إعلان

"نفحات رمضانية" يقدمها الشيخ محمود الهواري: لا تغضب في رمضان (3)

05:38 م الأحد 26 أبريل 2020

الشيخ محمود الهواري

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد قادوس:

في حلقات خاصة لـ"مصراوي"، وعلى مدار الشهر الفضيل، يقدم الدكتور محمود الهواري، عضو المكتب الفنى لوكيل الأزهر، وأحد خطباء الجامع الأزهر، إطلالة رمضانية روحانية تتجدد مع أيام هذا الشَّهر الطَّيِّب، متعرضا لنفحات إيمانية قيمة ونصائح نبوية غالية.

يقول الهواري، عبر فيديو خاص نشره مصراوى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:

إن من عطاء رمضان أنَّ الصائم لا ينبغي له أن يغضب، حتَّى إنَّ النَّبِيَّ ﷺ يقول: «إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ» [متفق عليه]، ومعناه: إنَّ عبادتي لله تمنعني من ردِّ الأذى، بله أذى النَّاس.

فكأنَّ الصِّيام يربِّي أهله على الحلم، وترك الغضب، وبهذا أوصى رسول الله ﷺ من سأله، وقال له: أوصني، فقال ﷺ: «لا تغضب»، فردد مرارًا، قال: «لا تغضب» [البخاري].

وهذه الوصيَّة مِن أوجز وأقصر الوصايا على الإطلاق، وهي على وجازتها تحمل خيرا كثيرًا، حتَّى إنَّ المؤمن يجب عليه أن يتحلَّى بها في كل وقت، وفي رمضان أكثر توكيدًا؛ لما يكون عليه الصَّائم من الجوع والعطش والمشقَّة، فربَّما خرج عن حد اللِّياقة، فوجَب أن يكظِمَ غيظه، وأن يتحلَّى بالصَّبر والحِلْم.

وقد وعد الله المتَّقين جنَّته، ووصف هؤلاء المتَّقين المستوجبين للجنَّة بقوله: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 133، 134].

فجعل كظم الغيظ إحدى صفات المتَّقين، وجعل الغاية من الصيام التقوى في قوله تعالى: ﴿لعلَّكم تتَّقُون﴾ .

حريٌّ بالصَّائم أن يقوِّي ملكة ترك الغضب مع كل النَّاس من حوله: مع الزَّوجة، والأولاد، والأهل، والجيران، والزُّملاء في العمل، وفي البيت، وفي المواصلات، وفي الأسواق.

وربَّما كان الغضب محمودًا أحيانًا، وذلك إذا كان لله –سبحانه وتعالى-، يقوِّم سلوكًا، أو ينصح منتصحًا، ومنه ما حكاه القرآن عن سيدنا موسى –عليه السَّلام- عندما رجَع لقومه فوجدهم يعبُدون العِجل: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[الأعراف: 150].

وقد أخبرت أمُّ المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- أنَّ رسول الله ﷺ لم يكن يغضب إلا إذا انتُهكت حُرمات الله، وأنَّه ﷺ لم ينتقم لنفسه قطُّ.

ولقد حاول زيد بن سعنة قبل إسلامه أن يختبر غضب النَّبيِّ ﷺ، قال زيد بن سعنة: ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفته في وجه محمدٍ ﷺ حين نظرتُ إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهلَه، ولا تَزيده شدة الجهل عليه إلا حِلمًا، فكنت ألطف له لأن أخالطه، فأعرف حِلمه من جهله، قال زيد بن سعنة: فخرج رسول الله ﷺ يومًا من الحجرات ومعه علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، فأتاه رجلٌ على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، إن بُصرى قرية بني فلانٍ قد أسلموا، ودخلوا في الإسلام، وكنتُ حدثتُهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابتهم سنةٌ وشدةٌ وقحوطٌ من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيءٍ تعينهم به فعلتَ، فنظر إلى رجلٍ إلى جانبه أراه عليًّا رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، ما بقي منه شيءٌ، قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلانٍ إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: «لا يا يهودي، ولكني أبيعك تمرًا معلومًا إلى أجل كذا وكذا، ولا تسمي حائط بني فلانٍ»، قلت: بلى، فبايعني، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالًا من ذهبٍ في تمرٍ معلومٍ إلى أجل كذا وكذا، فأعطاها الرجل، فقال: «اغدُ عليهم فأعِنْهم بها»، فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثٍ، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظٍ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطلٌ، ولقد كان لي بمخالطتكم علمٌ، ونظرت إلى عمر، وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلَك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدوَّ الله، أتقول لرسول الله ﷺ ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر فوته لضربتُ بسيفي رأسك، ورسول الله ﷺ ينظر إلى عمرَ في سكونٍ وتؤدةٍ، ثم قال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر وأعطه حقه، وزِدْه عشرين صاعًا من تمرٍ مكان ما روَّعْتَه»، قال زيدٌ: فذهب بي عمر رضي الله عنه، فأعطاني حقي، وزادني عشرين صاعًا من تمرٍ، فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله ﷺ أن أَزيدَك مكان ما روعتُك، قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، مَن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر، قلت: الحَبْر، قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله ﷺ ما فعلتَ وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمرُ، لم تكن من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفته في وجه رسول الله ﷺ حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه، يسبق حِلمُه جهله، ولا يزيده الجهل عليه إلا حِلمًا، فقد أخبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًّا، وأشهدك أن شطرَ مالي - وإني أكثرها مالًا - صدقةٌ على أمة محمدٍ ﷺ.

فهذا موقف لو كان في أيامنا لأقام الدنيا، ولم تقعد إلا بعد داء سائلة، ونفوس زاهقة، لكنَّه رسول الله ﷺ الَّذي يعلِّم الدُّنيا الحلم، والعفو، والأناة، وترك الغضب.

وهذا الغضب الَّذي يوجِّهنا الصِّيام لتركه قد يجرُّ إليه الزَّهو، أو العُجْب، أو المزاح والهزل، أو الهزء والتعيير، وشدَّة الحرص على فضول المال والجاه، وهي بأجمعها أخلاقٌ رديئةٌ مذمومةٌ شرعًا، ولا خلاص من الغضب مع بقاء هذه الأسباب؛ فلا بدَّ مِن إزالة هذه الأسباب بأضدادها.

وعلى من أصيب بهذا المرض الأخلاقي أن يطلب العلاج النَّبويَّ، ومن العلاج الَّذي يقضي على الغضب: أن يستعيذ بالله من الشيطان الرَّجيم، وأن يغيِّر هيئته، من قيام إلى جلوس، أو من جلوس إلى اضطجاع، أو أن يسكت، وأن يتوضأ فيذهب نار الغضب، وأن يتذكر ثواب كاظم الغيظ عند الله.

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك: