إعلان

"حيونة الإنسان".. طوبى لمن غنّى خلف الجدران

01:26 م الخميس 11 فبراير 2016

حيونة الإنسان

دور على لوجو مصراوي فى أخبار رمضان وادخل السحب الاسبوعى لتكسب سماعات JBL وموبايل

شروط المسابقه
  • لوجو مصراوي موجود داخل صفحة رمضانك مصراوي، دور على اللوجو وأنت بتتنقل بين أخبار رمضان، وكل لوجو هتلاقيه هيتحسب لك نقطة، وكل يوم فيه لوجو جديد في مكان مختلف، جمع نقاط أكثر وادخل سحب كل 10 أيام، على سماعات JBLوموبايل. يلاسجل إيميلك وابدأ بالاشتراك من هنا

كتب-محمد جبريل:

في السجن ينهار توازن الكائن البشري، تختل أولوياته، يهتز مؤشر بوصلته، فالأنظمة السلطوية لا تهدف من وراء سجن المعارضين لسياساتها إبعادهم عن مواقعهم التي يعارضون منها، بقدر ما تهدف لأن تضعف روحهم المعنوية وأن تتضاءل ذواتهم وتتآكل إنسانيتهم، وتتعاظم السلطة في نظرهم، فيتخلون عن أحلامهم الكبرى بالتغيير ويعتصمون بأهدافهم الغريزية التي تبدأ في الرغبة في البقاء، البقاء فقط بكل لوازمه من طعام وشراب وقدر معقول من الراحة، في سياق مناقض للعقل هو "المعتقل".

داخل الزنزانة يقاوم الإنسان كل ما يغتال إنسانيته، يناهض المحاولات المدروسة لجعله حيوانًا، فيما يقف إنسان آخر يؤكد حيوانيته بممارسة التعذيب على جسد أعزل لا يملك إلا الصراخ، أو الإغماء كآخر الوسائل المتاحة للمقاومة، هنا انشطار وجداني يحدث في بقعة جغرافية واحدة وتحت السماء نفسها، بين معتقل وجلاد، وجدران أعزل يستميت في الدافع عن إنسانيته حية، وآخر مسلح متمرس باحتلال عالم الإنسان لتفريغه وإعادته إلى جذوره الحيوانية، ليس من خلال سلب حريته فقط بل إن تصفية الحرية هي الخطوة الأولى في طريق السجن المرعب.

بكتابه "حيونة الإنسان" يحاول ممدوح عدوان تلمس حجم الخسائر في مسيرتنا الإنسانية جراء السجن والتعذيب والقمع، يقول: "حين نشم رائحة تضايقنا فإن أجهزتنا العصبية كلها تنتبه، تعبر عن ضيقها، بعد حين من البقاء مع تلك الرائحة يخف الضيق، وهذا معناه أن شعيرات حساسة في مجرى الشم قد ماتت، فنحن لا نتعود إلا عندما يموت شيء فينا".

من فتحة صغيرة بجدران الزنزانة الخلفية تمر سحابة لا تعبأ ببربرية الإنسان ضد أخيه الإنسان، ومن فتحة الباب تفرض ممرات السجن حضورها المُوحي بالقهر والشاهد على التوحش المطلق والألم المُدوي، وجراحات ممتدة تنتقل من ذاتٍ إلى أخرى اختارت أن ترفض يومًا ما.

في الخارج تقف أشجار الصفصاف وقد فقدت براءتها بدخولها في تفاصيل مشهد السجن، فهي تختلف عن أشجار "البتيولا" التي كان معتقلو سيبيريا يستخدمون أوراقها في كتابة الرسائل إلى أحبائهم والتي بقت شاهدة على جرائم الجيش السوفيتي، فكانت بالنسبة لهم "بريد الحرية".

هنا الأمر مختلف، فبريد الحرية هو "الأغنيات"، فضمن الخطوط العريضة لفلسفة السجن عزل السجين العالم الخارجي وحرمانه عن كل مظاهر الحياة العادية والتي يعد الغناء أخصب تجلياتها، فنظام السجن يسعى إلى جعل السجين ينسى آدميته وحقوقه، ومن ثم تصبح قدرة السجين على الحديث والتواصل مع الآخرين والضحك والغناء انتصارًا عمليًا على السجان.

الحيونة مصير السجان والسجين

الذين يخرجون من المعتقل يقولون إن أصعب فترات سجنهم كانت أولها، عندما صودرت حريتهم وفوجئوا بالمعاملة القاسية والمهينة وصولا إلى الصدمة الأولى للتعذيب، لكن بمرور الوقت اعتادوا على تلك الحياة بعد موت خصائص إنسانية بداخلهم، أو ما يسميه "عدوان" بـ"الحيونة".

في قصة "العسكري الأسود" يقول يوسف إدريس "أنت لا تشعر بالضرب حين تكون حرًا أن ترده، أنت تشعر بالضرب حين يكون عليك فقط أن تتلقاه، ولا حرية ولا قدرة لك على أن ترده، هناك تجرب الإحساس الحقيقي بألم الضرب، لا الألم الموضعي وإنما بألم الإهانة حين تحس أن كل ضربة توجه إلى جزء من جسدك توجه معها ضربة أخرى إلى كيانك كله إلى إحساسك وكرامتك ضربة ألمها مبرح لأنها تصيب نفسك من الداخل، فيتحول المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة، أنقاض تتألم ، وبوعي تحس نفسها وهي تتقوض إلى أسفل، ويتحول الضارب إلى أنقاض إنسان من نوع آخر، وكأنه إنسان يتهدم إلى أعلى، يسعده الألم الذي يحدثه في ابن جنسه، ولا يكف إلا ببلوغ ضحيته أبشع درجات التهدم والتقوض، وبلوغه هو أخس مراحل النشوة المجرمة.

أجنحة الغناء وأسوار المعتقل

إذا كان السجن يهدف دومًا إلى تحويل الإنسان من رافض إلى خاضع عبر ممارسة أقصى درجات السلطة عليه، فإن فكرة الحبس الانفرادي وحرمان السجين من الكلام والتواصل، هي محاولة لتجريده من بشريته، وإذا كان الصمت في الحياة الطبيعية ينتمي إلى فعل الحكمة فهو هنا ينتمي إلى عالم الجنون.. هُنا تعتقل الكلمات أيضًا، تُغتال، تُدهس كما تدهس الجرافات طائفة من العشب والورود.

هُنا يقف المعتقل في مجابهة الحياة بعد طعن حلمه في التغيير، لم يمت الحلم تمامًا، ولكن الذات يغطيها ركام من الذكريات الملحة والواقع المؤلم، لكن الكائن البشري لديه القدرة دائمًا على تجاوز كل ما يناقض إنسانيته مهما كانت مرارته، يفلت من قبضته، يقتنص لحظات عابرة يغني فيها، يتوحد بـغُناه، يتلاشى فيه، ينسى أنه معتقل ولو لحظات، تمنحه الأغنيات زادًا من الخُضرة في جدب المعتقل، وتنتصر الأغنيات على السجون.


تابع باقي موضوعات الملف:

هل أتاك حديث السجون؟ (ملف خاص)

 

الطريق إلى ''زمش''.. ''لما الشيوعية ماتت م الضحك''

 

'سجينة طهران''.. فصل من حياة فتاة إيرانية داخل سجن ''إيفين''

 

يا صاحبي السجن''.. حكاية ''المعتوم'' بعد 100 يوم سجن

 

''تلك العتمة الباهرة''.. قصاصات عن الموتى الأحياء

 


في ''شرق المتوسط''.. كلنا سجناء

 

''شرف''.. حين يُحول السجن الإنسان إلى ''مسخ''

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان