إعلان

''عيسى'' فاته قطار التعليم والعمل.. فصنع سيارة ''أنتيكة'' موديل 35

08:56 م الأربعاء 26 نوفمبر 2014

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

لم يعرف عيسى فتحي أن نهاية عمله بعد عامين ونصف بأحد مصانع السيارات الشهيرة ستكون بورقة يمضيها أحد مدراء الشركة؛ بحكم تصفية العُمال كمنهج اتبعته بعض الشركات بداية عام 2009.

''أصل انت مش متعلم''؛ كلمات قليلة بررت وقفه عن حرفة طلاء السيارات، في صغره كان الفتى الذي يساعد والده بالعمل فينحي التعليم جانبا، غير أنه حدّث نفسه بعد تسريحه أن ترك العمل ربما يفتح له أفقا لم يعرفه، ساقته الأيام الطوال التي قضاها بعد ذلك بورشة صغيرة للسيارات يعمل بها إلى شيء أكبر، حيث انتهى من العمل على ''أنتيكة'' كما يسميها؛ سيارته التي صنعها على عينه؛ موديل عام 1935 كما أرادها، حوّلها من صاج أصم، إلى تحفة فنية يشير لها المارة في الطريق، يلتقطون صورا لأنفسهم معها، ويذهب هو بها لمسابقات الإبداع ليفوز، رغم كونه ''مش متعلم''.

سنة ونصف استغرقها ''فتحي'' ليصنع السيّارة، ذلك الطراز الذي لم يعد موجودا، اختياره لها جاء صدفة ''شوفتها على النت'' على حد قوله. عقب رؤيتها تخيل شكلها النهائي، مركبة تشبه الرعيل الأول للأفلام الأبيض والأسود أو ''أوتوموبيل''.

+ú+½+å+º+í +¬+¦+å+è+¦ +º+ä+¦+è+º+¦+¬ (7)

من الناحية التقنية كانت قطع غيار الموديل أسهل في الإحضار وأقل سعرا، غير أن ذلك لم يمنع عمله طيلة هذه المدة، نتيجة للماديات المتراجعة، إذ كلفته 65 ألف جنيها، اقترض جزء منها وشارك في جمعيات، يساعده المقربون؛ الوالدة والوالد يتبرعان بثمن العمرة التي احتفظوا بالأموال من أجلها، على وعد أن يتحمل تكاليف رحلتيهما إلى البيت الحرام بمجرد أن يتحسن الوضع.

يعيش ''فتحي'' بمركز ''سنورس''، محافظة الفيوم، ورشة تصليح السيارات التي يعتاش منها وأسرته تقبع قريبا من المنزل، وهي التي شهدت ولادة سيارته، تصل أوقات عمله إلى 12 ساعة يوميا، وأحيانا لا يعمل لمدة أسبوع. ''حسب الزباين'' هو الوصف الذي يستخدمه، عمره الحالي 35 عاما، قضى منها 29 في رش السيارات بالـ''دوكو''، يراقب الأكبر منه خبرة ثم يتدرب، إلى أن احترف المهنة.

الناظر من مسافة بعيدة يتأكد أن ''فتحي'' لن يمكنه بناء سيارة بمفرده، فذلك يحتاج إلى قياسات معينة، وقطع غيار وخبير في كهرباء السيارات وتجارب عديدة تليق بعلماء، لم يكلف نفسه عناء الرد على المتشككين، فالعامين والنصف الذين قضاهما داخل المصنع الشهير غيرا فيه الكثير.

+ú+½+å+º+í +¬+¦+å+è+¦ +º+ä+¦+è+º+¦+¬ (1)

اعتاد الرجل الثلاثيني المرور على أقسام المصنع أثناء راحة الغداء من كل يوم ''كان صحابي ياخدوا وجبات سخنة ويستريحوا في الكافتيريا.. وأنا أخد سندوتشات عشان أعرف ألف براحتي''، يسأل هذا المهندس أو ذلك العامل عن تلك القطعة، ينظر بلا حديث، يدون الأشياء في عقله ''مرة مع التانية عرفت حاجات كتير''، إلى أن فتح الورشة الخاصة به، بمعاونة عُمال من مجالات أخرى، استعان بهم أحيانا لإنهاء السيارة.

''شاكوش وسندة ومقص ولحام''؛ أدوات ''فتحي'' لتصنيع السيارة، لم يستخدم معدات معقدة كالمكبس أو المخرطة نظرا لارتفاع أسعارها، أخذ قياسات السيارة من النظر والتعامل مع سيارات الزبائن التي أصلحها، استطاع شراء الموتور بالكاد، ركب بقية الأجزاء من ''شاسيه'' و''رفارف'' بعد أن صنعها بيده، رسم الخط العريض لدائرة كهرباء السيارة مستعينا بمتخصص.

تحركت الأنتيكة بعد بضع تجارب؛ لم يصدق عينيه، أذنه التي سمعت حسيس المحرك العالي صطدمت قبلها بحديث مثبطي الهمم ''كان كتير من اللي بيشوفوها يقولولي انت فاكر انك هتعمل حاجة؟.. أو يقولوا انت في مصر أكبر منك عملوا ومحدش اهتم''، عيوب عرفها عامل ''الدوكو'' حال التجربة فحاول تفاديها، حتى أصبحت السيارة صالحة للاستعمال.

''بقيت بتحرك بيها في كل حتة.. بسافر بيها من الفيوم للقاهرة''، بالإضافة للرحلات بين حين والثاني، استخدمها كوسيلة يركبها العرائس يوم الزفاف، وضعها في أحد المعارض بمنطقة المسلة بالفيوم كي يشاهدها العيان، من هنا بزغت شهرته، حتى جاءه أحد أساتذة جامعة النيل ليقول له إن الجامعة تنظم مسابقة علمية للمبدعين، مقترحا له أن يقدم السيارة فيها كتجربة.

بين طلاب الجامعة الذين لا يزيد عمر أكبرهم عن 22 عاما، وقف ''فتحي''، بجانب الآلة المحببة إلى قلبه،

‎startup weekend Giza ينظر بترقب لردود فعل لجنة تحكيم المسابقة التي بدأت تحت عنوان

في 20 نوفمبر وانتهت 23 من نفس الشهر، وهي تخدم أصحاب الأعمال الإبداعية بشكل أساسي، لم يصدق أعضاء اللجنة أنه بنى هيكل السيارة بالكامل ''لما ورتلهم الصور وانا شغال فيها صدقوني.. وكلمتهم عن تفاصيل تصنيعها''.

DSC07014

وجد ابن الفيوم استحسان آل اللجنة بالجامعة، التعجب الذي اعتراهم كان لأنه لم يضع قدمه بمدرسة وصنع سيارة بأكملها كمن درس تفاصيل الصناعة، ظلوا يؤكدون أن ما فعله مدعاة للفخر، كلماتهم المشجعة كانت أقصى أمانيه، غير أن الأمر تطور لحصوله على جائزة المسابقة الأولى، ليعود مع سيارته وشهادة تُثبت تفوقه بالإضافة إلى 15 ألف جنيها سيحصل في مقابلها على دورات تدريبية في الاقتصادوإدارة الأعمال.

تعلم الكتابة والقراءة لم يغب عن ذهنه رغم خبرته في السيارات ''بقرأ على خفيف بس عايز أتعلم لغات تانية وأعرف أكتب'' قال ''فتحي'' آملا أن تسنح له فرصة لفعل ذلك مع ضغوط ''أكل العيش''، هو ليس أعزبا، ينفق على زوجته التي قال إنها قدرت حلمه ولم تعترض رغم القحط الذي عايشوه بسبب السيارة ''جت فترة قللت مصروف البيت للنص وهي كانت راضية''.

هاجر ومحمد هما طفلاه؛ الأولى في المرحلة الابتدائية لكنها تعي أن والدها أنجز شيئا، تخبره عن مدرسها الذي تابع مشروع الوالد منذ البداية وحتى الاكتمال؛ كيف أنه معجب بالفكرة، حتى انتقل إعجابه بها إليها فصارت أكثر اعتزازا بوالدها.

لم تكن مسابقة جامعة النيل هي المحطة الأخيرة في رحلة ''فتحي''، الولايات المتحدة الأمريكية تنتظره؛ حيث انتقل إلى تصفيات المسابقة التي تُقام على مستوى عالمي هناك، يمثل فيها المبدعون من دول متباينة بلادهم ''عايز أوصل للمركز الأول''، تؤهله المسابقة العالمية إذا فاز بمركز أن يسمع له رجال الأعمال والشركات الضخمة بشكل أوسع، وأن يؤخذ مشروعه بعين الاعتبار.

بعيدا عن الأهداف الشخصية يطمح لإدخال الجنسية المصرية بصناعة السيارات، يثق في قدرته وزملاءه على صناعة سيارة بكل ما فيها، سواء أكانت حديثة أم من الزمن القديم، طالما حددها له الراغب بها، الأموال التي ينفقها المواطنون المصريون على السيارات العالمية يرى أنها ستتراجع إذا تم تصنيع السيارات هنا في مصر.

أينما يذهب ''عيسى'' بالأنتيكة تلاحقه نظرات المارة، أغلبها تسأله عن الموديل، ثم يأتي السؤال التقليدي ''انت وارثها؟''، يرد الأخير قائلا: ''لأ انا عاملها على إيدي''، ينظر له السائل غير مصدق، بينما يبادره آخر بكلمة ''تسلم إيدك''، أو يعرض عليه بيعها بأحد المزادات ''فيه ناس عارضاها عليا بربع مليون جنيه وممكن تجيب أعلى لأن الموديل دة مبقاش يتصنع''، لا ينوي بيعها، ليس لأنها تُحفته الأولى فقط وابنته البكر في الصناعة؛ لكن لتبقى كذلك نصب عينيه، يتذكر بها أيام الشقاء، نظرات السخرية، والتصبر بأمل الخروج من قوقعة الفشل والبطالة والتعجيز.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: