إعلان

البشعة وأوبر وملك الكيمياء

البشعة وأوبر وملك الكيمياء

د. جمال عبد الجواد
07:18 م الجمعة 30 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

البشعة وأوبر وملك الكيمياء ونجم الفيزياء وسمسار الأراضي وونش الإنقاذ وتشطيبات الرخام، هو فقط بعض من الإعلانات المكتوبة على الجدران في طرق القاهرة وشوارعها. مشروعات تطوير الطرق السريعة -كالطريق الدائري وطريق المحور- عبر تثبيت جدران لعزل الطريق عن مناطق السكن المجاورة، أتاحت للمدرسين الخصوصيين والمشعوذين وسماسرة العقارات ومشغلي أوناش الإنقاذ ومدرسي اللغة الإنجليزية من منازلهم، أتاحت لكل هؤلاء مساحات مجانية جديدة للترويج لتجارتهم.

يوجد في مصر قوانين تنظم كل شيء، بما في ذلك إعلانات الشوارع ولافتات المحلات التجارية وأي منشآت إدارية أو خدمية، غير أن ما تراه في شوارع القاهرة لا يدل على أن في هذا البلد أي قانون على الإطلاق. ضمن قوانين أخرى، ينظم "قانون البناء الموحد والتنسيق العمراني" (لاحظ الاسم) إعلانات الشوارع داخل المدن وعلى الطرق السريعة التي تربط بينها. المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية العمرانية (نعم لدينا هيئة بهذا الاسم) أصدر منذ عام 2008 "أسس ومعايير التنسيق الحضاري للإعلانات واللافتات". في هذه الوثيقة ذات الخمس وثلاثين صفحة، والمزودة بالصور والرسوم الإيضاحية الملونة، تم، وبتفصيل شديد، تحديد كافة المعايير والأسس الواجب إتباعها في تصميم إعلانات الشوارع، واختيار أماكن وطرق تثبيتها، وفي إصدار التراخيص اللازمة لذلك.

لا شيء في هذه القوانين واللوائح والمعايير ينظم الإعلانات المكتوبة على الجدران بلغة ركيكة، وألوان فاقعة، وانعدام كامل لأي حس جمالي، لأن واضعي القوانين والمنسقون الحضاريون لم يتخيلوا أن جدران المدينة يمكن أن تتحول إلى لوحات إعلانات مجانية قبيحة. نظافة جدران المدينة تنظمها قوانين الإدارة المحلية التي تمنع الكتابة على الجدران، وتنظم تركيب اللافتات والإعلانات، وتحصل الرسوم في مقابل ذلك. لكن أصحاب المصلحة لهم رأي آخر، فكل مساحة متاحة للإعلان عن تجارتهم بطريقة تصل للجمهور المستهدف سيتم استخدامها، أما أسئلة الجماليات والتنسيق الحضاري فهي من نوع الأسئلة الذي لا يرد على أذهان هؤلاء، الذين تدل جرأتهم في الإعلان عن تجارتهم على أنهم لا يقيمون حسابا لأي سلطة، بعد أن تحولت شوارعنا إلى ملكية لا صاحب لها، يمكن لأي مغتصب أن يفعل بها ما يشاء.

بعض من هؤلاء تجارتهم مخالفات يعاقب عليها القانون، ومنهم أصحاب البشعة والحجامة والمعالجين بالسحر، وإذا كانت السلطات جادة في تتبعهم فما أسهل ملاحقتهم من خلال أرقام هواتفهم المنشورة على الجدران. أغلب المعلنين على الجدران هم جزء من الاقتصاد غير الرسمي، بلا أي سجلات تجارية أو ضريبية أو صحية أو مهنية، وعناوين كل هؤلاء وأرقام تليفوناتهم مكتوبة ببنط عريض على الجدران، دون أن تفكر أي سلطة في تتبع أنشطتهم، أو مطالبتهم بدفع المقابل لاستغلال جدران المدينة كلوحات إعلانية، أو لإزالة ما تسببوا فيه من تشويه لمدينة يكفيها ما فيها من تشويه.

الجدران الممتدة بطول الدائري والمحور والأوتوستراد، وأسوار مصالح حكومية كثيرة منتشرة في أنحاء المدينة هي ملكية عامة مهدرة. جدران الطرق في مدننا يمكن أن تكون مساحة جمالية وفنية رائعة متاحة لإبداعات الفنانين والشباب، ويمكن لها أن تكون مصدرا للإيرادات إذا تم تنظيم تأجيرها للمعلنين، أما تركها على وضعها الراهن فهو دليل إضافي على ترهل وفساد البيروقراطية في بلادنا.

إعلان