إعلان

لماذا هزّت العالم؟.. ظاهرة ''داعش'' مرشّحة للتضخم والتصاعد

داعش

لماذا هزّت العالم؟.. ظاهرة ''داعش'' مرشّحة للتضخم والتصاعد

10:28 ص الثلاثاء 14 أكتوبر 2014

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

بقلم - سعيد محيو( سويس انفو):

في الوقت الذي تستمر فيه المعارك للسيطرة على مدينة كوباني (عين العرب) على الحدود التركية السورية، بين مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين استولوا على أكثر من ثلث المدينة بعد أن أخفقت الغارات الجوية الأمريكية في وقف تقدمهم وفي ظل متابعة القوات التركية الموقف عن قرب من دون أي تدخل، يجدر بالمرء التدقيق في المعطيات الحَدَثِية الآتية، على أن نُتبع ذلك بمحاولة استقراء أبعادها الاستراتيجية.

الحكومة الأمريكية تعتقد بأن مائة أمريكي مسلم يقاتلون الآن في صفوف تنظيم ''الدولة الإسلامية'' (داعش سابقا) في سوريا والعراق، وهي تشن حملة استخبارية – ثقافية - اجتماعية شاملة في كل أنحاء الولايات المتحدة، تكلف عشرات ملايين الدولارات من أجل ''حماية الشبان الأمريكيين المسلمين من تأثيرات الحملات الدعائية الداعشية الناجحة''.

الأمر نفسه يتكرّر في بريطانيا وفرنسا وباقي الدول الأوروبية، التي تدفق منها المئات (يزعم البعض أنهم آلاف) إلى معارك الشرق الأوسط، والتي وجدت نفسها مضطرة مع الولايات المتحدة لتحويل جهودها لمنع داعش من جذب الشبان المسلمين إلى قرار دولي ملزم في مجلس الأمن الدولي. وهذا تطور نادر الحدوث في تاريخ العلاقات الدولية.

في إفريقيا الشمالية والوسطى، بدأت تتوالى الأنباء عن توسّع سريع لداعش في هذه المناطق. ففي الجزائر، برز فجأة تنظيم ''جند الخلافة''، الذي أعلن ولاءه لـ ''الدولة الإسلامية'' وبات يخوض سريعاً معارك واسعة مع الجيش الجزائري في وسط البلاد وشرقها. وفي ليبيا ونيجيريا والصومال، توقّع وزير الدفاع الأمريكي السابق بانيتا، أن تنضَمّ فصائل جهادية إسلامية عدة في هذه الدول إلى داعش لتخلق بؤراً عنفية جديدة ومشتركة قد لا يكون لها سابق.

وفي جنوب آسيا، أعلنت حركة أوزبكستان المسلحة، التي تنشط في أفغانستان وبين القبائل الباكستانية، ولاءها لداعش. كما دعت جماعة ''أنصار التوحيد في بلاد الهند''، التي شكلها تنظيم القاعدة مؤخراً، إلى تصعيد العمليات العسكرية ضد كل ''الكفار الغربيين والهندوس''، رداً على الغارات الأمريكية في العراق وسوريا. هذا في حين بدا أن داعش، التي تضم مئات المقاتلين الشيشان، بدأت عملياتها في شمال القوقاز وقتلت خمسة رجال شرطة قبل أيام في عملية انتحارية.

وفي الأردن، تم اعتقال أكثر من 70 شخصاً شكّلوا ''خلايا نائمة'' تابعة لداعش، فيما يسود التوتر الشديد معان وباقي مناطق الجنوب الأردني، بسبب تصاعد نفوذ داعش هناك. وفي لبنان، يبدو أن داعش والنصرة بدءتا حملة للتوسع في الأراضي اللبنانية، بعد المعارك الأخيرة التي نشبت مع حزب الله في جرود، بلدة عرسال. أما في السعودية، فلا تزال الأنباء تتواتر عن توسّع سريع لداعش في صفوف آلاف الشبان السعوديين، خاصة منهم الذين قاتلوا في سوريا والعراق ثم عادوا إلى بلادهم.

وأخيراً، يتّفق العديد من المحلّلين على القول بأن القمع الشديد الذي تتعرّض إليه جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قد يدفع الكثير من شباب الجماعة إلى الانضمام إلى داعش أو على الأقل إلى أن يحذو حذو طريقتها في ''الجهاد''، بعد أن أوصدت في طريقهم كل فرص التنافس السلمي والديمقراطي على السلطة. وهم قد يجدون في تنظيم ''أنصار التوحيد في بلاد الهند'' الذي ينشط في صحراء سيناء، ملاذاً جهادياً مؤقتاً لهم.

طفرة متوقعة

هذا غيْض من فيْض ما يحدث يومياً في العالميْن العربي والإسلامي، وهو كله يبدو في الواقع إرهاصات أولية (وإن سريعة) للانتصارات العسكرية المذهلة التي حققها تنظيم الدولة الإسلامية خلال الأسابيع القليلة الماضية، والتي خلقت أيضاً ارتباكاً واسع النطاق في واشنطن، كان من ضمن تجلياته الأرقام المتضاربة التي أوردتها المؤسسات الأمريكية حول حجم تنظيم داعش.

ففي حين كان مسؤول عسكري أمريكي يُبلغ الكونغرس قبل أسبوعين أن أعداد التنظيم وصلت إلى 12 ألف مقاتل، كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تقول للبيت الأبيض بعدها بأيام أن الأرقام باتت تتراوح بين 20 و33 ألف مقاتل، وهذا التضارب ليس ناجماً عن خلل استخباري، بل لأن التنظيم ينمو بخُطى متسارعة.

دوافع هذه الطفرة في شعبية هذا التنظيم الأصولي حديث العهد، كانت في الحقيقة متوقعة، بعد أن تمكّن داعش من اكتساح ربع مساحة العراق الشاسعة في غضون خمسة أيام وما رافق ذلك من انهيار الجيش العراقي الضخم أمام حفنة من المقاتلين (100 ألف جندي وضابط عراقي تحللوا أمام مئات من مقاتلي داعش في الموصل). ثم تكرار سيناريو الموصل نفسه في مدينة الرمادي يوم الأحد الماضي، ثم دخول قوات داعش مدنية عين العرب (كوباني) الكردية السورية، على رغم القصف الجوي الأمريكي والمقاومة الكردية.

متشابهات تاريخية

كل هذا كانت له حتماً مضاعفات كبرى على المناخات النفسية الفكرية والثقافية لأعداد كبيرة من الشبان العرب والمسلمين في كل أنحاء العالم. الأمر هنا كان شبيهاً بما حدث بعد معركة الكرامة في الأردن عام 1969، حين تمكّنت عناصر المقاومة الفلسطينية من الصمود في وجه جحافل القوات الإسرائيلية المتقدمة. حينذاك، اجتاحت المنطقة موجة حماسية كاسحة، دفعت العديد من الشبان العرب إما إلى المشاركة في عمليات المقاومة الفلسطينية أو إلى الانضمام إلى صفوف حركة فتح في إطار ''إستراتيجية حرب الشعب''، التي تم الترويج لها في حينه.

وهذا ما حدث أيضاً في أعقاب حرب أفغانستان، حين اعتبر المجاهدون أنهم انتصروا على ثاني أكبر دولة عظمى في العالم، ما أطلق العديد من التنظيمات الشبيهة للقاعدة في كل أنحاء العالم. ثم أن الأمر يشبه النماذج التي قدّمتها في الستينيات والسبعينيات حركات حرب الغوار (العصابات) في فيتنام وبقية الهند الصينية وفي كوبا ونيكاراغوا وبقية أمريكا اللاتينية، والتي تحوّل فيها الجنرال جياب وأرنستو تشي غيفارا وغيرهما إلى مَثل أعلى يُحتذى للكثير من الشبان اليساريين في العالم، بما في ذلك بعض المناطق العربية.

وبالمثل، يبدو أن انتصارات داعش أثارت وستثير أكثر موجات مماثلة من الطفرات الجهادية التي، إما أنها ضمَّت إلى داعش المزيد من المقاتلين والأنصار أو شجّعت الشبان العرب على تشكيل منظمات جهادية أو (في أضعف الأحوال) توفير بيئة حاضنة للظاهرة الداعشية.

البدايات

بدايات هذا التطور انطلقت منذ أن أعلنت، على سبيل المثال، كتائب ''جنود الحق'' التابعة لجبهة النصرة في منطقة البوكمال على الحدود السورية - العراقية مبايعتهم لداعش، على رغم أن تنظيمهم الأم خاض معارك دموية مع داعش في شرق سوريا وشمالها، أدت حتى الآن إلى سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجانبيْن. وبالطبع، مثل هذا التطور لم يكن ليحدُث، لولا انبهار عناصر النصرة في البوكمال بالفعالية القتالية والتخطيط الإستراتيجي الدقيق لداعش في معارك المحافظات السُنّية في العراق.

وفي الوقت نفسه، كانت تتواتر أنباء عن أن العديد من المجموعات الإسلامية في طرابلس وعكار (شمال لبنان) وفي معان ( جنوب الأردن) بدأت تفكر بالانضمام إلى داعش أو تقليد أساليبها؛ هذا في حين كشفت السلطات المغربية النِّقاب عن طفرة في أعداد الشباب الذين يسعوْن إلى الانضمام إلى معارك العراق وسوريا، في أعقاب الأنباء عن انتصارات داعش. والحبل قد يكون على الجرار في مصر وليبيا والسعودية وبقية الدول العربية والإسلامية.

علاوة على ذلك، يبدو أن هذا التنظيم كان يشهد تضخّماً في أعداده مع كل مدينة يدخلها في شمال وغرب العراق. فقد ذُكِر أن أعداداً كبيرة (ولكن غير محدّدة) من المقاتلين السوريين والسعوديين واللبنانيين والشيشان والأوروبيين، بدأوا يتدفّقون على العراق عبْر المعابر السورية. وفي داخل العراق نفسه، كان داعش يستقبل في صفوفه في يوم واحد 400 عنصر أُطلق سراحهم من سجن الموصل. وقبل ذلك، انضم إليه نحو 500 (في يوليو الماضي) حررهم من سجن أبو غريب. وخلال الهجوم الأخير على الموصل، أفرج داعش عن نحو 2500 سجين من معتقل بادوش، يُعتقد أن العديد منهم من الناشطين الجهاديين الذين سينضمون حتماً إلى التنظيم.

داعش الآن سيكون في وضع يُمكّنه اجتذاب وتجنيد شبان عرب وأجانب آخرين عديدين يحتاجون إلى عمل أو إلى هوية دينية واضحة، بعد أن وضع يده على ثروة طائلة في الموصل تُقدّر بنحو 500 مليون دولار. وهذه ستضاف إلى الضرائب والخوات وبيع النفط السوري الخام والتبرعات (من أفراد خليجيين أساساً) وعمليات التهريب التي يقوم بها التنظيم في سوريا والعراق، والتي تدر عليه ما بين 25 إلى 30 مليون دولار شهريا.

ظاهرة باقية

ظاهرة داعش إذن، مرشحة للتضخم والتصاعد والامتداد في كل أنحاء المنطقة والعالم، خاصة إذا لم تنجح الغارات الجوية الأمريكية الحالية واللاحقة في ضعضعة فعاليته الميدانية، خاصة في سوريا، التي نقل إليها مؤخراً أقساماً كبيرة من المُعدّات العسكرية والذخائر الموجودة في الموصل (والتي كانت تمثّل ثاني أكبر مستودع من الأسلحة الأمريكية للجيش العراقي)، والتي يعارض فيها نظام الأسد، مدعوماً من روسيا وإيران، الغارات على أراضيه التي تشن من دون التنسيق معه.

لكن تقف في وجه هذا التنظيم عقبات لا يستهان بها. فسكان المناطق التي اجتاحها، خاصة منهم العشائر، لن يستسيغوا نمط الحياة المتشدّد الذي قد يفرضه التنظيم عليهم. ثم أن الصدامات واردة في كل حين بين داعش وبين كلٍّ من قوات البعث والعشائر العراقيين في إطار الصراع على الثروة والسلطة، في حال تراجع خطر الشيعة العراقيين والإيرانيين عليهم.

إضافة، وعلى رغم أن بعض القوى الإقليمية تحبذ نتائج التقدم الداعشي، طالما أنه يؤدي إلى ضعضعة نفوذ إيران وحلفائها الشيعة في العراق، إلا أن هذه القوى نفسها تعتبر هذا التنظيم خطراً وجودياً عليها، وهي أعلنت عن استعدادها للاشتراك مع قوى إقليمية ودولية أخرى في العمل على تدمير هذا التنظيم ودولة خلافته التي يُفترض أن تضم إلى سوريا والعراق، الأردن ولبنان، ثم تتمدد في وقت لاحق ليكون مقرها في مكة المكرمة والحجاز.

استئصال التنظيم أم تحجيمه؟

لكن، وإلى أن يحدث ذلك، سيواصل داعش التحوّل إلى نقطة جذب واستقطاب للشبان ''المجاهدين''، وسنسمع قريباً على الأرجح عن امتدادات أكثر لداعش في كل المنطقة والعالم، بفعل المواجهة بينه وبين الولايات المتحدة، خاصة إذا ما فشلت الحرب الأمريكية في شل فعالياته العسكرية بطريقة ملموسة. هذه نقطة. وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية، تتعلق بالسؤال: هل تريد واشنطن حقاً القضاء نهائياً على هذا التنظيم أم تحجيمه؟

السؤال مهم، ليس فقط بسبب شكوك إيرانية وروسية بأن أمريكا تقف وراء صعود هذا التنظيم (صعوده وليس نشأته المُتهم فيها النظامين السوري والإيراني)، بل أيضاً لأن العديد من المسؤولين الأمريكيين يصرحون علناً بأنه لا يتعين على واشنطن شن حرب شاملة على داعش، ''لأنه لا يستهدف كما القاعدة الأرض الأمريكية، بل الأراضي الإسلامية''، وأنه لم يقطع رأس الصحفيين الأمريكيين، إلا على إثر الغارات الجوية الأمريكية عليه.

على أي حال، ومع غارات أمريكية أو من دونها، ظاهرة داعش مرشّحة للبقاء فترة غير محدّدة من الزمن. وسيتملّس تأثيراتها الخطيرة دول بعينها أكثر من غيرها، قد تكون في مقدّمتها المملكة السعودية بسبب التناقض الفاقع بين التطابق الأيديولوجي الكامل والتباين السياسي - الاستراتيجي القائم بينهما.

ثم أن ظاهرة داعش ستبقى، طالما أن الشبان في بلدان العرب والمسلمين لا يجدون مخارج لهم، لا في مجالات العمل والحياة الكريمة، ولا متنفساً مقبولاً لأزمة الهوية لديهم ولا فهماً متقدّماً وحضارياً ملموساً للإسلام. وحين تغيب أقلام الاقتراع الحُر، فقد لا تبقى سوى ممارسة الحرية ''عبْر أسنّة الرماح''، مثلما يُروّج البعض.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

إعلان

إعلان

إعلان