إعلان

ابنة وابن وخال.. عائلة "الشيخ خميس" تُحيي الفن الشعبي في المحافظات (صور وفيديو)

05:14 م الأربعاء 29 مايو 2019

عائلة الشيخ خميس تُحيي الفن الشعبي

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-دعاء الفولي:

تصوير- محمود بكار:

كانت هناء سر والدها الشيخ سيد خميس. تجلس إليه فُيلقي عليها كلمات الأنشودة التي سيتلوها في حفل الليلة، يُعطيها الورق كي تصحح له، فتقول بفخر "سمعتك وانت بتتدرب عليه وحفظته"، يُعجبه ذكائها، يُربت على رأسها بحنو ويبتسم، غير أنها لم تملك الجرأة لتُخبره أنها تستطيع الغناء، تصمت وتكتفي بالإنصات، لكن حينما تٌوفي والدها عقب سنوات، باتت الأمور مختلفة.

صورة1

في الخامسة والأربعين من عمره رحل الشيخ سيد خميس، وقتها لم يتجاوز عُمر هناء الستة عشر عاما، فيما عُمر أخيها الأصغر محمد 8 سنوات فقط. كان الشقيقان يلمسان شهرة أبيهما، تجلت لهما في زيارات الأحبة لمنزلهم الكائن بمركز تلا في محافظة المنوفية، سيرته التي لم تنقطع، وصوته الذي يملأ أرجاء البيت مُسجلا عبر الشرائط، عاشت هناء في كنف سيرة أبيها. وبعد مماته، لم تكتم حُبها للغناء، صارحت والدتها ذات مرة بذلك، نهرتها الأم "ولما زهقت من الزن قالتلي هقول لخالك وهو يشوف صوتك كويس ولا لأ".

صورة 2

داخل منزل والدها بالمنوفية، تحتفظ هناء بكل شيء يخصه؛ صورته القديمة وبعض من ملابسه، تحفظ ما تغنّى به عن ظهر قلب، تستعد صاحبة الست وأربعين عاما لحفلات رمضان، تجوب مع شقيقها والفرقة المحافظات المختلفة، تتدرب على الإلقاء كما كان الشيخ يفعل، لا تتنازل عن وجوده "حتى المؤلفين اللي كانوا بيدوله الكلمات خليتهم يكتبولي"، معظم ما تقوله هناء في الحفلات ينصب على القصة الشعبية والموال والمديح، وأحيانا تغني للسيدة أم كلثوم.

صورة 3

حين أصرت هناء على اتباع مسيرة الوالد، جلس إليها خالها الذي كان عازفا لآلة الكولة (آله تُشبه الناي) في الفرقة "قاللي أسمعك الأول بتقرأي القرآن، ولما قريت قاللي ييجي منك بس لازم تدريب". لأكثر من شهرين لقّنها كل شيء "هي اتعلمت بسرعة بس كانت خايفة"، يتذكر الخال أحمد تلك الأيام "كان لازم نجرأها شوية فعملنالها ليلة مخصوص في مركز تلا"، دعا وقتها الناس من كل اتجاه "بقوا جايين يشوفوا بنت الشيخ سيد هتغني إزاي".

صوره 4

مازالت هناء تتذكر رعشة يديها حين أمسكت بالميكروفون للمرة الأولى "خلق كتير جم اليوم ده، قلت ساعتها قصة البنت اليتمية بتاعة أبويا وبعد ما خلصت الناس اتبسطوا"، كان ذلك عام 1991 حيث عُمر هناء 17 عاما، أخذ الفن الشعبي عقلها "بقيت أروح الحفلات مع خالي واطلع على المدرسة تاني يوم"، ذاع صيت السيدة كأبيها تماما "بقينا نتطلب في محافظات كتيرة منها الصعيد كمان"، انفتح الطريق أمامها رغم صغر سنها، قبل أن ينجذب شقيقها لنفس المجال.

صورة 5

كان الشيخ خميس يعمل كإمام وخطيب بوزارة الأوقاف "بس حُب الإنشاد مكانش يسيبه أبدا"، اعتاد الخال أحمد الاجتماع بالشيخ الراحل في منزل أحدهما "ياما حضرنا الموالد سوا وشفنا الناس بتغني ولما كبرنا قلنا هنعمل فرقة زيهم"، استغل الخال عزفه الكولة التي ورثها عن أبيه وصوت الشيخ "وبدأنا نطلع الموالد ونعمل ليالي"، يضحك الحاج أحمد قائلا: "إنما الشيخ ميجيش على باله أبدا إن ولاده هيمشوا على سكته"، جمعت الحياة الصديقين على العزف والنسب "كنت أستريح معاه في الشغل وأحبه.. عشان كدة لما مات قررت مشتغلش تاني"، بات يخرج مع هناء فقط في الحفلات "عشان أبقى جنبها ومحدش يضايقها".

صورة 6

شهر رمضان في منزل عائلة الشيخ خميس كان مختلفا، يتذكره الابن محمد "كان يقعد في الجامع اللي جنبنا من العشا للفجر ينشد والناس معاه"، تلك الحالة هي ما حببت الشاب في الغناء "أبويا ومن بعده أختي هناء هما سبب إني دخلت المجال"، يتذكر الشاب الثلاثيني المرة الأولى التي غنّى فيها على المسرح "كان عندي عشر سنين"، منذ ذلك الحين رافق شقيقته "بقيت اتفق مع الناس معظم الوقت.. مسيبهاش تروح لوحدها حتى لو مش هغني.. الكار دة صعب برضو".

صورة 7

الصعود على المسرح ليس له طقوس بعينها عند هناء، لم تغير في تراث والدها إلا قليلا، يسندها شقيقها "ساعات بالمزيكا.. ساعات بالكلمات على المسرح". اعتادت المؤدية الأربعينية أن تبدأ بالقصة، ثم تنتقل للمدح والأغنية الشعبية، عايشت الكثير من النوادر، وباتت بعض الكلمات الصادمة عادية بالنسبة لها "زي إن حد يقولنا مش عايزين حريم يغنوا"، تربّت على احترام الجمهور "احنا رايحين نقول كلام كويس وعايزين نسيب بصمة.. لو واحد اتعامل وحش مش هنعاقب الجمهور كله بسببه"، تكظم غيظها تارة، وإرهاقها تارة أخرى "زي لما بيكون الجمهور مش عايزنا نمشي".. تذكر في إحدى مدن الصعيد حين ظلت تغني رفقة الفرقة حتى طلوع الشمس "كان كل شوية ييجي ميكروباص محمل ناس ويدخلوا الصوان.. مستحيل نقدر ننزل"، فيما تسترجع مرات أخرى تحول فيها الفرح لحلقة ذكر كبيرة "كان فيه عريسين والاتنين سابوا عرايسهم ونزلوا يلفوا في الحلقة".

صورة 8صورة 9

مجال الغناء، جعل السيدة هناء أكثر صلابة "بقيت اتعامل مع ناس من كل الأماكن.. بعرف أعمل حدود وفي نفس الوقت مكشرش في وش حد"، تعود ابتسامة والدها لذهنها "مكنش يكسف حد أبدا"، يحكي الخال عندما طلب أحدهم عمل ليلة في منزله بمبلغ بسيط، فوافق الشيخ خميس على الفور "قال لنا كأننا قعدنا في بيوتنا واتبسطنا سوا"، ورثت هناء ذلك أيضا، إذ لا تُدقق في الرقم الذي يُعطى لها.

صورة 10صورة 11

حتى 3 أعوام مضت، كانت هناء وشقيقها لا يخرجان للعمل في رمضان "بس الناس بقت تطلبنا خاصة الجماعة المتصوفة"، ورغم طوافهما معظم المحافظات، غير أنهما لم يذهبا للقاهرة إلا مرات قليلة "في الموالد ولما سجلت شريط بصوتي سنة 1998".. تحكي هناء.

صورة 12

المولد هو الحدث الأكثر قربا لنفس محمد، فيه يقابل زملاء المهنة ومحبي والده، تأتيه صفقات عمل جديدة ويصطدم بالمجاذيب، الدراويش والقادمين من أماكن بعيدة ليستمعوا لهم، تعود الشقيقان على ذلك الطقس "من أيام أبويا واحنا لينا خدمة في مولد السيد البدوي.. كنا بنقعد بالأسبوع هناك زي المصيف كدة".

صورة 13

خمسة عازفين أساسيين تتكون منهم الفرقة، بين أورج، طبلة، كمان، ودُف، بعضهم أقارب هناء ومحمد "محدش فينا أتعلم العزف في مدارس..كلنا عرفنا بالتجربة والحفلات"، يعتبر محمد أن الجمهور الذي يعزفون له "زي اهلنا.. بنتدرب آه بس مبنخافش من اللخبطة قدامهم"، يحاولون التحلي بالمرونة طوال الوقت، فأحيانا ما يطلب منهم الناس لتوقف وترك هناء تغني بمفردها.

صورة 14

المسرح هو الأنيس المقرب لعائلة الشيخ خميس "احنا طالعين لابويا نحب الناس والقوالة"، تتحسس الابنة سيرته في كل حفلة، كل شريط، وكل كلمة تلاها عليها، 28 عاما مرت عليها لم تعرف فيهم وظيفة سوى الغناء "لو قعدت أسبوع من غير ما أطلع على المسرح أتعب"، أحيانا ما كانت تخرج للعمل بينما لا يخرج صوتها "بس مجرد ما أبدأ والفرقة تساعدني والناس تندمج بنسى كل حاجة".

فيديو قد يعجبك: