إعلان

روسيا "الجديدة".. الإعلام واستعادة النفوذ السياسي المفقود

روسيا "الجديدة".. الإعلام واستعادة النفوذ السياسي المفقود

د. هشام عطية عبد المقصود
07:16 م الجمعة 30 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

"لن نستطيع التكلم معك بسبب جمالك" يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه الجملة مسترخيا ومازحا لـ"ميجين كيلى" مذيعة ومقدمة البرامج بقناة "NBC" الأمريكية، قبل بدء حوار أجرته معه ومع رئيس الوزراء الهندي على هامش منتدى بطرسبورج الاقتصادي، سيكون ذلك ملفتا ودالا تماما عندما -وفى الوقت ذاته- يقف جيمس كومى المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي ليقدم شهادته إلى الكونجرس متضمنة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب منه في لقاء بينهما وقف التحقيق حول علاقة مستشار ترامب للأمن القومي مايكل فلين بروسيا.

سيكون ذلك بمثابة إعلان لا يمكن تجاهله عن نفوذ روسيا في ساحة الإعلام الدولي وشبكات التواصل الاجتماعي، وأن هذا الفاعل الجديد قد أعاد هيكلة معادلة تلك القرية الكونية الصغيرة التي صاغها الباحث الأمريكي "مارشال ماكلوهان" في بلاغة لفظية تغطى على تهافت منطقها، ومن دون أن يشير إلى أنها قرية يحكمها ويدير تدفقات معلوماتها ذلك العمدة الأمريكي وأصدقاؤه الغربيون بينما يكتفي سكان قاراتها بالمشاهدة والتلقي الساكن.

وبينما تستمر روسيا في فرض دورها وتأثيرها، سيعلن مسئولو قناة "RT" وشبكة أخبار "Sputnik" الروسيتين عن تعسف السلطات الغربية مع المهام الإعلامية لمراسليهم، ليظهر ذلك نمطا طريفا من تبدل الأحوال التي دأبت على أن تأخذ مسارا عكسيا نقيضا طوال عقود مضت، وسيكون قبلها قد منع الرئيس الفرنسي المنتخب ماكرون الإعلام الروسي من تغطية حملته الانتخابية.

هكذا تستعيد روسيا بوعي وعبر كوادر إعلامية مؤهلة مساحات من الدور السياسي الغائب في خريطة الكون وداخل مراكزه الأكثر تأثيرا دوليا، وبما يشكل انقطاعا يخاصم كل التراث السوفيتي السابق في توظيف شعارات سياسية دعائية فجة، وسيمضى الإعلام الروسي الجديد ليؤكد نفوذه عندما تقوم السيناتورة الأمريكية جين شاهين بعرض صورة للقاء الرئيس الروسي بوتين مع "مارغريتا سيمونيان" رئيسة تحرير شبكة "Sputnik" الإخبارية وقناة"RT"  أمام لجنة للكونجرس تناقش مخاطر دور الإعلام الروسي، مشيرة بهذا إلى التوظيف الرسمي الروسي لهذه القنوات وكأنها تعلن اكتشافا كونيا مثيرا ومفاجئا، بينما تبدو فعليا وكأنها تؤكد عبر مؤشر جديد على مساحة جديدة مستعادة في النفوذ الروسي المفقود.
وفى المقابل، سترد "سيمونيان" بهدوء مهني بالقول إن لديهم خطة عمل كبيرة تتضمن إطلاق قناة باللغة الفرنسية، ومؤكدة أنه ووفق أولوياتهم سيتم إطلاق بث قناة "RT" باللغة الألمانية من العام القادم.

في 21 ديسمبر من عام 1991، بدأت نشرة الأخبار في التليفزيون الروسي بإعلان مفاجئ يقول "مساء الخير هذه نشرة الأخبار، الإتحاد السوفيتي لم يعد موجودا بعد الآن" وبعد ما يقرب من 26 عاما من هذا الحدث سيعلن الإعلام والسياسة الغربية أن روسيا صارت موجودة الآن ومؤثرة، في هذا التوقيت وبينما تتواصل شكاوى غربية غاضبة من معالجات الإعلام الروسي، سيظهر بوتين في حواره مع شبكة الأخبار الأمريكية هادئا مستريحا، وسيترك لـ"جورباتشوف" آخر رئيس للإتحاد السوفيتى أن يطل عبر شبكة "BBC" البريطانية في حديث للذكريات وهو يحمل معه ميدالية نوبل للسلام لجهوده "الإصلاحية" السياسية والتي حصل عليها قبل عام واحد من إعلانه انهيار وتفكك الإتحاد السوفيتي، وقبل حديث الذكريات هذا الذي تضمن نقدا ضمنيا لسياسات بوتين، كان "جورباتشوف" قد ظهر خلال عام 1997 فى إعلان دعائى للبيتزا هو وحفيدته لصالح شركة "Pizza Hut"، ثم ظهر بعدها وفى عام 2007 في حملة إعلانية أخرى لشركة الأزياء الفرنسية Louis Vuitton، وسيكون ذلك آخر ما سيذكره التاريخ عن رئيس الإتحاد السوفيتى السابق.

سيواصل بوتين حديثه بهدوء وثقة أكبر، بعد أن أربكت جملته الافتتاحية المداعبة خبرة المذيعة الأمريكية، وسيظل الفضاء السياسي الأمريكي منشغلا بفحص دور روسيا وإعلامها ومدى تأثيرهما في إرباك مشهد الانتخابات الرئاسية، وبعد أن أدى ذلك للإطاحة بالعديد من كبار المسئولين الأمريكيين في توصيف لحدث يراه بعض المحللين بأنه أكثر أهمية وخطورة في التاريخ السياسي الأمريكي من قضية أو فضيحة "ووترجيت" التي استقال بسببها الرئيس الأسبق نيكسون، تلك العلامة التجارية التاريخية للديمقراطية الأمريكية والتي يتم ترويجها في كل أدبيات السياسة والصحافة في العالم، ستتغير أحداث التاريخ وربما يفتح في سجلاته صفحات جديدة ليضيف واقعة أكثر حداثة ودلالة، وسيكون من دراماتيكية تدوين الوقائع أن يكون اسم روسيا عنصرا محوريا فيها وذلك وفقا لما صار يطلق عليها سخرية أو تأكيدا فضيحة "روسيا جيت"، تذكرة واضحة بأنه الإعلام أيها الذكي!

إعلان