إعلان

التصالح في مخالفات البناء.. كيف أثر "حق الدولة" على زواج محمود؟ (قصة مدفوعة بالبيانات)

04:26 م الخميس 24 سبتمبر 2020

مخالفات البناء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- مها صلاح الدين:

جرافيك- مايكل عادل:

في سبعينيات القرن الماضي، ومع تزايد النمو الاقتصادي، عجزت الحكومة ومؤسساتها آنذاك عن توفير وتلبية احتياجات المواطنين في السكن، ليتوجه المواطنون إلى البناء العشوائي دون دراسة أو تخطيط، كما قال رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، في اجتماع مجلس الوزراء، المنعقد 9 سبتمبر الحالي.

اليوم، وبعد مرور ما يقرب من نصف قرن، يمثل البناء العشوائي 50% من الكتلة العمرانية لمدن مصر وقراها، ما أدى إلى وجود حجم هائل من المشاكل والتحديات، بسبب هذا البناء المبعثر الذي مثل ضغطا شديدا على الدولة، بحسب وصف رئيس الوزراء.

"كلنا عارفين إننا بانيين مخالف، والدولة ليها حق، بس إحنا مصدقنا جبنا الشقة وقولنا هنرتاح، نمنا وصحينا لاقينا علينا فلوس التصالح"، يشكو منتصر، سائق سيارة أجرة، حاله، ويعترف بكم الخسائر التي تكبدتها الدولة نتيجة مخالفات البناء، لكنه في المقابل لا يعلم من أين يأتي بالمزيد من المال للتصالح.

في السطور التالية، يرصد "مصراوي" الخسائر التي تكبدتها الدولة بسبب مخالفات البناء، وقيمة التصالح التي اعتمدتها بعد تخفيض سعر المتر، مقابل أحوال المواطنين في المحافظات الـ27، من خلال البيانات الحكومية التي أصدرتها كل من وزارة التنمية المحلية ومجلس الوزراء، والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، لرسم صورة تفاعلية متكاملة الأطراف عبر تحليل البيانات.

1

لجأت الحكومة لإصدار قانون التصالح في مخالفات البناء رقم (17) لسنة 2019 حتى يتفادى المواطنون المصير الأكثر سوءًا، الذي كان ينتظرهم في قانون البناء الموحد، والذي يقضي بهدم أي عقار أو مبنى مخالف، أو إصدار أحكام بفرض غرامات على أقل تقدير.

في المقابل كان القانون لا يقبل التصالح في حالات بعينها.

2

وقدمت الدولة تسهيلات كثيرة للمواطنين، حتى تستطيع فرض ذلك القانون.


3

تختلف قيمة التصالح من محافظة إلى أخرى؛ وذلك بناءً على موقع العقار ونوع الوحدة والمنطقة المتواجد بها، إذا كانت مخططة أو مميزة أو عشوائية، وكذلك نشاط الوحدة أو العقار، من حيث كونه "سكنيا، أو تجاريا، أو صناعيا، أو إداريا، أو خدميا، أو سياحيا"، وتبدأ من 50 جنيهاً للمتر المسطح في القرى والنجوع والعزب، وتصل إلى 2000 جنيه للمتر المسطح في المدن.

4

كانت تلك المبالغ صادمة بالنسبة لـ"محمود عبدالمنعم"، الشاب الثلاثيني، الذي ظل يدخر لمدة تزيد على 5 سنوات، كي يتمكن من شراء شقة صغيرة ليتزوج فيها بضواحي شارع فيصل بالجيزة، مقابل 250 ألف جنيه، يسددها على أقساط سنوية لصاحب العقار لمدة 3 سنوات، عبر الدخول في جمعية تلو الأخرى، بعد تسديد المقدم.
لم تكن أقساط الشقة هي الالتزام المادي الوحيد لمحمود، فالشقة ما زالت على الطوب الأحمر، وعليه ادخار المزيد لتأهيلها لاستقبال عروس جديدة.
محمود وآخرون في ظروف مشابهة أو مختلفة لم يكونوا بعيدين تمامًا عن نظر الدولة، فوجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتخفيض قيمة التصالح مراعاة لأحوال المواطنين، وهو ما بدأت فيه محافظة تلو أخرى بنسب متفاوتة.

تصدرت محافظة القاهرة الحد الأقصى للتخفيضات بنسبة 70%، وتذيلت سوهاج نسب التخفيضات، التي لم تتجاوز 10% من قيمة التصالح بالمحافظة.

ووصل إجمالي عدد طلبات المواطنين المقدمة للتصالح إلى مليون و276 طلبًا، وفقًا لبيان وزارة التنمية المحلية، الصادر في 21 سبتمبر الحالي.

وتقدمت محافظات الدلتا بما يقرب من ثلثي طلبات التصالح، وتلتها محافظات الصعيد بثلث الطلبات، وتوزعت الطلبات المتبقية بين 2 من كل 100 طلب في المحافظات المركزية، و2 بين كل 100 طلب في محافظات القناة، وطلب واحد بين كل 100 طلب من المحافظات الحدودية، بحسب إحصاء نشر على الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء، على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

بينما تصدرت محافظة البحيرة- في الإحصاء المنشور يوم 10 سبتمبر الحالي- أعداد الطلبات المقدمة؛ بـ117 ألفاً و762 طلبا، وتقدم المواطنون في محافظة الوادي الجديد بأقل عدد من طلبات التصالح بـ231 طلبًا.

وبعد التخفيضات الأخيرة التي طرحتها المحافظات، بلغ الحد الأقصى للتصالح للمتر الواحد في المناطق السكنية المميزة 1350 جنيها مصريا، والتي أقرته محافظة كفر الشيخ، بينما بلغ الحد الأدنى 75 جنيهاً في محافظة أسوان.

أما الحد الأقصى للتصالح على المتر الواحد في الوحدات التجارية، فكان 1789 جنيهاً في محافظة كفر الشيخ، والحد الأدنى 150 جنيها في محافظة أسوان.
وعلى هذا النهج، تم تحديد قيمة التصالح على المتر في كل الفئات "السكنية، والتجارية، والصناعية، والخدمية، والإدارية، والسياحية، وفئات أخرى في المناطق المميزة في المحافظات، كما هو مبين في الرسم البياني التالي.

بينما في المناطق العشوائية بلغ الحد الأقصى للتصالح على المتر في الوحدات السكنية 800 جنيه في الإسماعيلية، وبلغ الحد الأدنى 70 جنيها في أسوان.

وجاء الحد الأقصى للتصالح على الوحدات التجارية في المناطق العشوائية بمحافظة الإسماعيلية، والتي قدرته بـ1360 جنيهاً، بالمثل جاء الحد الأدنى للتصالح على المتر في أسوان بقيمة 120 جنيهًا.

وفي الرسم البياني التالي، ترى الحد الأقصى للتصالح على سعر المتر في المناطق العشوائية في جميع المحافظات بين كل الفئات.

لم تقبل عروس محمود بشقة مساحتها أقل من 100 متر حتى تتم الزيجة، وبالفعل استجاب محمود لذلك الطلب، وبحسب تقييم المحافظة، إذا اعتبرت تلك الشقة في حرم المناطق مميزة بالجيزة، سيدفع محمود بين 20 و42 ألف جنيه للتصالح على شقته، بينما إذا اعتبرتها المحافظة في حرم المناطق غير المخططة، فسيدفع قيمة التصالح لشقته 10 آلاف جنيه.

ومن خلال الرسوم البيانية التالية، ترى الحد الأقصى لإجمالي قيمة التصالح لجميع فئات الوحدات في جميع المحافظات، سواء كانت في مناطق مميزة أو غير مخططة.

بدأت الأفكار تدور في رأس محمود، ليقرر تسديد قيمة التصالح، لكن المحاسب الشاب الذي لا يتعدى راتبه 4700 جنيه، ويتساوى تقريبًا مع متوسط أجر الفرد الشهري إذا كان عاملًا بالقطاع العام أو الخاص في محافظة الجيزة، الذي يصل في العام الواحد نحو 56 ألفاً و880 جنيها، بحسب آخر بحث للدخل والإنفاق صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، لم يكن يعلم كيف يدبر أمره إذا طُبق عليه الحد الأقصى لقيمة التصالح في المناطق السكنية المميزة في الجيزة لكل 100 متر، والتي تبلغ 42 ألف جنيه، أي حوالي ثلاثة أرباع دخل محمود السنوي، وثلاثة أرباع متوسط الدخل السنوي للفرد في محافظة الجيزة.

وفي حالة تطبيق الحد الأقصى لسعر المتر في التصالح - بعد التخفيض - في الوحدات السكنية بالمناطق المميزة على مستوى محافظات الجمهورية، سوف تتجاوز قيمة التصالح لكل 100 متر متوسط الدخل السنوي في 19 محافظة، وتقل عن متوسط الدخل السنوي في 8 محافظات، بينما لا ترتفع قيمة التصالح لكل 100 متر عن متوسط الدخل السنوي في المحافظات، في حالة تطبيق الحد الأقصى من قيمة التصالح في المناطق غير المخططة.

لذا، لجأ محمود إلى حل التقسيط على أكبر مدة تتيحها الحكومة، أي على ثلاثة سنوات، مما يجعله يدفع 25% من دخله السنوي، وكذلك من متوسط دخل الفرد السنوي في محافظة الجيزة.

وبالمثل، تستطيع- كقارئ- أن تعرف نسبة الحد الأقصى من التصالح للوحدات السكنية التي تبلغ مساحتها 100 متر، من متوسط الدخل السنوي، إذا تم التقسيط على 3 سنوات، في المناطق المميزة وغير المخططة، عبر الرسوم البيانية التالية.

الآن، وبعد شهر من التفاوض، استطاع محمود إقناع جيرانه بالعقار بتجميع المبالغ المطلوبة لإبداء حسن نيتهم، والتقدم بطلبات التصالح، خوفًا من أن تنقطع عنهم المرافق، أو تصدر ضدهم أحكام بالإزالة، وقرروا أن يحاولوا تدبير ربع قيمة التصالح خلال 3 أشهر، تلك المدة التي يتم خلالها البت في الطلب، وتطويع إمكانياتهم المادية، لتسديد حق الدولة.

فيديو قد يعجبك: