إعلان

"شمع أحمر ومشاحنات بين المالك والمستأجر".. قصة باخرة المعادي المحترقة (صور)

10:48 م الجمعة 08 مارس 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

معايشة - مها صلاح الدين:
تصوير - محمد حسام الدين:

باخرة متفحمة تماما، نصف غارقة، طالما يستوقف مشهدها قلائل من المارة على كورنيش المعادي، عصر اليوم الجمعة الهادئ، يتناثر حولها بضعة رجال، بعضهم من الأمن، والبعض الآخر بملابس مدنية، وآخرون من رجال المطافئ الباقين مع سيارة واحدة من أصل 12 سيارة وقارب إطفاء، كانوا هنا منذ ما يقرب من 20 ساعة، وقاموا بإخماد الحريق الذي شب ليل أمس.

ومع اقتراب انقضاء يوم كامل على الحريق الذي شب في الباخرة "ريفر بيونير"، انتقل مصراوي إلى هناك، ليرصد بقايا الحادث.

الباخرة المحترقة (8)

آثر رجال الإطفاء السكوت، أبدى معظمهم عدم درايتهم بشيء عن الحادث، قبل أن يتطوع أحدهم الذي رفض ذكر اسمه، ويقول أنهم يمكثون أمام المركب منذ ليلية أمس، تحركوا فور الإبلاغ عن الحريق قرب التاسعة مساءًا، جاءوا ليجدوا النيران تملكت من الباخرة بالكامل، امتدت خراطيم الإطفاء من العربات والقوارب من كل اتجاه، تمكنوا من إخماد الحريق خلال 3 ساعات، في أول ساعتين منهم اختفى نصف الباخرة السفلى تمامًا داخل النهر، واستمرت أعمال تبريد الأدخنة ساعتين بعدها.

وعلى السياج المعدني أمام المركب، وقف سيد، حارس المرسى الذي يقع عليه باخرتين، أحدهم الباخرة المنكوبة، يتأمل كيف صار المرسى عبارة عن كتلة متفحمة، تفوح منها رائحة الحريق، والسولار، يقول سيد أنه يعمل حارسًا لهذا المرسى منذ 20 عامًا، لديه "تعريشة" خشبية يمكث فيها مع زميل له، يتناوبون الإجازات، يومين كل 10 أيام، خلالهما يعود إلى منزل عائلته في محافظة المنوفية.

الباخرة المحترقة (1)

يؤكد سيد بعبارات مقتضبة، "كنت لسه طالع أجازة وقت الحريق، وجيت أول ما عرفت بالحادثة"، ينفي بشكل قاطع أي معرفة عن أسباب الحادث، منذ سنوات يشاهد الحياة على المركب المملوك لـ "الشركة المصرية الإيطالية للمراكب العائمة"، التي تنطلق منها جولات سياحية قصيرة تستمر لساعتين من الزمن، على متنها يتناول الركاب الأطعمة، وتقام الحفلات الغنائية والراقصة، يقول الحارس: "أحيانًا بتطلع مرة واحدة في اليوم، وأحيانًا بتطلع ييجي 4 مرات"، صمت قليلًا قبل أن يستأنف: "لكن هي كان بقالها شهر واقفة ومبتشتغلش"، ورفض أن يفصح عن السبب".

أكمل حديثه "عبد العظيم"، رجل أربعيني رث الثياب، عرف نفسه بأنه رئيس عمال هذه المنطقة بحي المعادي منذ 27 عامًا، "من يوم ما جينا هنا والمالك والمستأجر على خلاف مع بعض بسبب الإيجار"، ومنذ شهر واحد، شب شجار كبير بين الجانبين، "كان فيه ضرب وبلطجية"، بحسب عبد العظيم.

ومنذ أسبوع واحد، جاءت شرطة السياحة، وشمعت الباخرة، وتوقفت عن العمل، وقبل ساعات من نشوب الحريق، جاء موظفي المستأجر وأزالوا الشمع الأحمر، وبدؤوا يؤهلوها للتشغيل من جديد "أصل ده موسم مينفعش يفوت"، يحكي عبد العظيم.

الباخرة المحترقة (5)

وعند سؤاله عن أسباب الخلاف بين الملاك والمستأجرين، قال بنبرة العارف: "كانوا عايزين يرفعوا الإيجار، ده غير مخالفات المركب زي بقية المراكب هناك، بتصرف في النيل، ومافيهاش عناصر حماية مدنية".

أشار عبد العظيم بأصابعه نحو رجل، يلقبه بـ الباش مهندس، دون أن يذكر اسمه، قال أنه أحد الموظفين بالباخرة، التي تديرها سيدة، على حد قوله، كان قد اجتاز سلم المرسى، وهبط إلى حافة نهر النيل في اتجاه الباخرة برفقة بضعة رجالة، توجهنا نحوهم، قالوا أنهم تابعين لشركة مصر للتأمين، المتولية أمر تأمين السفينة، رفضوا التحدث عن أسباب الحادث بشكل قاطع، قالوا: "في خبير جاي دلوقتي هيعاين الخساير ويوضح سبب الحادث"، قبل أن يلفتوا نظر رجال الأمن بأن وجودنا غير مرغوب به.

الباخرة المحترقة (6)

حاولنا رصدهم من بعيد، بدؤوا يدورون حول المركب جيئة وذهابًا لمدة 15 دقيقة، ثم خرجوا من المرسى، أوضحوا بعبارات مقتضبة أيضًا أنهم كانوا يتفقون على أعمال ترميم المركب، بعد أن تطفو بالكامل مرة أخرى بعد سطح النهر.

استطعنا النزول إلى المرسى الشبه خالي، للمرة الثانية، كانت الباخرة من الداخل متفحمة بالكامل، جميع الأخشاب يغلب عليها اللون الأسود، وثمة شرائط قطنية تحيط بحواف الباخرة الغارقة، أوضح لنا أحمد - أحد العاملين بشؤون البيئة، الذي خرج من بين الأعشاب الكثيفة أقصى يسار المرسى، أنها فلاتر من مادة تشبه الإسفنج، تمتص السولار والمواد الصلبة من مياه النيل لتطهيرها، ومنع تسربها إلى مياه النهر.

الباخرة المحترقة (2)

أردف أحمد، بعبارات مطمئنة، "مياه النيل متأثرتش تماما بالحريق، واستطعنا تحجيم بقع السولار المتسربة بنجاح فور نشوبه".

وقبل غروب الشمس بدقائق، عاد المرسى خاليًا تمامًا، لا يظهر فيه سوى ركام نصف باخرة غارقة، يستوقف مشهده القلائل من المارة على كورنيش المعادي الذين يتساءلون عن الحادث، ثم يستأنفون طريقهم من جديد.

فيديو قد يعجبك: