إعلان

برنامج الرئيس الانتخابي

أمينة خيري

برنامج الرئيس الانتخابي

أمينة خيري
09:02 م الإثنين 26 مارس 2018

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

فرضت حالة من الصمت الانتخابي على نفسي لحين انتهاء الانتخابات وإعلان النتيجة، وذلك رغم أنف صخب الصمت الزاعق جدًا. فلندع العملية الانتخابية تمر من حيث الإجراءات، ومن بعدها إعلان النتيجة، ثم نسأل عن القادم.

القادم، ألا وهو المستقبل القريب، تسوده ضبابية نسبية. فمن جهة أوضاع الإقليم هبابية، ومن جهة أخرى حال العالم على كف عفريت، ومن جهة ذاتية داخلية الأمور في حاجة إلى جرد وتنسيق وتنظيم. بيتنا يحتاج "تنظيفة عيد". غرفه في حاجة ماسة إلى التخلص من الكراكيب، ورش الأثاث، وتطهير الأرضيات. ومطبخه يحتاج التخلص من كل الحلل القديمة وبواقي الأكل وفضلاته. وكذلك الحال بالنسبة للحمام الذي يحتاج تطهيرًا وتعقيمًا حتى يصبح البيت برمته يليق بعيشة البني آدمين.

"البني آدمين" هم المواطنون والمواطنات الذين لم يطالبوا الرئيس المقبل ببرنامج رئاسي محدد. ولم يفرضوا عليه تقديم وعود انتخابية يحاسبونه على أساسها بعد انقضاء المدة أو حتى أثناءها. كما أنهم لم يصروا على عقد مناظرة بين المرشحين للمقارنة بينهما، أو حتى يتوقعوا جولات انتخابية في المدن والقرى تهتف "انتخبوا فلان" مع توزيع الشارات ونشر الروح الحماسية لهذا المرشح على حساب ذاك. صحيح أن البعض من المواطنين تبرع من تلقاء نفسه للقيام بهذا الدور، والبعض الآخر وجد نفسه يطبع اللافتات ويعلق الشارات بوازع محبة أو وطنية أو أي شيء آخر.

لكن آخر ما يمكن طلبه على صعيد المواطنين العاديين هو أن يتحملوا المزيد من الضغط دون مقابل. والمقابل المعني هنا ليس "شاي وسكر وزيت"، أو تلويحا بجزرة "توصيل المياه النقية والصرف الصحي للقرى الأكثر تصويتًا" (راجع تصريح السيدة محافظة البحيرة)، أو صرف مكافأة إضافية على بطاقة التموين. لكنه خطوات فعلية وحقيقية وآنية لإصلاح حال الحياة اليومية الذي ضربه العوج وأصابه العوار، ولم يكتفِ بالعوز الاقتصادي.

صحيح أن العوز الاقتصادي قاسٍ ومؤلم، لكن الرسائل التي "لا" ترسلها الدولة بأنها موجودة وحاضرة وعادلة تكلل العوز بإحباط، وتضيف إلى ضيق ذات اليد شعورًا بالظلم وفقدانًا للأمان وافتقادًا للثقة في قدرة القانون على إعادة الحقوق المهدرة وتصحيح المسارات المغلوطة.

الغلط الكبير الذي يقع فيه البعض من قادة الدول هو الاكتفاء بالتقارير الرسمية المقدمة لهم، أو الاعتقاد بأن المشروعات الكبرى بديل للمشروعات الصغرى التي هي العنصر البشري نفسه، وهنا مربط الفرس.

العنصر البشري المصري في حاجة ماسة إلى جردة حقيقية. وليس خافيا على أحد أن أخلاقنا في النازل، وسلوكياتنا في الحضيض، وضمائرنا معتلة، وأدمغتنا محتلة بما لا ينفع ويضر.

وليس خافيا على أحد أن الجميع يشكو من تصرفات الجميع. التاكسي الأبيض يشكو من أن "أوبر" و"كريم" استوليتا على رزقهم، لكن التاكسي الأبيض لا يرى أنه بلطج على المواطنين، فالعداد دائمًا عطلان، والسيارة دائمًا قذرة، والألفاظ في أغلب الأحوال منقلتة، والقائمة طويلة. ولا تخلو أسرة من عزيز فُقِد أو أصيب في حادث سير، ورغم ذلك فالغالبية تضرب بقوانين المرور عرض الحائط. والآباء والأمهات يبكون على أطلال أخلاق الأجيال الجديدة، لكنهم في الوقت نفسه المعلمون والمعلمات الذين يضربون عرض الحائط بالأخلاق والضمير، حين استبدلوا الدروس الخصوصية ومراكزها الممتدة بدورهم التربوي والتعليمي. وقس على ذلك كل كبيرة وصغيرة من مناحي الحياة في مصرنا العزيزة.

مصرنا التي ندعو من كل قلوبنا أن تمر بسلام من مطرقة الإرهاب، وتنجو من محاولات الإيقاع- هي بحاجة إلى نظرة في دواخلها. فما الذي يمكن أن تفعله قطارات جديدة فاخرة، وطرق جبارة شاسعة، وباصات جميلة ذات طابقين أو مزودة بواي فاي، ومبانٍ مدرسية مواكبة للقرن الـ21، وعمارات سكنية تبدو كأنها مصنوعة في أوروبا وغيرها، بينما قطاعات عريضة من المواطنين لا يهدأ لهم بال أو يسكن لهم خاطر إلا بإساءة استخدامها، وتلطيخها تلطيخًا، وتدميرها تدميرًا، في تصرفات انتحارية تدميرية تستوجب أبحاثًا نفسية؟!

العنصر البشري يحتاج خطة تعديل على المديين القصير والطويل، لكنه أيضًا يئن من فرط غياب تطبيق القانون. بمعنى آخر، إلى أن يخرج جيل جديد من الحاصلين على رخص القيادة يعرفون بحق معنى القيادة وقوانينها وإشاراتها وقواعدها، فلنطبق القانون بكل حسم على المخالفين. وإلى أن يخرج جيل جديد من المعلمين لم يلطخه أو يشوهه انعدام الضمير، فلنطبق القانون على الممتنعين عن الشرح والمكتفين بمراكز الدروس الخصوصية.

وإلى أن يخرج جيل جديد يعي بحق معنى النظافة الشخصية وقيمة النظافة العامة، فلنطبق القانون على من يلقون القمامة في كل ركن من أركان حياتنا.

وليكن ذلك جزءا من برنامج انتخابي للرئيس في أربع سنوات مقبلة.

إعلان