إعلان

أم سعد وأم مرقص.. حكاية 35 عامًا من المحبة بدأت بـ"طبق مِش" وانتهت بـ"كعك الميلاد"

08:13 م الخميس 07 يناير 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - عبد الله عويس:

فيما يملأ الفضاء الإلكتروني ضجيج متكرر، حول تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد، كانت "أم مرقص"، تجلس أمام موقد النار، تجهز ما لذ وطاب من معجنات لتلتهمها رفقة أسرتها، احتفالا بعيد الميلاد، تعاونها "أم سعد" جارتها التي فتحت لها باب بيتها، لتساعدها بداية من عملية العجن انتهاء بالتسوية، متفوقة على جارتها المسيحية بامتلاكها فرنا بلديًّا، ليس أشهى من الكعك الذي يخرج منه. وما بين الاثنين علاقة محبة ومودة بدأت بطبق "مِش" وانتهت بصحبة امتدت لما يزيد عن 35 عامًا، لم تؤثر فيها خطابات الكراهية.

في مدينة قليوب، كانت عزة شديد، التي عرفها الناس فيما بعد بـ"أم سعد" قد قدمت إلى المدينة، بعد زواجها، وكانت حين تذهب لاستخراج الجبن القديم من الأواني الفخارية، تلمح فتاة تجلس غير بعيد أعلى منزلها، ومع تردد اللقاء والسلام، تحدثتا لأول مرة، وتعرفتا على بعضهما البعض، لتعطيها عزة بعض الجبن، على سبيل الهدية، فقبلتها مريم جرجس بقبول حسن، لتكون تلك شرارة تلك الصداقة، التي امتدت أعوامًا طوالًا، وما تزال: "من بعدها حبينا بعض، جيران وصحاب، ومبقاش لينا غير بعض" تحكي عزة.

صداقة السيدتين، كانت تنمو، زوج كلا منهما صار صديق الآخر بالتبعية، وكذا الأولاد، ثم الأحفاد من بعدهم، وخلال تلك السنوات، كانت كل واحدة منهما رفيقة الأخرى في كل شؤون الحياة، زواج الأولاد، الاحتفالات بالأعياد، تجهيز الأطعمة حال المرض، ترتيب البيت لدى استقبال الضيوف. أمور تعبر عنها أم مرقص بأنها نموذجًا لما يجب أن يكون عليه الجيران والأصدقاء، بغض النظر عن الديانة: "إحنا سوا على الحلوة والمرة، ملناش دعوة بمسلم ومسيحي، ربنا واحد وكلنا بنعبده بطريقة كل واحد".

قبل عيد الفطر الماضي، كانت أم مرقص من طرقت باب أم سعد أولا، لتسألها متى ستبدأ في تجهيز الكعك والبسكويت، لتكون عونا لها، وقبل أيام من عيد الميلاد المجيد، كانت الأخرى تقوم بالمثل، وحصة الكعك في النهاية ستكون مقسومة بين الأسرتين، التي غيب الموت ربيهما منذ سنوات: "كل واحدة فينا ضهر للتانية، لما بنزل أشتري جهاز لبنتي بتكون معايا، ولما هي بتتعب بكون أول واحدة جوة بيتها بساعدها" قالتها أم سعد، وهي تعد الكعك لإدخاله في الفرن ليصبج جاهزًا. فيما تذكرها ابنتها ندى بأن أم مرقص أول من يطرق أبواب البيت في صباح العيدين، الفطر والأضحى، لتهنئتة الأسرة وإعطاء كافة أفرادها العيدية، لتزجرها السيدة الستينية، معللة الأمر بأن ذلك حق وواجب وقبل ذلك كله محبة: "مبنقولش لأم مرقص غير يا خالتي، اتربينا في حجرها، وولادها اتربوا معانا، عشان كده بيتنا دايما مفتوح ليها وبيتها مفتوح لينا" قالتها ندى.

لا تعبأ أم مرقص، التي لديها ثلاثة أولاد وخمسة أحفاد، بما يقوله الناس عن تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، المرأة التي لم تكمل المرحلة الابتدائية، تعتبر ذلك ناجمًا عن قلة فهم، لكنها لا تغضب من المتحدثين به: "أنا بحب الناس كلها، واللي بيعاملني حلو أكرهه إزاي، ده مفيش عقل ولا دين بيقول كده". تلتقط منها الحديث أم سعد، التي ترى في جارتها وصديقتها من أنبل الصفات وأفضلها: "والنبي إحنا كبرنا لا نعرف إيه مسلم ومسيحي، طالما حلوين مع بعض خلاص".

بهذا المنطق تتعامل السيدتان، وإذ لا اتصال لهما بالعوالم الافتراضية، فإن أولادهما يعرفون ما يتردد من البعض مع اقتراب أعياد المسيحيين، ولذلك أرادت منار شديد، التي تعمل صحفية، أن توثق تلك اللحظات بين أمها وجارتها التي تعتبرها في مقام خالتها، بالتقاط بعض الصور: "لأني معنديش خالة أصلا، فكبرت وهي خالتي، متربية في حجرها، وهي أمي بعد أمي".​​

فيديو قد يعجبك: