إعلان

أينما كنتم يدرككم كورونا.. 12 يوما في هولندا في زمن الوباء (1)

12:08 م الخميس 09 أبريل 2020

12 يوم في هولندا في زمن الوباء

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث


رحلة - مها صلاح الدين:
على عكس ما هو معهود، كان كل شيء يسير بوتيرة متسارعة.. أحداث متلاحقة، تجربة كانت هي الأصعب، بين حلم يتلاشى، وخطر يقترب.. حزن على ما مضى، وخوف مما هو قادم.

في السطور التالية قصة حقيقية، يوميات 12 ليلة في هولندا في زمن الوباء، أحداث ووقائع ليست ممزوجة بأي حبكة درامية..

الجمعة 6 مارس

"اكتشاف 12 حالة إيجابية على متن باخرة سياحية بالأقصر"

كان ذلك اليوم، هو اليوم الذي يسبق موعد سفري إلى هولندا، واليوم الأخير لي في العمل، قبل إجازة كان من المفترض أن تدوم طويلًا.

لم أكن مكلفة بمهام كثيرة في ذلك اليوم، سوى متابعة بعض الأمور البسيطة في قصة تُنشر لي بعد سفري، لكن هذا لم يمنعني من متابعة الأحداث التي فرضت نفسها.. اكتشاف 12 حالة مصابة بفيروس كورونا في مصر على متن باخرة سياحية بالأقصر.

بدأت بعدها تتوالى الأخبار عن وقف حركة الطيران من وإلى مصر من دولة مختلفة، كقطر والكويت والسعودية، لذا كان ما يؤرقني هو احتمالية إلغاء سفرية أخطط لها منذ نصف عام، مع قليل من القلق من احتمالية العدوى، تصدر لي من أهلي وأصدقائي، وقتها، كنت أقول لهم مازحة: "المهم إني أسافر.. لو تعبت هما هيعالجوني هناك".. وكانوا يوافقونني الرأي.

لم تبد الجهة الداعية للسفر أي نية لتغيير الخطة، فقط بعض الرسائل الإضافية عن نصائح منظمة الصحة العالمية للمسافرين، وبعض سبل الوقاية عند المرور في المطارات.

1

السبت 7 مارس

"180 حالة إصابة في هولندا"

وصلت إلى مطار القاهرة في الصباح وسط آلاف المسافرين، بدت الأجواء عادية لمن هو دائم السفر، حقائب ضخمة، وطوابير غير منتظمة، وعمال يتحركون هنا وهناك، لم يختلف أي شيء سوى وجوه قلة من المسافرين مغطاة بالأقنعة - كان أغلبهم غير مصريين - أما أنا فكان مطهر اليدين لي خير رفيق، كنت أنفذ نصائح أصدقائي جيدًا وأستخدمه كل 10 دقائق.

لم يكن من المتوقع خضوع المسافرين إلى أي كشف في مطار المغادرة، لكن ما كان غريبًا هو عدم الخضوع إلى أي كشف في مطار سخيبول، بالعاصمة الهولندية أمستردام، اكتفوا ببعض اللافتات المعلوماتية عن المرض، المتناثرة بين صالات المطار، مع إنهاء إجراءات الدخول سريعًا لكافة المسافرين، حتى من غير مواطني الاتحاد الأوروبي، وهذا أمر غير معتاد.

وداخل مطار سخيبول التقيت بالزميلة رنا الحاج اللبنانية الجنسية، كنا قد اتفقنا أن نستقل القطار سويًا من مطار سخيبول، إلى قرية بوسوم زويد، والتي تبعد بحوالي نصف ساعة فقط من العاصمة الهولندية أمستردام.

كانت رنا مهتمة بأمر بانتشار فيروس كورونا أكثر مني في الحقيقة، لم نتصافح أو نتعانق كعادة العرب، وكانت تذكرني باستخدام مطهر اليدين كلما نسيت، وتتابع أعداد المصابين بفيروس كورونا في هولندا، التي بلغت يومها 180 حالة.

كانت الحركة في القطار شبه عادية، لم نبال بقلة الركاب، فتلك عادة الدول الأوروبية، لكننا تفاجئنا أن الحال كان هو نفسه في قرية بوسوم زويد، بعد أن قررنا أن نخرج مع زملاء من جنسيات مختلفة قبل حلول الظلام، والبحث عن مطعم لتناول وجبة العشاء.

ورغم ندرة المارة، سألنا أحدهم عن مطعم جيد، فأجابنا مازحًا "بالطبع، المطعم الذي أعمل به".. وبالفعل قبل استضافتنا - على عكس ما فعله في اليوم الأخير - وكانت سيرة كورونا حاضرة معنا على طاولة العشاء.

2

الأحد 8 مارس

"عزل 15 مليون شخص في إيطاليا"

بدأنا استقبال رسائل الترحيب من الجهة الداعية من مساء اليوم السابق، المرفقة بعبارات الطمأنة بشأن فيروس كورونا، ومن ضمنها "أغلبكم شباب وكورونا لا يتسبب في الوفاة سوى لكبار السن".. فكرنا أنها مبالغة من جهة تتحمل مسؤولية دعوة أكثر من 20 شخص من مختلف أنحاء العالم، لمدة تقترب من شهر كامل.

كانت الأجواء باردة ذاك الأحد، عطلة نهاية الأسبوع في هولندا، فلم يكن لدينا أي مهام، ورغم المطر والبرد الشديد، قررنا أن نغادر قريتنا الهادئة، وفندقنا الصغير، المطل على غابة تمتد على مرمى البصر، ونستقل القطار في أول رحلة لنا نحو أمستردام.

هناك، بدأت الحياة تبدو من جديد، فالمدينة التي كانت في بدايتها قرية صغيرة للصيد حول نهر الأمستل، أضحت الآن أكبر مدن هولندا وأكثرها صخبًا.

المارة لا يتوقفون عن السير بها، خاصة ممن يجرون خلفهم حقائب السفر، لقربها من محطة القطار الرئيسية، والسفن لا تتوقف عن السير في الشرايين المائية التي تحيط بشوارعها وليس العكس، والدراجات لا تتوقف عن قطع جسورها الصغيرة المحاطة بأقنية الأخضر والزهور، والمقاهي الكلاسيكية مكتظة بالزبائن وتفوح منها روائح القهوة والمخبوزات الطازجة، والحشيش أيضًا!

ووسط نظرات الإعجاب والدهشة للأبنية الأوروبية الكلاسيكية ذات الأسقف الهرمية، كانت الموسيقى تنبعث من الساحة الرئيسية للمدينة، والحمام يفترش الأرض كما نشاهده في الأفلام القديمة، وحوله رجال يرزقون من إطعامه وتصوير المارة معهم، وآخرون يرتدون أزياء تنكرية أغلبها تجسد قراصنة وشياطين، وحولهم الكثير ممن يريدون التقاط الصور معهم من مختلف الجنسيات.

ورغم تلك البداية المبشرة، لم تكن عطلة نهاية الأسبوع كعهدها في كافة المدن الأوروبية كما كان هو الحال في أمستردام، ففي تلك اللحظات السعيدة، أصدرت السلطات الإيطالية فرض الحجر الصحي على 15 مليون مواطن - أي ربع سكان إيطاليا - بعد أن بلغ عدد الإصابات هناك 5800 حالة، وعدد الوفيات 233.. ورغم ذلك لم تتوقع هولندا أن تصبح في الموقف نفسه ذات يوم.

الإثنين 9 مارس

"كورونا يلاحق المسؤولين حول العالم"

استيقظنا في السابعة والنصف صباحًا، لتناول الإفطار في الحجرة التي أطلق عليها الفندق "THE RADIO ROOM"، كانت بمثابة مطعم صغير وغرفة معيشة بها كافة المستلزمات التي يحتاجها جميع أصحاب المنح أثناء فترة زمالتهم في راديو هولندا، كمكواة وغسالة ومجفف الملابس، وغلاية المياه، والأكواب والأطباق.. وغيرها من الأدوات التي كنا نستخدمها جميعنا في آن واحد.

وفي الثامنة والنصف، حضرت إيريكا، منسقة برنامج الزمالة الإفريقية الملامح، وصحبتنا إلى محطة الحافلات، ومنها إلى مقر راديو هولندا، لترشدنا نحو الطريق، وتدربنا على استخدام كارت المواصلات العامة، التي منحتنا إياه.

وبعد 20 دقيقة في طريق بلا منحنيات، تمتد على ضفتي الغابة الشاسعة، بأشجارها الرمادية العارية، التي تساقطت أوراقها الصفراء، وافترشت أرض الغابة، وصلنا إلى هيلفرسوم، تلك المدينة الإعلامية في هولندا.

كان مقر مركز تدريب راديو هولندا يتوسط الغابة، بالغ البساطة ويبدو وكأنه يتكون من طابق واحد من الخارج، لكنه في الحقيقة كان يتكون من عدة طوابق من الداخل، تحت وفوق الأرض، وكانت جميع المساحات بداخله مستغلة.

استقبلنا منسقي البرنامج في ساحة الاستقبال الصغيرة، واصطحبونا في جولة للتعرف على المبنى. تكدسنا في البداية داخل استوديو التلفزيون الصغير، الذي لا يحوي سوى "كروما" - خلفية خضراء - لكنه مجهز بكافة التقنيات الحديثة في التصوير والإخراج.

ثم بدأت مراسم استقبالنا الحقيقية في استراحة الراديو الزجاجية المطلة على الجانب الآخر من الغابة، بمشاهدة فيديو عن الطريقة الصحيحة لغسل اليدين، والتعليمات الوقائية والاحترازية لتجنب الإصابة بالكورونا.

ومنها إلى غرفة تدريب تحمل اسم "أفريقيا"، كما كانت تحمل كل غرفة من غرف التدريب الواقعة بممرات المبنى اسم قارة من قارات العالم، وقتها، استقبلنا "جوناثان" مدير برنامجنا التدريبي مازحًا، وهو يلوح بمعقم اليدين الخاص به، بعد أن علمنا بنبأ إصابة كل من قائد أركان الجيش الإيطالي، ونائب وزير الصحة الإيراني، و10 نواب بالبرلمان العراقي بفيروس كورونا.. فضحك جوناثان، وقال "ممنوع المصافحة".

4

الثلاثاء 10 مارس

"أول حالة وفاة في لبنان"

استيقظت مبكرًا، والتقيت بزميلتي اللبنانية رنا الحاج في غرفة الراديو بالفندق، وأخبرتني أن الحافة ستغادر بعد ثلاثة دقائق، ورغم أن أول محاضرة كان بعد 45 دقيقة، والطريق إلى مركز التدريب لا يتجاوز العشرين دقيقة.

أخبرتني رنا أنها تفقدت قائمة مواعيد الحافلات، وأن أول حافلة بعد القادمة ستكون بعد 40 دقيقة، اتخذنا القرار سريعًا.. وهرولنا نحو الطريق.

كانت جلسات التدريب شيقة، ويغلب عليها التفاعل، تقطعها كل ساعة ونصف تقريبًا استراحة قهوة، أو نخرج لتناول وجبة الغذاء، ورغم إغراء وجمال الغابة، لم نسرف في التقاط الصور بسبب برودة الجو، واعتقادنا بأننا سنبقى في ذلك المكان لأكثر من أسبوعين آخرين، فلم يكن هناك حاجة للعجلة.

لكن رنا كانت تنشغل بشيء آخر، كانت تتفقد هاتفها في كل لحظة، وتجري عدد من المكالمات الهاتفية.

وبعد انقضاء الدوام، وأخذ قسط من الراحة بالفندق، خرجنا لنستكشف قرية بوسوم زويد ليلًا، التي بدت خالية تمامًا من المارة، وأغلب متاجرها ومطاعمها مغلقة، ورغم جمال بيوتها الكلاسيكية الصغيرة، ذات الرؤوس الهرمية، بدت بوسوم زويد مدينة الأشباح ليس بها أحد.

لم نربط ذلك المشهد بخبر زيادة أعداد المصابين بفيروس كورونا في هولندا إلى 382 شخص بذلك اليوم، إلا بعد أن قالت لنا رنا: "لبنان كمان هيك.. ما في حدى بالشوارع، بيحكولي إنها صارت مدينة أشباح".. سجلت لبنان في اليوم نفسه أول حالة وفاة بسبب فيروس كورونا، وأصبح الرعب هناك هو سيد الموقف.

**تجول افتراضي في بوسوم زويد**

الأربعاء 11 مارس

"فيروس كورونا وباء عالمي وجائحة"

يوم جديد ومهام جديدة في برنامجنا التدريبي، أغلبه حول كيفية اختيار القصص بحسب تأثيرها على الجمهور، وكانت كورونا أرض خصبة لإنتاج اقتراحات أغلب المتدربين، خاصة بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية في ذلك اليوم، فيروس كورونا وباء وجائحة عالمية.

رغم تعدد الجنسيات في الزمالة، لم يكن هناك أي زميل من الصين، لكن الملامح الأسيوية لم تكن غائبة، فكان معنا "ليو" من فيتنام، و"ماهير" من باكستان، ولكن في برنامج تدريبي آخر.

كان "ليو" في أغلب الأحيان يكتفي بإيماءة السلام مع الجميع، وينزوي جانبًا، لا يتحدث مع أحد، فسر البعض ذلك بخوفه من لكنته الإنجليزية الصعبة، مما كان قد يعيق التواصل، لكن في الحقيقة كانت تلك المشكلة لدينا جميعًا، فجميعنا لم نفهم بعضنا البعض بسهولة في البداية.

وبالصدفة، خرجت زميلتي المصرية سحر عربي، التي كانت تتلقى زمالتها مع ليو في البرنامج نفسه، تقول لي وهي تمزح أنه في أحد التدريبات التي كان عليهم خلالها إجراء مناظرة، تقمصت إحدى الزميلات دور وزيرة صحة أوروبية وقالت لـ "ليو" مهاجمة عاداته الغذائية كمواطن أسيوي "أنتم السبب في تفشي كورونا في العالم فأنتم تأكلون الضفادع والثعابين".

وقتها قررت أن أتحدث كلما سمحت الفرصة مع ليوم وماهير، التي كانت قد تأقلمت معنا سريعًا، على عكس ليو، وأصبحت ترافقنا يوميًا في كل جولة.

**غدا الجزء الثاني من الرحلة**

فيديو قد يعجبك: