اسمها أو مفتتحها.

لن تكون محتاجا إلى من يشجعك فتلك أشياء مضت، ولن تهتم بمن يقترح أن تذهب إليه لينشرهما مجاملاً، فقد صار ذلك الآن في يسر سهولة شرب الماء في غير ظمأ كبير، لا سبب محدداَ سوى أنك صرت لا تحب ذلك، أيضا تضيف لنفسك متيقناً أنه لن يزعجك أبداً أن يقرأها أحدهم انطلاقاً منك وإليك، ولن تضطر أيضاً إن قررت ذلك أن تكتب تلك الجملة المعتادة "أي تشابه بين النصوص وشخوصها هو خيال الراوي وحده"، ثم أنه أيضا لا شيء من ذلك سيكون حافزاً أو مانعاً.

ورغم كل شيء ستأسف داخلك كثيرا للقطات آثرت طوال الوقت أن تبعدها جانبا رغم أنها بهيّة وتشرق في نفسك تحفزا فتعيدها إلى سكونها الأول، ستبرر ذلك وتقنع نفسك وترضى، وتظل تمضي مختبرًا خيوط حكايات صغيرة تاركاً خيط الرواية الأصلية متقطعاً، وحين تتذكر ما قاله جارسيا ماركيز: "كل حكاياتي بها شيء واقعي

أعرفه"، تسأل فى دهشة: وهل ما يقوله حقاً؟!.

إعلان

إعلان

إعلان