إعلان

مؤشرات التصعيد الإسرائيلي في مواجهة المحور الإيراني

مؤشرات التصعيد الإسرائيلي في مواجهة المحور الإيراني

محمد جمعة
08:20 م الثلاثاء 21 نوفمبر 2017

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إذا حاولنا تحليل المعاني الكامنة في التغيير الذي طرأ مؤخرا على مستوى كل من:

- نمط العمليات العسكرية الإسرائيلية في سوريا منذ يوليو 2017.

- الأجندة الدبلوماسية لإسرائيل خلال الشهور الأخيرة من العام 2017.

- مضامين الخطاب الإستراتيجي الصادر عن المستوى " السياسي – العسكري" في إسرائيل.

فسوف تمدنا عملية التحليل هذه بمؤشرات أولية على رغبة إسرائيل في التدخل سياسيا وعسكريا، كي تتجنب أي تقويض لمصالح أمنها القومي، وذلك بالنظر إلى طبيعة النظام البازغ في سوريا. بل وإلى استعدادها للمخاطرة أكثر فأكثر وتحدي الوضع القائم غير المرغوب فيه- وفقا لحساباتها- في سوريا.

ونشير فيما يلي إلى أهم تلك المؤشرات:

1- حملة دبلوماسية مكثفة:

في الأشهر الأخيرة، تحول النفوذ الإيراني في سوريا إلى قضية ذات أولوية في أجندة السياسة الخارجية الإسرائيلية. ففي محادثاتها مع الفواعل الخارجية الرئيسية، هيمن الموضوع على حوار القيادة الإسرائيلية مع روسيا، ومنها اللقاء الأخير بين نتنياهو وبوتين في سوتشي (23 أغسطس2017)، وزيارة وزير الدفاع الروسي لإسرائيل (15 أكتوبر). وبالتوازي، حاولت القيادة الإسرائيلية مؤخرا حث الإدارة الأمريكية على الالتفات للتهديدات المحتملة لتزايد النفوذ الإيراني في سوريا. وفي هذا الإطار، زار وفد خاص من المسئولين الأمنيين بقيادة مديري الموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، والأمريكية، التقى خلالها بالدوائر المناظرة في إدارة ترامب في 18 من أغسطس 2017.

بالإضافة إلى ذلك، هيمنت قضية النفوذ الإيراني في سوريا على لقاءات القيادة الإسرائيلية مع زعماء أوروبيين؛ فكانت القضية محور لقاء نتنياهو مع الرئيس الفرنسي ماكرون في السادس عشر من يوليو 2017، ولقاء الرئيس ريفلين مع المستشارة ميركل في السابع من سبتمبر 2017.

2- التغير في نمط العمليات العسكرية:

أول عمل عسكري إسرائيلي معروف في سوريا، منذ التوصل إلى التهدئة في يوليو 2017، كانت له ملامح مختلفة عن تلك العمليات التي شهدناها خلال السنوات الخمس الأخيرة للحرب الأهلية. فبحسب تقارير إعلامية، شنت إسرائيل ضربة جوية في السابع من سبتمبر 2017 ضد منشأة بحثية / أو إنتاجية، بالقرب من بلدة "مصياف" في محافظة حماة. هذه المنشأة تتبع مركز الدراسات والبحث العلمي التابع للحكومة السورية، المسئول عن البحث وتطوير الأسلحة الإستراتيجية وغير التقليدية. صحيح أن المهمة الدقيقة للمنشأة لا تزال موضع شك، ولكن معظم التقارير تشير إلى أنه موقع لإنتاج صواريخ دقيقة التصويب مُصممة لاستخدام الجيش السوري وحزب الله. في حين تتحدث تقارير أخرى عن موقع إنتاج للأسلحة الكيميائية.

