إعلان

السوريون في مصر.. رحلة معاناة آخرها زيادة رسوم "جواز السفر"

01:24 م الأربعاء 24 مايو 2017

جواز السفر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-محمد زكريا ودعاء الفولي:

قبل شهر واحد، قُصف منزل شقيق منال سليمان بسوريا، ما أدى لوفاته وزوجته وابنته ولم ينجُ سوى صغيره البالغ من العمر 5 سنوات. طار خبر وفاة الأخ إلى مسامع أسرته في مصر، عزم والده السفر للجحيم لإنقاذ حفيده، غير أن ارتفاع رسوم منح وتجديد جواز السفر للسوريين المتواجدين خارج سوريا، منع العائلة من احتضان طفلها الذي يعيش عند أحد الأقارب هناك.

في الـ 30 من مارس الماضي، أقر البرلمان السوري، مشروع قانون رفع رسوم منح وتجديد جوازات السفر للسوريين المتواجدين خارج سوريا.

وارتفعت رسوم المعاملات المالية بقنصلية الجمهورية العربية السورية بالقاهرة، إلى 300 دولار (حوالي 5.400 جنيهًا مصريًا) لاستخراج جواز سفر عادي، و800 دولار (14.400 جنيهًا مصريًا) للجواز المستعجل، و350 دولار لاستخراج جواز سفر جديد بدل تالف.

مع نهاية عام 2013، وصلت أسرة السيدة ثناء كسر القاهرة. كانت ابنتها على مشارف السنة النهائية من الثانوية العامة، سعت الأسرة للحصول على إقامة، فوقفت الإجراءات المعقدة أمام رغبتهم "الحصول على إقامة الباسبور احتاج الانتظار من 3 إلى 4 أشهر"، خافت الأم من ضياع مستقبل ابنتها الدراسي، ما اضطر الأسرة لطلب اللجوء المؤقت من المفوضية العليا لشئون اللاجئين "وقتها كانت إجراءات الإقامة على الكارت الأصفر ما بتحتاج أكثر من 15 يوم". 

____ 1

تُمكن البطاقة الصفراء الشخص من الحصول على إقامة تتجدد كل 6 أشهر، وتسمح له التسجيل بالمدارس، والحصول على بعض المساعدات من مفوضية اللاجئين بعد عمل تقييم لحالة حاملها، لكن لا يستطيع صاحبها إجراء أي معاملات بنكية أو عمل توكيلات بالشهر العقاري، ولا تتيح له السفر خارج مصر، حسبما يقول المحامي السوري فراس يحيى، موضحًا أن البطاقة الصفراء تجعل حاملها مغضوبا عليه من قبل القنصلية السورية في مصر، لأنها تعني اللجوء.

رغم عدم تساهل القنصلية مع حاملي بطاقات اللجوء، إلا أن الحصول على البطاقة الصفراء كان بمثابة النجاة لأسرة منال، والتي وصلت مصر قبل أربع سنوات. وما أن مرّ على السيدة الثلاثينية عدة أشهر في مصر حتى تمت سرقة والديها "كانوا ماشيين في الشارع، واحد راكب توك توك نشل من أمي شنطة الفلوس والأوراق وجوازات السفر" تقولها منال بضيق.

وقتها شرعت الأسرة في توفير تكاليف استخراج جوازات سفر بديلة، غير أن ارتفاع أسعار المعاملات المالية بالقنصلية في مصر زاد من عجز الأسرة "كل من والدي ووالدتي بياخدوا معاش 400 جنيه من مفوضية اللاجئين. منين يجيبوا كل هذه الدولارات؟ ودة كان قبل ما السعر يتضاعف في الشهر الأخير".

6 أعوام هي المدة اللازمة لانتهاء الباسبور لمن هم أعمارهم أقل من 7 سنوات، وكان يتم تطبيق تلك المدة في السابق على جميع الأعمار، لكنها تقلصت لتصبح عامين لمن تبدأ أعمارهم من السابعة وحتى الخمسين، ما يعني أن معظم الأسر السورية سيتعين عليها التجديد في القريب العاجل.

لا تتوقف معاناة السيدة نورا عند توفير أموال تجديد الجواز فقط "نحنا بنخاف أصلًا نفوت ع السفارة. أهون علينا نروح ع سوريا"، تضيق السيدة الأربعينية بمعاملة موظفي القنصلية "لابيسمعوا ولا بيراعوا ظروفنا"، كان التعاطي مع أزماتهم أفضل حينما جاءت لمصر منذ أربعة أعوام، والآن تُعاني ابنتها من مشكلة جديدة.

"ابن بنتي مفروض يدخل مدرسة وما في حد رضي يقبله لأنه ما معه باسبور"، كان ذلك منذ 4 أشهر، حسبما تقول نورا، موضحة أن ابنتها ذهبت للسفارة مرارًا لاستخراج أوراق الباسبور أو إقامة مؤقتة "حققوا معها ساعة.. منين إجت؟ زوجها وين؟ انضم لجماعة إرهابية ولا إيش؟ وفي الآخر طلبوا منها 25 دولار عشان ورقة واحدة"، وعندما وفّرت العائلة المبلغ بشق الأنفس "حققوا معها تاني إنه من وين جابت المال.. تعبوها كتير لحتى يعطوها الورقة"، لتكتشف الجدة والأم أن تلك الورقة جزء فقط من سلسلة معاملات ليدخل الطفل المدرسة "وكل هادا بالدولار غير الإشيا اللي بتنطلب من تحت الترابيزة".

لا تمتلك نورا الكارت الأصفر، على عكس ثناء، إلا أن حمل الأخيرة لوثيقة اللجوء، حرمها من رؤية والدتها خلال الأربع سنوات الماضية.

قبل 6 أشهر، استضاف شقيق ثناء والدتها في السعودية "أمي مريضة، تحتاج من وقت لآخر عمل تحاليل الدم، وأقرب مشفى تبعد حوالي 45 كيلومتر عن بلدتنا في سوريا"، وفي نفس الوقت لم تتمكن ثناء من السفر للمملكة لرؤية والدتها لأن الكارت الأصفر لا يسمح بذلك، فيما يُحظر على أخيها المقيم هناك دعوتها "أخي ميقدرش إلا يجيب الأهل من الدرجة الأولى؛ زوجته وأولاده وأمه وأبوه فقط"، هكذا يبقى جواز السفر هو ملاذها الوحيد لرؤية أهلها.

تقبع السيدة السورية عائشة في دوامة التجديد أيضا، لا سيما وأن حفيدتيها على وشك الالتحاق بالدراسة، ما يجعلهما في حاجة ماسة لباسبور "إن مكانش عشان المدرسة فعشان هما ملهمش أي أوراق رسمية في مصر". عقب تحرير سعر صرف الجنيه المصري في أكتوبر الماضي لم يعد التعامل مع الصرافات يسيرًا "دلوقتي إذا حتى معي المبلغ أخاف أغير 400 دولار. مش بعيد ينقبض عليّ"، تروي عائشة أن أحد أقربائها تم التحفظ عليه لأيام "عشان معه 200 دولار ولأنه سوري".

بحكم عمله يُعاين المحامي فراس يحيى أزمات عامة يمر بها ما يُقارب 350 ألف سوري يعيشون في مصر. يعتريه الغضب كالآخرين، لكن ما بيده حيلة سوى تقديم استشارات قانونية لمن يحتاج "الجواز السوري حاليا أغلى جواز سفر بالعالم.. هذا إجراء عيالي يتبعه نظام بشار الاسد تجاه كل من غادر سورية كنوع من العقاب".

قبل التعويم كانت الحياة بالكاد مُحتملة لأسر النساء الأربع "لكن زيادة الأسعار قسمت وسطنا زي ما بيقولوا بمصر".. تحكي عائشة، وفيما تضمن القسيمة الصفراء لثناء بعض السلع الغذائية شهريًا، إلا أنها لا تغطي كافة النفقات "بتعطينا 300 جنيه لكل فرد في العائلة بنشتري بها أشياء من أحد المحلات الشهيرة للسلع لكن الرقم ثابت والأسعار نفسها تتغير"، ولأن عائشة لا تمتلك القسيمة "بضطر أشتغل انا وولادي عشان نغطي النفقات"، فيما تعرف بعض أرباب الشهادات ممن تخلوا عن مؤهلاتهم العلمية، كأحد أقاربها الذي درس الطب وانتهى به المطاف لمعمل تحاليل.

____ 2

مع الضغط المستمر قررت ثناء ونورا إبعاد ولديهما عن مصر "ما إلهم عمل هون ولا عيش"، كان ابن الأولى يعمل في عدة حرف لكن لم يرتفع دخله الشهري عن 1500 جنيها، فيما أرسلت نورا ابنها إلى ألمانيا "لأنه لما جينا على مصر لم يكن قد التحق بالجيش والسفارة أرادت إعادته لسوريا لتأدية الخدمة العسكرية" ما يعني الموت الحتمي، حسب تعبير الأم.

على عكس السيدتين، لا تُفضل عائشة السفر "عندي أمل إني أقدر أجيب أمي وإخوتي هون بمصر"، حيث مازالوا داخل سوريا، إلا أن ولديها يفضلان الرحيل لبلد أوروبي "عشان أحفادي يقدروا يعيشوا أفضل ويكون عندهم إقامة وباسبور".

يقول المحامي السوري لمصراوي، إن الحكومة المصرية تستطيع مساعدة السوريين، بالضغط على القنصلية لتسهيل التعامل مع آل البلد، أو ربما تقوم هي بتيسير المعاملات الرسمية من خلال اعتبار جواز السفر المنتهي ساريًا "لأنه الناس ما معهم أموال يجددوا"، ويضيف يحيى أن الحكومة المصرية تستطيع التيسير أيضًا من خلال إصدار بطاقات إقامة مؤقتة للسوريين، تحل محل جواز السفر، وهذا ما تفعله المملكة الأردنية.

تختلف أزمات الأربع سيدات في ظاهرها، لكن يربطها خيط أوّله صعوبة الإجراءات، أوسطه ارتفاع المقابل المادي، وآخره سوء المعاملة من القنصلية السورية. تسعى عائلاتهن لحل أزمات السفر لأوروبا، سوريا، أو حتى تلك المتعلقة باستصدار أوراق رسمية، تنتظرن تغييرًا في القوانين أو نظرة عطف من الحكومة المصرية.

فيديو قد يعجبك: