إعلان

سيد قطب.. الوجه الآخر

سيد قطب.. الوجه الآخر

محمد شعير
11:41 م الخميس 29 يونيو 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لم يكن سيد قطب بتلك البساطة التي بدا بها في مسلسل "الجماعة"، هو أكثر تعقيدا من ذلك. تعقيدات فكرية وشخصية جعلت منه "نبي العنف المسلح"، رمز ومرجع لكل حركات الإسلام السياسي المعاصرة بكل تصنيفاتها بداية من جماعة الإخوان ومرورا بالجهاد أو الجماعة الإسلامية أو القاعدة وليس نهاية بداعش. 

حياة قطب تاريخ من التحولات، وهى تحولات لم ترتبط بنضج فكرى، بقدر ما ارتبطت بالانتهازية، والهشاشة الفكرية، ولكن هناك خيط ثابت في كل هذه التنقلات، هو "العصابية الفكرية"، سواء في مرحلته الليبرالية أو الإسلامية كان لديه يقين بأنه لا يخطئ، لا يأتيه أفكاره الباطل.. رغم أنه سرعان ما ينقلب على تلك الأفكار!

ربما لهذا ليس غريبا أن نجد أنفسنا أمام وجه واحد، بل أمام وجوه متعددة للشخص نفسه: الرومانسي الحالم، والروائي المحبط، والماسوني، والملحد (كما اعترف بنفسه)، والناقد الأدبي المسموع، وصانع الصحف والمجلات، فمن تجاربه الصحفية الهامة إدارته لتحرير مجلة (السوداي) التي أسسها محمد السوادي أحد أقطاب حزب الوفد، كما أسس ورأس تحرير عده مجلات من بينها "العالم العربي" و"الفكر الجديد" وهى المجلة التي نشر فيها العديد من المقالات التي نادى فيها بالاشتراكية الإسلامية، وهى تجارب لم يشر إليها أحد من دارسي سيد قطب، الذي تخلو المكتبة العربية من دراسة جادة عن تحولاته باستثناء الكتاب الهام الذي كتبه شريف يونس" سيد قطب والأصولية الإسلامية" وهو مرجع تجاهله تماما وحيد حامد أثناء كتابة مسلسل "الجماعة" رغم استعانته بمراجع لا يمكن وصفها على الإطلاق بالعلمية!

يري شريف يونس في كتابه أن قطب كان "واحدا من رجال الانتلجنسيا القومية شبة العلمانية"، و"مصلح اجتماعي ذو نزعة يسارية واضحة"، كما احتل برنامجه " الإصلاحي في النصف الأول من الأربعينيات موقعا وسطا بين البرنامج الاشتراكي أو اليساري بالأدق والبرنامج المحافظ". وقد جمع قطب أفكاره الإصلاحية في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام".

لكن السؤال كيف كانت علاقته بالضباط الأحرار..والثورة..وهل كان يقود اجتماعاتهم؟ 

قرأ الضباط كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" قبل الثورة، وحكى الدكتور الطاهر أحمد مكي في مقال له بمجلة الهلال بعنوان: "سيد قطب وثلاث رسائل لم تنشر من قبل" أن كتاب قطب ترك تأثيرا واضحا في فكر الضباط الأحرار، ومن أوائل الكتب التي قرءوها قبل أن تقوم الثورة نفسها. يضيف:" فقد طلب منى الكتاب صديق قريب فى الجيش، ثم عاد ورجاني أن أدله أين يباع فهو بحاجة إلى أكثر من نسخة، وكان هذا الضابط هو البكباشى إبراهيم عاطف، الذي انتخبه الضباط سكرتيرا لناديهم مع محمد نجيب رئيسا، إبان تحديهم للقصر الملكي".

لم يكن كتاب قطب هو الوحيد الذي ترك تأثيرا في "الضباط الأحرار"..مجموعة كتابات خالد محمد خالد أيضا وخاصة "من هنا نبدأ"، أو كتب توفيق الحكيم، وساطع الحصري وآخرين من أطياف متعددة يمينا ويسارا!

وبالتالي لم تكن لقطب تلك المكانة المتميزة لدى الضابط، كما حاول المسلسل الإيحاء بذلك، طه حسين - مثلا- هو الذي وصف ما جرى في مصر بأنه "ثورة" في مقال له نشر في 5 أغسطس 1952، بينما كتب قطب فى روز اليوسف في 13 أغسطس متأثرا بعميد الأدب العربي واصفا ما جرى بأنه "ثورة"، وكان ذلك ردا على أنور السادات الذي اعتبر ما جرى "انقلاب"!

وعلى عكس العميد الذي نادي بمزيد من الحرية والعدالة والديمقراطية والانفتاح، دعا قطب في عدة مقالات له نشرتها جريدة الأخبار إلى "عدم عودة الضباط إلى ثكناتهم باسم ملايين الشعب"، ووصفهم بأنهم "مثل نادر فى تاريخ البشرية كلها لم تقع إلا في مطالع النبوات، وتتميز بالطهارة والنقاء"، ودعاهم إلى "دكتاتورية عادلة شريفة(!)" وبارك إعدام خميس والبقري!

والثابت أيضا أنه لم يكن صديقا أو أستاذا لعبد الناصر ، كانت علاقته قوية بكمال الدين حسين المعروف بميوله الدينية، كما أن الشيخ الباقورى وكان وزيرا للأوقاف فى بداية الخمسينيات أشار فى مذكراته إلى تزكية مرشد الإخوان حسن الهضيبى لسيد قطب لتولى سكرتارية هيئة التحرير ولكن عبد الناصر رفض خوفا من سيطرة الإخوان على الهيئة.

وقد حكى الروائي بهاء طاهر هذه الحكاية الطريفة والدالة بأن سيد قطب كان قريبا من محمد نجيب فنصحه بمنع إذاعة الأغاني في الإذاعة إلا ما كان بالعربية الفصحى، وطالب بإسكات تلك "الأصوات الدنسة" مثل محمد عبد الوهاب ـ أم كلثوم ـ فريد الأطرش ـ محمد فوزي ـ ليلى مراد ـ سيد درويش ـ عبد العزيز محمود، لأن الإذاعة على حد تعبيره قد تفانت في إرضاء الملك لمدة ربع قرن وبات المطلوب تربية جديدة للشعب تظهر رجولته وأن مادحى الملك والمنشدين تحبهم الجماهير كما يحبون المخدرات.. فواجبات الثورة صيانة الضمائر والأخلاق من التميع والشهوات المريضة، واشترط وقتها ألا تذيع الإذاعة سوى الأغنيات الدينية المكتوبة بالعربية الفصحى، وكان أن استيقظ المستمعون ليجدوا أن الإذاعة لا تذيع سوى أغنيات "ولد الهدى"، و"سلوا قلبى" وحدهما دون أي شيء آخر، مل المصريون فهجروا إذاعتهم إلى إذاعة الشرق الأدنى، وخاصة أن صوتا جديدا قد بدأ يظهر وقتها (فيروز اللبنانية)، وكانت إذاعة الشرق الأدنى ذات توجهات استعمارية، ارتبطت بقوة بالاستعمار البريطاني، وكان المصريون يستمعون إلى نشرات الأخبار التي تبثها، ولم يعودوا إلى الاستماع إلى أخبار الإذاعة المصرية... غضب عبد الناصر بشدة من القرار، وعقد اجتماعا لمجلس قيادة الثورة لمناقشة الأمر، فألغى القرار الذي ظل العمل به 18 يوما، ولكن المصريين أيضا لم يعودوا يأبهون بالإذاعة المصرية، ظلت إذاعة الشرق الأدنى مصدرا لأخبارهم..وكانت تعليمات عبد الناصر أن تبدأ الإذاعة فى تقديم مسلسل جديد فى نفس وقت إذاعة نشرة أخبار "الشرق الأدنى"..وكان مسلسل " سمارة" الشهير.!

هذه ليست كل الحكايات . فى حياة قطب حكايات أكثر إثارة، هو لم يولد عام 1954 عندما انضم إلي جماعة الإخوان كما يريد "صقور" الجماعة تصوير الأمر، بل ولد قبل هذا التاريخ تحديدا عام 1906، ما يعني أنه عاش 48 عاما بعيدا عن أفكار الجماعة هائما ما بين تنظيمات ماسونية، وأفكار إلحادية، وعلاقات نسائية ..تاريخ تحاول الجماعة أن تلغيه وكأن ما قبل ذلك التاريخ هو مجرد لحظة عابرة من وجهة نظرهم، ما يتناساه الإخوان هنا حق الإنسان في الخطأ أو البحث، ولو أن أفكار قطب نفسه الخاصة بجاهلية المجتمع، وقتل المختلفين والملحدين، كانت سابقة عليه، لكان هو أول "المرتدين" الذين وجب قتلهم، ولخسرت الجماعة مُنظِّرها الأهم والأخطر بعد حسن البنا منذ تأسيسها حتى الآن.

إعلان