إعلان

مواقف من حياة "عمر بن عبدالعزيز" عن الموت

06:26 م الخميس 09 مايو 2019

ارشيفية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - إيهاب زكريا:

يدخل بعض المسلمين رمضان وهم فاقدون بعض أحبتهم الذين كانوا يقضون معهم أيام وليالي رمضان، وكانت سيرة عمر بن عبدالعزيز مع الموت لا تخلو من تعليم للأمة الإسلامية في حياته ومن بعده، فكان دائما يذكر الموت إما مذكرا غيره به أو يطلب من غيره أن يذكره به.

عن الطبراني أنَّ الحبيب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كفى بالموت واعظًا، وكفي باليقين غنى)).

وانظر ما جاء في كتاب "حلية الأولياء" (5/ 295) و"إحياء علوم الدين" (4/ 663) و"قصر الأمل"؛ لابن أبي الدنيا صـ66-67 عن القعقاع بن عجلان قال: خطَب عمر بن عبدالعزيز، فحَمِدَ الله تعالى وأثنى عليه، وقال:

"أيها الناس، إنَّكم لن تُخْلَقُوا عبثًا، ولن تُتْرَكُوا سُدًى، وإنَّ لكم معادًا يجمعكم الله للحُكم فيكم، والفصل فيما بينكم، فخابَ وشقي عبدٌ أخرَجَه الله من رحمته التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ، وجنَّته التي عرضها السَّماوات والأرض، وإنما يكونُ الأمان غدًا لِمَن خاف الله واتَّقى، وباع قليلاً بكثير، وفانيًا بباقٍ، وشقوة بسعادة، ألا ترَوْن أنَّكم في أسلاب الهالكين، وسيخلف بعدكم الباقون؟!

ألا ترَوْن أنَّكم في كُلِّ يومٍ تُشيِّعون غاديًا أو رائحًا إلى الله، قد قضى نحبَه وانقطع أملُه، فتضعونه في بطن صدعٍ من الأرض غير موسَّد ولا مُمهَّد؟! قد خلَع الأسباب وفارَق الأحباب، وواجَه الحساب؟!

وايمُ الله إنِّي لأقولُ لكم مَقالتي هذه، وما أعلم عندَ أحدٍ مِنكم من الذنوب أكثر ممَّا أعلم من نفسي، ولكنَّها سننٌ من الله عادلة، أمَر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته، واستغفَرَ الله ووضَع كُمَّهُ على وجهه؛ فبكَى حتى لَثِقَتْ (ابتلت) لحيته، فما عاد إلى مجلسه حتى مات - رحمه الله.

وقال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله لأبي حازم:

"أوصِني، فقال له أبو حازم: اضَّجِع ثم اجعل الموت عند رأسك، ثم انظُر إلى ما تحبُّ أنْ يكون فيك تلك الساعة فخُذْ به الآن، وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدَعْه الآن، فلعلَّ تلك الساعة قريبة".

وقال أبو حازم أيضًا: "انظُر كل عمل كرهت الموت لأجله فاترُكه، ولا يضرُّك متى متَّ".

ودخَل يزيد الرقاشي على عمر بن عبدالعزيز فقال له: "عِظني، فقال يزيد الرقاشي: لست أوَّل خليفة تموت يا أمير المؤمنين، قال: زِدني، قال: لم يبقَ أحدٌ من آبائك من لدُن آدم إلى بلغت النوبة إليك إلا وقد ذاق الموت، قال: زِدْنِي، قال: ليس بين الجنَّة والنَّار منزل والله... ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14]، وأنت أبصَرُ ببرِّك وفُجورك، فبكى عمر حتى سقَط عن سريره.

ورُوِيَ عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "أنَّه كان في جنازةٍ في مقبرة، فرأى قومًا يهربون من الشمس إلى الظل، فأنشد يقولُ بعد الصلاة على الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم:

مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ أَوِ الغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا

وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثَا

فِي ظِلِّ مُقْفِرَةٍ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ يُطِيلُ تَحْتَ الثَّرَى فِي غُمَّةِ اللَّبَثَا

تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا

روى أبو نعيم الحافظ بإسنادٍ له: "أنَّ عمر بن عبدالعزيز شيَّع مَرَّةً جنازةً من أهله، ثم أقبَلَ على أصحابه ووعظَهُم، وذكَر الدنيا فذمَّها، وذكر أهلها وتنعُّمهم فيها وما صاروا إليه بعدَها في القبور، وكان كلامه أنَّه قال: إذا مررت بهم فنادِهِم إنْ كنت مُناديًا، وادعُهم إنْ كنتَ لا بُدَّ داعيًا، ومُرَّ بعَسكِرهم وانظُر إلى تقارُب مَنازِلهم.

