إعلان

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه (5 ـ 10)

د. عمار علي حسن

التعليم الأزهري.. ما له وما عليه (5 ـ 10)

د. عمار علي حسن
09:00 م الأربعاء 30 مايو 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

وإزاء هذه التطورات في البنية التعليمية كان التدرج في الإصلاح الفكري للأزهر، يعلو ويهبط، يتوهج ويخبو، حسب التكوين العقلي لمن يتولى المشيخة. وإذا كانت حركة النهضة المصرية قد اشتد عودها مع بداية القرن العشرين، فإن الأزهر في تلك الآونة كان يقوده رجلٌ ناصر الثورة العرابية، وتولى نظارة دار الكتب، وكان صديقا لمحمود سامي البارودي، وتحمس بقوة لأفكار الإمام محمد عبده الإصلاحية، وهو الشيخ علي محمد الببلاوي (1902 ـ 1905).

لكن من أتى بعده وهو الشيخ عبدالرحمن الشربيني (1905 ـ 1906)، كان تقليديا سلفيا، عادى الإصلاح وتحيز للقديم. فلما جاء المراغي وضع نواة رقابة الأزهر على المنتج الفكري من خلال إنشاء هيئة تراقب البحوث والثقافة الإسلامية والكتب التي تهاجم الدين. وتبعه الظواهري الذي كان إصلاحيا إلى حد كبير، يميل إلى تجديد الفقه بما يواكب التغيرات الاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى أن يكون علماء الدين ملمين بمجريات الواقع، وأن يفهموا في السياسة قدر فهمهم في الفقه والأصول والحديث... إلخ.

كان الظواهري يطبق هنا أفكاره التي ضمنها في كتاب وسماه بـ"العلم والعلماء"، دافع فيه باستماتة عن الأفكار الإصلاحية لمحمد عبده، ما دفع الخديوِ عباس حلمي إلى محاربته، وجمعت نسخ الكتاب لتحرق في ساحة الجامع الأحمدي بطنطا، لكن مصادرة الكتاب لم تحل دون ذيوعه، فانكب الطلاب ينسخون منه صورا باليد، ويتبادلونها. وأعاد الإمام عبدالحليم محمود طبع الكتاب، حين كان يتولى أمانة مجمع البحوث الإسلامية.

وبعد الظواهري تبوأ مشيخة الأزهر رجل مستنير، من تلاميذ محمد عبده، وهو الشيخ مصطفى عبدالرازق (1945 ـ 1947)، الذي درس الفلسفة والآداب بجامعة السربون، فزاوج بين ثقافة الغرب وتراث الإسلام، ولذا نادى بانفتاح الأزهر على الغرب، وشيد قاعة محمد عبده بالأزهر لتكون ملتقى للمؤتمرات الدولية الإسلامية، وترجم بعض الكتب الدينية، وفي مقدمتها "رسالة التوحيد" إلى اللغة الفرنسية.

وواصل خلفه الإمام محمد مأمون الشناوي (1947 ـ 1950) ما أمكنه من مسيرة عبد الرازق، حين أرسل نوابغ طلاب الأزهر لتعلم اللغة الإنجليزية، كي يصبحوا دعاة عصريين قادرين على مخاطبة "الآخر".

أما الإمام عبدالمجيد سليم (1950 ـ 1951/ 1952 ـ 1954)، فقد انصب اهتمامه على تحرير الفقه من التقيد بالمذاهب، التي حاول التقريب بينها، ودعا إلى إعمال العقل في الأمور الدينية.

وبعد ثورة يوليو 1952، حاول أغلب من تولوا مشيخة الأزهر تطويع رأي الدين لخدمة السياسات السائدة، فشلتوت أفتى بأن "القوانين الاشتراكية لا تتعارض مع الإسلام"، والدكتور محمد الفحام الذي تولى المشيخة في الفترة من (1969 ـ 1973)، اعتبر أن الانقضاض على الاشتراكية بمقتضى ما سماها السادات ثورة التصحيح عام 1971 هو "خطوة تأتي من أجل كفالة الحريات للوطن والمواطنين وسيادة القانون وبناء لدولة الجديدة".

ويمكن القول إن الأزهر قد استوعب بعض الأفكار الإصلاحية التي روج لها رواده على مدار قرن من الزمان، يبدأ من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، إلا أنه لم يتخذ خطوات فارقة على هذا الدرب، نظرا لطغيان "السياسي" على "الديني" و"الفكري" معا عقب قيام ثورة يوليو، بما جعل الخط البياني في إصلاح الأزهر، يتوقف أحيانا أو يعلو ببطء، وهو وضع لا يقارن أبدا بالتطور الكبير الذي كان يحدث إبان العهد الليبرالي، حين شرع أنصار الليبرالية في طبع بصماتهم على الرؤية الدينية، بما يمكنها من أن تلقي بغمارها تدريجيا في الواقع المعيش، وتخرج من أسر الكتب القديمة، التي أنتجها الفقهاء في عصور ولت.

وفي قضية الإصلاح يجب القول إن كل الشيوخ وعلماء الدين الأزهريين ليسوا سواء، فإن كانت هناك قلة تؤمن بأن دوره لا يجب أن يتعدى مواصلة تبليغ رسالة الإسلام، فإن الأغلبية منهم تعتقد أنها وصية على الدين، أو المتحكمة في تعيين مجاله وحدوده ومساراته وتأويلاته وتفسيراته، وقبل كل ذلك أسسه، أو بمعنى أكثر تفصيلا ووضوحا، تعتقد أنها هي من يقرر ما يسمى "المعلوم من الدين بالضرورة"، والفواصل أو المفاصلة بين "الحلال والحرام" وبين "الحق والباطل" وبين "الإيمان والكفر"، وبسبب هذا يميل أغلب المشايخ إلى التقليد، ويلبسون الدفاع عن مصالحهم ثوب الدفاع عن الدين، ويطاردون كل من يروم تجديدا وتنويرا.

على وجه العموم، يألف المتحكمون في المؤسسات الدينية دوما الأفكار التقليدية، والأشخاص الذين يسايرون ما يجري، ويرددونه ولا يبرحونه، وهذا ليس خاصا بالأزهر إنما المؤسسات كافة في الإسلام وغيره من الأديان، والتي تتحول، بمرور الزمن، إلى هيئات بيروقراطية، يوظفها القائمون عليها في خدمة مصالحهم ومنافعهم الذاتية، وهذا يتحقق في ركاب السكون، وليس في رحاب الحركة، وفي التكلس والجمود، وليس في التجدد والتغيير. وهناك آلية تتبلور مع الوقت تتحكم في عمل المؤسسة تدفعها في طريق الحفاظ على ما هو قائم، والخوف من التحرر.

ولذا، فبدلا من أن ينفتح الأزهر إن أراد أن يواكب التطور في العلوم والأفكار وطرائق العيش والتصورات الدينية، على التنويرين أو الإصلاحيين من داخله، فإذا به يضيق الخناق عليهم، مع أنه الأولى والأحرى به، كما يقول القائمون عليه دوما، أن يعترف بالتعددية والتنوع داخل الإطار أو الفضاء الديني الواحد، وأن يترك كل الآراء تبدى بلا حرج. فإذا كانت وظيفة النبي عليه الصلاة والسلام نفسه، كما ورد في القرآن الكريم، هو الإبلاغ وليس فرض الدين، فلا يمكن أن نتصور وظيفة أو دورا للأزهر يتعدى هذا أو يجور عليه.

والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المقام هو: هل القيادات الحالية قادرة على التجديد؟ أعتقد أنه يوجد إصلاحيون في المواقع العليا للأزهر، لكنهم قلة وصوتهم خافت، ومن حاول منهم أن يدفع في طريق التجديد، تم كبت صوته أو إجباره بنعومة أو خشونة أحيانا على الصمت والإرجاء. أما أغلب المتحكمين في القرار، كما نعرف مما يرشح من معلومات ومواقف، فيميلون إلى الإبقاء على الوضع كما هو عليه، مرة مجاراة لتيار متسلف سيطر على الأزهر، ومرة لخلاف مع قلة من الإصلاحيين لدى أغلبهم حرص على الاستقلال والحرية في التفكير والتعبير، ومرة لعناد مع السلطة السياسية لاسيما في جوانبها التنفيذية خصوصا وزارة الأوقاف ودار الإفتاء، ومرة لسد الطريق أمام الإصلاحيين للاقتراب أكثر من المشيخة والشيخ، ومرة لمغازلة تيارات فقهية وفكرية في بعض دول الخليج، ومرة لاعتقاد زائف بأن دور الأزهر يقتضي منه هذا في وجه التيارات التي يسميها الأزهريون علمانية.

ورغم كل هذا طلب الرئيس عبدالفتاح السيسي من هذه القيادات التجديد رغم حديث الباحثين بصعوبة قيامهم بذلك، نظرا لأن الرئيس، كغيره من الرؤساء السابقين، يدرك أن الأزهر ينظر إليه على نطاق واسع، في أروقة الحكم أو لدى قطاع عريض من الجمهور، بوصفه أحد أعمدة الدولة. وبالتالي فالتعامل معه لا فكاك منه، ومطالبته بأن يلعب الدور الأهم في التجديد أمر طبيعي من الناحية الرسمية أو الشكلية، لاسيما مع وجود مادة في الدستور تعطي الأزهر هذا الموقع أو تلك المكانة. لكن الرئيس أو السلطة السياسية بعمومها، لا تبذل ما عليها من جهد في سبيل تمكين الإصلاحيين داخل الأزهر، جامعا وجامعة، ليس بالتدخل السافر أو الإجبار، إنما بالحوار والتفاهم والحض المستمر الذي يقود مع الزمن إلى تمكين هؤلاء تدريجيا.

وتدرك السلطة أيضا أن هناك قوى وجماعات دينية متطرفة تسعى بكل قوة إلى هدم الأزهر، حتى لا يجد الناس أمامهم سواها ليلبوا طلبهم على الرأي والفتوى الدينية، وهو طلب لا يتوقف، وكل سؤال فيه يحتاج إلى إجابة، وإن جاءت الإجابة من الأزهر، مهما كان، تظل أكثر أمنا من أن تأتي جماعات توظف الإسلام في تحصيل الثروة وحيازة السلطة السياسية. وهذا يفرض ضرورة العمل مع الأزهر، والصبر على هذا، لكن في ظل وجود تصور أو استراتيجية للإصلاح الديني، تتحقق مع الزمن.

ولا أعتقد هنا أن الدولة تدفع فواتير للأزهر لموقف المشيخة في ٣٠ يونيو، وموافقة شيخ الأزهر على الجلوس ضمن الفريق الذي أطلق خريطة الطريق التي بمقتضاها تمت إطاحة حكم الإخوان. فلم يكن بوسع الأزهر أن يقف ضد الأغلبية الكاسحة من الشعب، وبالتالي ليس بوسعه أن يتحدث عن فواتير في أعناق الدولة له، لأنه بالأساس جزء من هذه الدولة.

وسط كل هذا تبقى الأزمة الحقيقية هي الهروب من المسؤولية حيال ما هو مطلوب بالفعل، والمطلوب هو "إصلاح ديني"، يجعلنا نمتلك "خطابا دينيا جديدا"، وليس مجرد الاكتفاء بالحديث عن "تجديد الخطاب الديني"، الذي لا يتعدى طلاء جديدا لجدار قديم متهالك، يريد أن ينقض. والتذرع بأن الإصلاح الديني يخص المسيحية الغربية فقط وليس الإسلام أمر يدعو إلى السخرية، فبعض التصورات والمؤسسات الدينية الإسلامية باتت تلعب الدور المعوق نفسه الذي كان يلعبه الدين في أوروبا، وعلماء الدين في بلاد المسلمين يقولون ليل نهار إنه لا كهنوت في الإسلام، لكنهم في تصرفاتهم وتصوراتهم ودفاعهم عن مصالحهم الذاتية بدعوى أنها الدين يتحولون إلى كهنوت بشكل صارخ. وهناك رؤى فقهية وتفسيرات وأحاديث منسوبة للرسول، عليه الصلاة والسلام، وتواريخ وسير من العهد الأول تحتاج إلى مراجعة شاملة، كذلك نحتاج إلى الإجابة عن السؤال المهم حول ما إذا كان القرآن نصا أم خطابا.

وتقدم الجامعة خدماتها للمجتمع من خلال أربعة مستشفيات، ثلاثة منها بالقاهرة هي مستشفى الحسين الجامعي، ومستشفى الزهراء الجامعي، ومستشفى باب الشعرية الجامعي، والرابع مستشفى دمياط الجديدة. وهناك ثلاثة عشر مركزا تقدم خدمات للمجتمع هي: مركز المعلومات والتوثيق ودعم اتخاذ القرار، ومركز الحاسب الآلي بفرع البنات، ومركز المناعة وأمراض الحساسية، ومركز لبيوتكنولوجيا التخمرات والميكروبيولوجيات التطبيقية، ومركز الهندسى الوراثية، ومركز دلالات الأورام - بكلية الصيدلة بنين- القاهرة، ومركز إعاقات الطفولة، ومركز العلوم لتحديد ومعالجة المخاطر البيئية، والمركز الدولي الإسلامي للدراسات والبحوث السكانية، ومركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، ومركز تكنولوجيا البلازما، والمركز الإقليمي للفطريات وتطبيقاتها، وحدة المناعة الجزيئية، ومركز جامعة الأزهر للدراسات والبحوث الفيروسية.

كما تقدم الجامعة خدماتها للمجتمع، من خلال المكتبة التي بدأ الاهتمام بها بعد صدور القانون 103 لسنة 1961، والذى تم بموجبه إنشاء وتمويل مكتبات الكليات الجـامعية التي كانت تمارس نشاطها العلمي آنذاك، لينتهي الأمر إلى إنشاء مبنى المكتبة المركزية الحالي، والذي وشارك في إنشائه وتأسيسه وتجهيزه خبراء من اليونسكو، وبلغت مساحة المبنى 1200 متر مربع، وتم افتتاح المبنى عام 1992. والمكتبة مفتوحة أمام طلبة العلم والباحثين من مختلف الجامعات المصرية وغيرها.

ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى.

شاهد مسلسلات رمضان "قبل أي حد"

جهز إفطارك من طبخة ع السريع: أسرع طريقة لتجهيز الأكل

إعلان

إعلان

إعلان