لكن وبصرف النظر عن الهدف الدقيق للهجوم، فإن هذه الضربة الجوية تمثل عملية غير عادية من بين جعبة العمليات الإسرائيلية في سوريا، ليس فقط بسبب طبيعتها العملياتية، بل أيضا لما تعنيه دبلوماسيا. فخلال السنوات الأربع الماضية، كانت معظم الضربات الجوية الإسرائيلية موجهة ضد ما يمكن أن نصفه بأهداف بمحض الصدفة، مثل القوافل ومستودعات التخزين. لكن ضربة السابع من سبتمبر كانت موجهة ضد بنية تحتية إستراتيجية، وهدف له أهمية إستراتيجية فريدة، وهو ما يعكس اختيار الأهداف ذات الصلة بهدف إسرائيل تقويض جهود سوريا وحزب الله على اكتساب قدرات لها كفاءة إستراتيجية. كذلك، فإن هذه الخطوة تُظهِر رغبة إسرائيل في تصعيد جهودها لتحقيق هذا الهدف، حتى ولو غامرت بتحمل رد فعل من جهة إيران/ سوريا / حزب الله و/ أو حتى تحطيم علاقاتها بروسيا. وفي هذا السياق يتعين لفت الانتباه إلى نقطتين أساسيتين:

الأولى، أن الضربة الجوية وقعت أثناء أكبر تدريب عسكري للجيش الإسرائيلي خلال العشرين عاما الماضية. وهذا التوقيت بحد ذاته قد يشير إلى أن هناك إجراءات خاصة تم اتخاذها كي تزيد جاهزيتها في حالة وقوع أي أعمال انتقامية بعد الضربة.

الثانية، أن الضربة الجوية كانت ضد هدف في مساحة بها تواجد عسكري روسي قوي (أقل من 80 كم من مطار حميميم، الذي تديره حاليا القوة الجوية الروسية). هنا يمكن تفسير اختيار مهاجمة هدف يقع في العمق ضمن نطاق سيطرة روسيا، بوصفه محاولة لإرسال رسالة استياء لروسيا، مفادها أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي بينما روسيا تتجاهل جهود سوريا وحزب الله لتطوير قدراتهما العسكرية. ولعل قرار إسرائيل غير العادي بالهجوم في 16 أكتوبر 2017 على بطارية سورية مضادة للطائرات، ردا على قذيفة تم إطلاقها على طائرات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي (بعد تجاهلها حوادث مماثلة في الماضي) أثناء زيارة وزير الدفاع الروسي لإسرائيل هو إشارة أخرى إلى الرسالة السياسية للخطوات العسكرية الأخيرة التي تتخذها إسرائيل.

3- التغير في الخطاب الاستراتيجي:

خلال العام الأخير، كان هناك تغير في الخطاب الاستراتيجي للقيادة الإسرائيلية، السياسية- العسكرية، لجهة إعادة تعريف طبيعة التحديات على الجبهة الشمالية لإسرائيل. إذ أصبح هناك اتجاه نحو إزالة الخط الفاصل بين نفوذ إيران في لبنان (من خلال حزب الله) ونفوذها في سوريا. وبالأحرى، معاملتهما كمسرح عمليات واحد. ففى السابق، كان مسئولو التخطيط العسكري في إسرائيل يعاملون لبنان وسوريا كمسرحي عمليات منفصلين، ويفرضان قواعد مختلفة للاشتباك. الآن يبدو أن المنطق العملياتي الجديد ينظر إليهما باعتبارهما مسرح عمليات واحداً. بمعنى أن المستوى العسكري في إسرائيل لم يعد يتحدث عن الساحة اللبنانية، أو الحدود مع سوريا، بشكل يفصل كليهما عن الآخر. بل بات يتعامل مع "جبهة شمالية واحدة" تتألف من سوريا ولبنان وحزب الله، بجانب نظام الأسد وأنصاره.

هذا التعريف مهم للغاية، وله أهميته في سياق محاولة التعرف على اتجاهات التصعيد القادم المفترض. إذ وفقاً لهذا المنطق العملياتي، فإن انتشار المواجهة المباشرة من سوريا إلى لبنان، أو العكس، هو سيناريو مرجح للغاية. بمعنى أن المواجهة القادمة إذا اندلعت أولا من الحدود الإسرائيلية مع لبنان، فسوف تمتد- على الأرجح- إلى الجبهة السورية أيضا. والعكس يبدو صحيحاً، بالنظر إلى المنطق العملياتي الجديد الذي حدده المستوى العسكري في إسرائيل، وبالنظر كذلك للتغير الحادث في أجندة وبنية المحور الإيراني، ومدركاته الخاصة إزاء طبيعة وأهداف أي تصعيد في هذه المرحلة.

إعلان