وصل سعرها لـ 4 آلاف جنيه.. كيف صنعت الموجة الثانية لكورونا أزمة أسطوانات الأكسجين؟
كتب- محمود عبدالرحمن:
جرافيك- مايكل عادل:
بين مستشفيات حكومية وخاصة، وشركات مستلزمات طبية، قضى محمد عماد ساعات يومه في البحث عن أسطوانة أكسجين، لوالدته التي تعاني من سرطان الرئة، بسبب تعرضها لمضاعفات صحية، أرجع الطبيب المعالج سببها إلى نقص الأكسجين في الدم، مطالبًا الابن الذي فضل علاجها في البيت، بضرورة توفير أسطوانة أكسجين كبيرة، تكفي احتياجات الأم لثلاثة أيام، في ظل حاجتها للتنفس الصناعي على مدار 24 ساعة، حتى تعود حالتها الصحية إلى الاستقرار مجددًا.
أسطوانة الأكسجين الكبيرة التي يقصدها الطبيب تبلغ سعتها 40 لترًا، وتكفي المريض ساعات معدودات، وقد تمتد إلى 4 أيام، حسب حالته الصحية، وتوفرها بعض الجمعيات الخيرية؛ لأهميتها في علاج الحالات ذات الأعراض المتوسطة والخطيرة من المصابين بفيروس (كوفيد-19)، سواء بمقابل مادي أو مجانًا، إحدى هذه الجمعيات لجأ إليها محمد عماد بعد فشله في العثور على أسطوانة الأكسجين، حلًا مؤقتًا لإسعاف والدته.
أسطوانات الأكسجين، من المستلزمات الطبية قليلة الاستخدام والطلب عليها محدود، مقارنة بالمستلزمات الطبية الأخرى، تروي أمنية إبراهيم مندوب التسويق بإحدى شركات المستلزمات الطبية، موضحة أن هذه الأسطوانات تتوافر في أكثر من 300 شركة متخصصة، في مناطق (قصر العيني والدمرداش وشبرا الخيمة)، لكن لا يتجاوز متوسط عدد الأسطوانات الموجودة في كل محل أو شركة 5 أسطوانات، وفق تقدير مندوبة التسويق، والسبب يرجع لقلة الطلب عليها.
تضاعف الطلب على شراء الأسطوانات كان مفاجئًا وغير متوقع بعد تفشي "كورونا"، واجهت الشركة التي تعمل بها "أمنية" صعوبات في استيراد كميات إضافية، بسبب الإغلاق ووقف حركة الملاحة في العديد من الدول.
مع زيادة حالات الإصابة بـ"كورونا" في بداية الموجة الثانية من الوباء، زاد الطلب على أسطوانات الأكسجين، خاصة مع اعتماد النسبة الأكبر من المصابين على بروتوكولات العلاج للعزل المنزلي، وهي النسبة التي قدرتها وزيرة الصحة هالة زايد بـ75% من المصابين، وهؤلاء لا يوجد إحصاء رسمي أو دقيق بعددهم أو وضعهم الصحي، حيث قدرت وزيرة الصحة الأعداد اليومية المعلن عنها بـ25% من إجمالي الإصابات في مصر.
والد سعيد علي من ضمن النسبة الأكبر من المصابين بـ"كورونا" الذين لم يذهبوا إلى المستشفى وخضعوا للعلاج المنزلي والمتابعة مع أحد الأطباء في عيادته الخاصة، حيث خضع الأب الخمسيني للعلاج المنزلي بعد ظهور أعراض إصابته بالفيروس، وبعد 4 أيام من قضاء العزل المنزلي، تعرض لضيق في التنفس على فترات متقطعة في ساعات الليل، طلب الطبيب المعالج من "سعيد" توفير أسطوانة أكسجين أو البحث عن مكان لعلاج والده داخل المستشفى؛ لأنه يحتاج إلى تنفس صناعي.
فضَّل "سعيد" توفير أسطوانة أكسجين لوالده وعلاجه في المنزل، بدلا من حجزه بالمستشفى، ليبدأ رحلة البحث عن أسطوانة "كل ما أروح محل مستلزمات طبية يقولوا مفيش"، حاول التواصل مع إحدى الجمعيات الخيرية، لتخبره الإدارة بعدم وجود أسطوانات حاليًا في الجمعية، وبمجرد إعادة أي أسطوانة إلى الجمعية، سوف يتم التواصل معه، لمعرفة إذا ما كان لا يزال يحتاج إليها.
تحذيرات من الأهل والمعارف تلقاها محمد عماد وسعيد علي، أثناء رحلة كل منهما للبحث عن مكان موثوق لشراء أسطوانة أكسجين 40 لترًا، ودعم هذه التحذيرات الأخبار التي كانا يتابعانها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي التلفاز عن السوق السوداء لبيع أسطوانات أكسجين مجهولة المصدر وغير مرخصة، لذلك فضَّل محمد الشراء من إحدى شركات بيع المستلزمات الطبية بمنطقة القصر العيني بمعرفة صديق، بينما سعيد فشل في شراء أسطوانة "دورت في أكثر من مكان وما كانتشي موجودة".
أمام مدخل شركة الغازات بالحي السابع بمدينة نصر، يصطف العشرات من أجل إعادة تعبئة أنابيب أكسجين لذويهم المرضى أو لمندوبي الجمعيات الخيرية وكذلك ممثلو لجان الإغاثة التي شكلها متطوعون؛ لتوفير الأسطوانات للمرضى غير القادرين.
الشركة الحكومية تقوم بتعبئة 1500 أسطوانة يوميًا، وفقا لأحد العاملين، بخلاف الأكسجين السائل المخصص للمستشفيات، تعتبر الشركة إحدى 30 شركة متخصصة تنتج الأكسجين في مصر، وتعمل على مدار 24 ساعة يوميًا من أجل تلبية احتياجات وتوفير الكميات المطلوبة، وكانت بداية تزايد المترددين عليها منذ ديسمبر الماضي الذي شهد قفزة كبيرة في إصابات "كورونا".
يفضل محمد عماد إعادة تعبئة أسطوانة الأكسجين، من الشركات المتخصصة أو المصانع باعتبارها الأفضل، وفي حالات الضرورة فقط يقوم بتعبئتها من المستشفيات، وفقا لتجربته على مدار 3 سنوات: "تعبئة المصانع بتكون محكمة والأسطوانة نسبة الأكسجين فيها بتكون 90%، عكس المستشفيات لا تتجاوز النسبة 70%" من حجم الأسطوانة، مع الوضع في الاعتبار أن المستشفيات في ظل الأزمة الحالية لا تسمح بتعبئة الأكسجين من خزاناتها المركزية، عكس ما كان يحدث قبل الأزمة.
وللتغلب على هذه المشكلة شكل شباب في العديد من القرى لجان إغاثة؛ لتوفير الدعم للمصابين بـ"كورونا"، الذين يعالجون في المنزل، حيث يتم توفير أسطوانات الأكسجين مجانًا لغير القادرين، على سبيل الاستعارة وعودتها مرة أخرى عقب تحسن الحالة الصحية للحالة: "في ناس كتير كانت بتيجي تسأل على أسطوانات وتمشي"، يقول أحد المتطوعين في هذه المبادرات، التي يتم تمويلها من جمع التبرعات من القادرين من الأهالي القرية.
الجهاز يستخدم للحالات التي تعاني من أمراض تنفسية مزمنة، ولم تعد رئتهم تعمل بشكل سليم لذا يحتاجون للأكسجين لفترات طويلة أثناء اليوم، وفق سامح جمال، مهندس بإحدى الشركات المتخصصة في بيع الأجهزة التنفسية المنزلية والمتنقلة، ويتميز الجهاز بسهولة الاستخدام وعدم التعبئة: "المولد طول ما هو في الكهرباء شغال"، لذلك أسطوانة الأكسجين تعتبر أفضل في حالة انقطاع التيار الكهرباء؛ لأن الجهاز يكون غير مفيد في هذه الحالة.
مع ذروة انتشار الوباء في موجته الثانية، أصبحت أسطوانة الأكسجين هي الطلب المتكرر لأغلب المترددين على الجمعية، التي تعمل بها رباب حنفي، لدرجة دفعت البعض إلى الاستفسار عن مدى توفيرها من قبل الجمعية التي تتواجد بمنطقة فيصل بالجيزة بمقابل مادي.
هذا الطلب المتكرر دفع الجمعية الخيرية إلى شراء 30 أسطوانة أكسجين بسعات مختلفة وتوفيرها لغير القادرين على الشراء، ويتم توفيرها لمن يرغب شرط تقديم تقرير طبي يثبت احتياجه إلى الأكسجين أو توصية من الطبيب المعالج، تقول رباب مشرفة الجمعية: "من كثرة الطلب على الأسطوانات مش بتدخل الجمعية"، حيث يتم نقلها من مريض إلى مريض آخر يحتاج إليها.
الإقبال على شراء الأسطوانات زاد بنسبة 80% بعد ظهور وباء "كورونا"، وفق محمد سيد، مسؤول مبيعات بإحدى الشركات المتخصصة في إنتاج وتعبئة أسطوانات الأكسجين بالمنطقة الصناعية، بمدينة السادس من أكتوبر، خاصة مع ارتفاع الإصابات في الموجة الثانية التي شهدت إقبالًا على الشراء أكبر مقارنة بالموجة الأولى من الوباء.
والدة محمد عماد توفيت بعد تدهور صحتها بسبب مرضها بسرطان الرئة، بينما والد سعيد علي تعافى من إصابته بـ"كوفيد-19"، ولم تنتهِ ذروة الموجة الثانية من الوباء، التي تتوقع وزارة الصحة أن تستمر حتى منتصف فبراير القادم، وبينما طالبت وزيرة الصحة أهالي المصابين الذين يحتاجون إلى أكسجين بنقلهم إلى المستشفى، وعدم تركيب أسطوانات لهم في المنزل، معتبرة ذلك "استهتارًا" سيؤدي إلى تدهور الحالة الصحية والنقل إلى المستشفى في حالة متأخرة، خاصة أن 50% من وفيات "كورونا" ماتوا بعد 48 ساعة من نقلهم إلى المستشفى، وترجع الوزيرة السبب إلى محاولات العلاج وجلب الأسطوانات منزليًا، وتأجيل الذهاب إلى المستشفى لحدوث مضاعفات.
إعلان