سَلْ غنيَّهم ما بقي من غِناه؟ وسَلْ فقيرَهم ما بقي من فقره؟ وسَلْ عن الألسن التي كانوا به يتكلَّمون، وعن الأعيُن التي كانوا إلى اللَّذَّات بها ينظُرون، وسَلْهُم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسَنة، والأجساد الناعمة... ما صنَع بها الديدان تحت؟! أكلت اللحمان، وعفَّرت الوجوه، ومُحيت المحاسن، وكُسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومُزِّقت الأشلاء، أين صحابهم وقِبابهم؟ أين خَدَمُهم وعَبِيدهم؟ وجمعُهم وكنوزُهم؟ والله ما زوَّدهم فِراشًا، ولا وضَعوا لهم هناك متكئًا، ولا غرَسُوا لهم شجرًا، ولا أنزلوهم من اللحد قَرارًا، أليسوا في مَنازل الخلوات؟ أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ أليسوا في مدلهمَّة ظلماء، قد حِيل بينهم وبين العمل وفارقوا الأحبة؟ وكم من ناعمٍ وناعمة أضحوا ووجوههم بالية، وأجسادهم من أعناقهم بائنة، وأوصالهم ممزَّقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه دمًا وصديدًا، ودبَّت دواب الأرض في أجسادهم؛ ففرَّقت أعضاءهم، ثم لم يلبثوا إلا يسيرًا، حتى تمادَتِ العظام رميمًا، فقد فارَقوا الحدائق، وصاروا بعد السَّعة إلى المضائق، قد تزوَّجت نساؤهم، وتردَّدت في الطرق أبناؤهم، وتوزَّعت القرابات ديارهم وثراهم، يا ساكن القبر غدًا، ما الذي غرَّك في الدنيا؟ هل تعلم أنَّك تبقى لها وتبقى لك؟

أين دارُك الفيحاء ونهرك المطَّرد؟ وأين ثمرتك اليانعة؟ وأين رِقاق ثيابك؟ وأين طِيبك وبُخورك؟ وأين كِسوتك لصيفك وشتائك؟

أمَا والله قد نزَل به الأمر، فما يدفعُ عن نفسه وجلاً، وهو يرشح عرقًا، ويتلمَّظ عطشًا، يتقلَّب في سَكرات الموت وغَمراته، جاء الأمر من السَّماء، وجاء غالب القَدر والقَضاء، هيهات... هيهات يا مغمض الوالد والأخ والولد وغاسله، ويا مكفن الميت وحامله، ويا مخليه في القبر وراجعًا عنه!

ليت شِعري... كيف على خشونة الثَّرى! ليت شعري... بأيِّ خدَّيْكَ بدأ البِلَى؟! يا مجاور الهالكات، صِرت في محلَّة الموت، ليت شِعري... ما الذي يَلقاني به ملكُ الموت عند خُروجي من الدُّنيا؟ وما يأتيني به من رسالة ربي؟

ثم انصرف، فما عاش بعد ذلك إلا جمعة - رحمه الله تعالى.

يقول ميمون بن مهران:

"خرَجتُ مع عمر بن عبدالعزيز إلى المقبرة، فلمَّا نظَر إلى القبور بكى، ثم أقبل عليَّ فقال: يا أبا أيوب، هذه قُبور آبائي كأنهم لم يُشارِكُوا أهلَ الدنيا في لذَّتهم وعيشهم، أمَا تراهم صَرْعَى قد حلَّت بهم المَثُلات، واستَحكَمَ فيهم البلاء، وأصاب الهوامُّ في أبدانهم مقيلاً، لسان حالهم يقول: كنَّا عِظامًا فصِرنا عِظامًا، وكنَّا نَقُوت فها نحن قُوت، ثم بكى حتى غُشِي عليه، ثم أفاق فقال: انطلق بنا، فوالله ما أعلمُ أحدًا أنعم ممَّن صار إلى هذه القبور، وقد أمن من عَذاب الله - عزَّ وجلَّ.

ألا تبكي لنفسك؟!

تَنُوحُ وَتَبْكِي لِلأَحِبَّةِ إِنْ مَضَوْا ♦♦♦ وَنَفْسُكَ لا تَبْكِي وَأَنْتَ عَلَى الأَثَرْ "المدهش": صـ47

جاوب واكسب مع فوازير مصراوي , للمشاركة أضغط هنا سارع بخروج زكاة الفطر _ زكاتك هتوصل للمستحقين مصراوي هيساعدك أضغط هنا

فيديو قد يعجبك: