إعلان

حتى لا تموت النباتات.. مصري يقرر البقاء في ووهان رغم كورونا

09:45 م الثلاثاء 03 مارس 2020

باحث مصري يقرر البقاء في ووهان رغم كورونا

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- شروق غنيم:

صدمة حلت على أسرة دكتور السيد نشيوي حين أخبرهم بقراره؛ لن يعود إلى مصر وسيبقى في ووهان لرعاية النباتات البحثية،لم يدري أن الأمور ستتعقد إلى هذا الحد داخل المدينة الصينية، مع كل يوم تسوء فيه الأوضاع يبتلع عجزه "حاسس إني خيّبت أمل عيلتي من قراري"، يتعمّق حزنه بعد كل مكالمة لابنائه "ببقى مضايق لما اتسأل هنزل مصر إمتى، لدرجة بنتي بتقولي هاتلي فستان وتعالى قلتلها لما الفيروس يمشي هو محاصرني دلوقتي"، تُخبره بنبرة طفولية ذات الخمسة أعوام "قول لعمو البوليس يقبض على الفيروس ويحطه في السجن"، تترك الكلمات أثرًا قويًا في نفس الباحث المصري، تعاوده المخاوف فيما يتملك منه الشعور بالندم "لو أعرف إن الموضوع هيكبر أوي كدة كنت رجعت".

في الثاني من فبراير بينما تتم خطة إجلاء قرابة 300 مصريًا من مركز تفشي كورونا، كان نشيوي، الباحث بجامعة وسط الصين الزراعية يجلس داخل المعمل في ووهان يستكمل أبحاثه. رحلة طويلة خاضها الباحث المصري داخل الأراضي الصينية، بدأت في سبتمبر 2010 مع تحضير رسالة الدكتوراة، ثم استكملها عام 2016 حينما حصل على مهمة علمية لدراسة أبحاث ما بعد الدكتوراة، فيما كانت أهم خطواته تلك التي اتخذها يناير عام 2019 "بدأت مشروع بحثي ممول من الحكومة الصينية من صندوق العلوم والطبيعة الدولي".

بميزانية ضخمة استهل الباحث المصري مشروعه البحثي والخاص بتأثر النباتات بالتغيرات المناخية وما يتبعه من تغيرات فسيولوجية وحيوية وبيولوجية، وطيلة العام الماضي يتابع نشوي التغيرات التي تصيب النباتات داخل معمل ووهان "في المشروع عاوزين نوصل للجينات المسئولة عن حدوث الخلل في الوظائف الحيوية للكائن الحي نتيجة تعرضه لضغوط خارجية"، مهمة كبيرة يخوضها نشيوي في البلاد الصينية، لذا لم يكن القرار سهلًا ترك المشروع في مهّب الزوال "لو سيبت النباتات هتموت طبعًا، ومش هقدر أكمل أبحاثي"، يُمثل المشروع مكانة كبيرة في نفس المصري، يُعلّق عليها طموحاته البحثية "خصوصًا في نتائج مبشرة حصلت عليها، لو تم تأكيدها ممكن تعمل طفرة كبيرة في تكنولوجيا إنتاجية النباتات".

كان القرار مصيريًا بالنسبة لنشيوي، مخاطرة لم يكن يعلم مقدار تحمله لها ومع كل مرة يذهب فيها إلى المعمل يُبصر تلف نبات الذين رحلوا عن ووهان يشعر بالثبات من موقفه "لإن الماتيريال تستاهل الحفاظ عليها، خصوصًا إنها لو اتضرت كدة مشروعي باظ"، من بينهماباحث دكتوراة مصري عاد إلى موطنه تاركًا مواد بحثه في ووهان "النباتات بتاعته ماتت وكان حزين جدًا، لإن لو ده حصل معناه إنك هتعيد شغل سنة ونص من جديد".

في البدء لم يصب التوتر نفس الباحث المصري، لكن بعد تفاقم الوضع العالمي إثر كورونا، لاسيما داخل أروقة جامعته دّب القلق بداخله "بعد إجلاء المصريين بكذا يوم تم اكتشاف إصابة 7 من أساتذة الجامعة بكورونا"، وضعت الإدارة قرارًا حازمًا بشأن المعمل البحثي "محدش يروح المعامل إلا في حالات الضرورة تخوفًا إن يكون حد من الأساتذه اللي اتصابوا دخل المعامل قبل مايتعرف إن عنده المرض"، فيما أعلنت أن قرار استكمال العمل بداخل المعمل "على مسئوليتنا الشخصية، ولازم ناخد احتياطات السلامة".

اتخذ نشيوي إجراءات حماية أكثر صرامة، حينما يترجل من منزله الذي يبعد عن المعمل قرابة 500 مترًا "يادوب دقيقتين مشي"، يتجنب خلالهما أي مصافحة بالأيدي فيما لا يخلع عن وجهه الكمامة. في التاسعة صباحًا يبدأ يومه بالذهاب إلى المعمل يقضي فيه حتى الخامسة مساء ثم يعود مرة أخرى لمنزله "أول ما أروح بغيّر الهدوم اللي كنت لابسها في المعمل وأحطها في الغسالة على طول"، فيما خصص ملابس للمنزل لا يخرج بها مُطلقًا "والأكل بعمله بنفسي في البيت".

تنقلات بسيطة يقوم بها الباحث المصري، يذهب إلى المعمل شبه الخالي "يادوب في كام واحد بس اللي قرروا يقعدوا إنما كله مشي"، فيما يُصبح عليه الذهاب مرة أسبوعيًا إلى متجر المشتروات "ده بيبقى مشوار تقيل عليا جدًا"، يُعلن نشيوي حالة الطوارئ ذلك اليوم، يُزيد في إجراءاته "لإني ببقى مضطر أبقى في مكان فيه ناس"، يترك مسافة قدرها مترين بينه والمُحيطين "علشان لو حد عطس فجأة مثلًا"، فيما يتعامل مع نفسه بصرامة أكبر مع العودة للمنزل "بعمل تعقيم كامل لنفسي".

على أعتاب المعمل يخلع نشيوي كافة مخاوفه، ينسى كورونا وتبعاتها ويظل تركيزه الوحيد في متابعة أبحاثه، لكن مع العودة للمنزل يشعر بالثِقل حينما يدّق سؤال ابنه يوسف صاحب الأعوام الستة في عقله "هتيجي إمتى بقى يا بابا"، رغم صِغر طفليه إلا أنهما يعلمان مقدار قيمة العمل في نفس والدهم "لما كانوا بيقعدوا معايا في الصين مكنتش بشوفهم كتير بسبب الشغل كانوا بيتخانقوا معايا علشان أقعد معاهم أو أخرجهم يلعبوا"، يحّن الأب الثلاثيني لتلك اللحظات، يتكرر الندم ويتمنى أن ينتهي كل شئ ويعود فقط لأحضان ابنائه.

وحيدًا صار الباحث المصري حينما قرر كل أصدقائه المصريين الرحيل، يتذكر الونس الذي كان يزحزح شعور الغربة قليلًا "كل أسبوع كنا ننزل نلعب كورة مع بعض"، يعايشون كل الأجواء المصرية "بنقسّم بعض فِرق ولما يفوز فريق نقعد نحفّل على بعض ونضحك"، انفّض كل ذلك، تزدحم الأفكار والمشاعر بعقله لكن نادرًا ما تخرج الكلمات منه "مبقاش في حد هنا خلاص، الوحدة إحساس قاتل".

تهون الأحوال قليلًا حينما تتواصل السفارة المصرية مع نشيوي "السفارة عاملة جروب للناس اللي منزلتش والسفير محمد البدري وأعضاء الهيئة الدبلوماسية بيطمنوا علينا على طول"، فيما يطرد مخاوف إصابته بكورونا من خلال محادثاته الجامعة معه "الجامعة برضو عملت جروب للي مرجعوش بلدهم ويوميًا بنقدم تقرير بحالتنا الصحية ابتداء من درجة حرارتك ولو في أي أعراض مختلفة"، فيما اعتاد الباحث المصري يوميًا على مكالمة هاتفية من مسئول الصحة في مدينة ووهان لإعطائه التعليمات الخاصة بالوقاية، يطمأن قلب نشيوي قليلًا من تلك الإجرات، كذلك يصبح لها أثرًا طيبًا في نفس أسرته.

عشر سنوات قضاها الباحث المصري في الأراضي الصينية، ومع كل عام جديد يشعر بفقدان شئ ما، يلتهم العمل والأبحاث وقته حد أنه "بقالي 10 سنين مقضيتش رمضان والعيد وسط عيلتي"، يتلهّف للحظة التي تزول فيها الأزمة فيما يحاول طرد الندم عن نفسه "للأسف تقديري كان غلط إن الموضوع هيخلص سريعًا"، يأمل أن تنجح تجربته البحثية ويُمني نفسه بأنه سيعوّض كل ما فاته وسط دفء عائلته.

فيديو قد يعجبك: