إعلان

"أصحاب المقامات العالية(1)- ضريح أبي الدرداء الذي رضخ الترام لكراماته (بروفايل)

04:33 م الإثنين 15 يونيو 2020

ضريح أبي الدرداء

كتبت-هبة خميس:

نحن الآن في عام 1941 في الحرب العالمية الثانية بينما تشتد الغارات على مدينة الإسكندرية، تحديدًا في منطقة اللبان بالمنشية بغرب المدينة حيث يقع مبنى قديم لمديرية الأمن تتجمع فيه الجنود درءًا للهجوم المستمرعلى المدينة والذي دمر معظم مناطقها، بجوار المبنى القديم استفاق خواجة يوناني من نومه على صوت الغارات فهبّ بسرعة كي يغادر مبناه، في الأسفل وأمام المقام الصغير المقابل لمبناه رأى ما أفزعه، وما وصفه بعد ذلك للناس هو طيف أبيض منير يخرج من مبنى المقام الصغير ثم يصدّ بيده القنابل كي يحمي المنطقة التي بالفعل لم يصيبها أي ضرر جراء القصف المستمر، يحكي الناس تلك الحكاية عن الخواجة الذي أشهر إسلامه حينما رأى طيف أبي الدرداء ينقذ المدينة، تلك من أشهر الأساطير المتداولة عن الضريح.

1

قبل ذلك بسنوات طويلة، بالتحديد في العام 641 م بينما يتجه عمرو بن العاص لفتح الإسكندرية بعد نجاحه في فتح القاهرة التي لم يكن بها قبل ذلك سوى حصن واحد للرومان وهو حصن بابليون، أخذ معه عدد من الصحابة منهم أبي الدرداء ليستفيد الناس من علمه وحفظه القرآن لفتح المدينة التي ينقبض عمرو بن العاص من بحرها وجوها الوثني، لكنه ينوي أخذها كعاصمة للبلاد، حاصر المدينة مدة قرابة الأربعة أشهر ثم دخلها من ناحية الشرق وبني أول مسجد بالمدينة، و ظلّ أبي الدرداء بالمدينة يتلقى الناس منه الفقه ويشاع أنّ المكان الذي كان يجتمع فيه مع الناس هو مكان الضريح الحالي.

2

أبي الدرداء هو الصحابي عويمر بن عامر الأنصاري، ويحكى عن واقعة إسلامه أنه كان يعبد صنمًا في بيته فدخل عليه أصحاب البيت فكسرا صنمه، ثم راح يجمع بقايا الصنم وهو يحدثه فأجابته زوجته أم الدرداء " لو كان ينفع أو يدفع عن أحد لدفع عن نفسه ونفعها"، فاغتسل أبي الدرداء ثم ذهب للرسول الذي وعده الله بإسلامه من قبل، و لُقّب "بأبي الدرداء " نسبة إلى ابنته ويعني الاسم "الطفلة التي وقعت أسنانها "، و لقبت أيضًا زوجته بنفس الكُنية وكانت فقيهة وزاهدة، وورد ذلك في كتاب "الصحابي الجليل أبي الدرداء و مروياته في الكتب الستة ".

ومن سيرة أبي الدرداء العطرة أنه عاش زاهدًا طوال حياته فلم ينعم أبدًا بالثراء والرفاهية، و يحكى عنه أن الخليفة يزيد بن معاوية طلب ابنته للزواج فرفض، و خطبها بعد ذلك لرجل فقير ولمّا عرف الناس الخبر قال أبي الدرداء "إني نظرت للدرداء، فما ظنّكم بها إذا قامت على رأسها التيجان ونظرت في بيوت يلتمع فيها البصر؟ أين دينها منها يومئذ" يقصد بها أن الثراء والنفوذ يفسد الدين.

3

عندما تسأل عن مكان مقام أبي الدرداء سيجيبك الناس بإتباع خط الترام في المنطقة التي ينحرف فيها مساره، يقع المقام الذي يلتف حوله شريط الترام، ستجد الكثير من المُتحلّقين حوله من السيدات الطامعات في الإنجاب وممن يسأل فرجًا من مكروب ومن يزور الضريح بصفة دورية للدعاء، والمقام عبارة عن بناء واسع مكون من غرفة واحدة بها أربع جثامين لا يعلم أحد من هم وما هي علاقتهم بأبي الدرداء، مُزخرف من الخارج والداخل بنقوش إسلامية بديعة، وتولى إنشائه بشكله الحالي الأمير عمر طوسون الذي اهتم بمدينة الإسكندرية بشكل خاص، ليستعين بالمهندسين الإيطاليين لتأسيس مناطق كاملة بالمدينة مثل؛ منطقة محطة الرمل والمنشية، وربما يكون ذلك المقام الوحيد بمصر الذي لم يُنقل أبدًا من مكانه.

4

ولذلك حكاية يحكيها الناس.. حينما أراد الأمير عمر طوسون بناء الطرق وشقّها بالمدينة استعان بالمهندسين الأجانب لرسم خطوط الترام واستقدام عرباته لتشق طرقات المدينة، فأشار مهندس إلى الضريح بيديه لإزالته حتى يُكمل الترام طريقه المرسوم، يقول الناس إن يد المهندس لم تعود للحركة أبدًا فأصيبت بالشلل، وحينما سمع الأمير عمر طوسون بالواقعة صمم على عدم نقل الضريح أبدًا، وغيّر مسار الترام واستعان بالمهندسين لبناء بناء فخم يليق بالضريح، ليظل حتى يومنا الحالي ضريح يتوسط الشارع، ويدور من حوله الترام كآية شاهدة على كرامات صاحب الضريح، تلك هي واحدة من الأساطير التي يتناقلها الناس عن صاحب الكرامات ويدافعون عنها باستماتة شديدة.

لسنوات ظل أبي الدرداء في الإسكندرية يدرس الفقه ويُعلّم الناس الدين الجديد عليهم وأحكامه، حتى بعد رحيل عمرو ابن العاص منها لبناء عاصمته الجديدة الفسطاط، لأنه وجد صعوبة شديدة في اتخاذ الإسكندرية كعاصمة، فالهجوم عليها من البحر سهل، وهم لا يعرفون خوض المعارك البحرية، وبعد سنوات من تعليم أبي الدرداء لأهل الإسكندرية اتخذ طريقه صوب الشام، ليُكمل حياته هناك، ويدفن في ضريحه الملحق بمسجده في دمشق، ويُصبح ضريح أبي الدرداء في الإسكندرية ضريحًا بلا جُثمان.

فيديو قد يعجبك: