إعلان

مسرحية ورسم وغناء.. كيف احتفل نزلاء مستشفى العباسية باليوم العالمي للصحة النفسية؟

11:35 م الخميس 10 أكتوبر 2019

كتب- محمود عبدالرحمن وعبدالله عويس:

تصوير - عبدالله عويس:

فرشاة ألوان وألواح مرسومة، وموسيقى وشعر وغناء، ورقص وتمثيل على خشبة مسرح.. أعمال فنية على قدر بساطتها، إلا أن لها طابعًا خاصًا، فأبطالها نزلاء مستشفى العباسية للصحة النفسية، قاموا بتلك العروض والأعمال تزامناً مع اليوم العالمي للصحة النفسية، على أمل تقديم رسالة محتواها أن الفن جزء من العلاج، وأن المرض النفسي لا يحول دون التعلم ومحاولة الإبداع.

"رسمي حلو عشان المشاعر الجميلة والحب اللي اديتهولي النهاردة" قالتها سامية سعيد، نزيلة المستشفى منذ سنوات، بينما كانت تقف أمام منضدة عليها قطعة قماش كبيرة قسمتها إلى أجزاء ليقوم عدد من النزلاء بالرسم عليها، غير أنها أخذت الجزء الأكبر، وظلت تدون عبارات محبة وكلمات شكر لبعض الأشخاص، مزينة بورود وخطوط حمراء مميزة: "أنا دارسة اقتصاد منزلي، وبحب المشغولات اليدوية، وبحب كمان الخياطة، والأهم بحب الناس كلها". كان رسم سامية يجذب الجميع، كانت أكثر نزلاء المستشفى مهارة في الرسم عن الآخرين، وكانت تنطلق إلى بعض الأطباء لتطلب منهم النظر إلى رسوماتها، ثم تشير إلى أصابع يدها التي اتسخت بالألوان وعلى وجهها ابتسامة كبيرة، ولم تكتف بالإشارة إلى رسومها فحسب، بل حكت أيضًا عن رسومات آخرين كانوا معها: "رسمة نجوى مثلا ألوانها بالأصفر والأحمر والبرتقالي واللبني، ألوان كلها فاتحة وفيها محبة وخير".

الصورة الاولى

تقف "نجوى" وفي يدها فرشاة ألوان، ترسم بها للمرة الأولى في حياتها، وكطفلة صغيرة راحت تعبث بها على إحدى اللوحات، وسط تشجيع الآخرين، لتوقع في النهاية باسمها على طرف اللوحة، كما لو كانت فنانة محترفة: "مبسوطة إني برسم وبلون، وعايزة كل يوم أعمل كده". تقف إلى جوارها نهى يحيى، التي درست التربية الفنية بجامعة حلوان، وحصلت على دبلومة في الصحة النفسية والعلاج بالفن، وكان وجودها في المستشفى بغرض تدريب بعض النزلاء وعلاجهم بطريق الفن: "لإن الفن مؤثر بالنسبة للمريض وغير المريض، وأنا واحدة من المتطوعات اللي جت النهاردة بهدف المساعدة".

تراقب هناء عبد التواب، أستاذ بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان، المتطوعات والنزلاء، تثني على مجهودهم، وتشرف على أعمالهم، وقدمت إلى المستشفى في ذلك اليوم تطوعا، رفقة الحاصلات على دبلوم العلاج بالفن: "الفن بيقدر يعالج، لكن مش لوحده طبعا، الدكاترة والأدوية والالتزام بتاع المرضى مهم طبعا" قالتها وهي تشير إلى عدد من المشغولات اليدوية، التي صنعتها أيادي النزلاء بكل ما أوتوا من مهارة: "ده بيخلى الدماغ يشتغل بشكل أفضل، والتفكير يبقى أحسن، والحالة النفسية ألطف".

الصورة الثانية

فعاليات اليوم بدأت بعرض منتجات صنعها النزلاء، ثم بوضع ألواح لهم لرسمها، ثم اتجه الكل إلى مسرح صغير لمشاهدة العرض الذي سيقدم بعد دقائق، وبينما كان المشاركون في العرض يجهزون لأدوارهم، كانت بضعة فتيات يجهزن بعض المواد لتوزيعها على الحضور، وتجهيز المشاركين كذلك، وكانت مارية عطية ومنار السيد وسها محمد وآية محمد ضمن 11 فتاة يقمن بذلك العمل، وهن طالبات بكلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان: "حبيناهم جدا، وبقالنا عنا سنتين بنييجي نتطوع ونبقى معاهم نساعدهم ونحاول نبقى حنينين عليهم، وده جزء من التدريب الميداني بتاعنا".

مع دقات الخامسة مساءً؛ جلس الحاضرون داخل مسرح صغير ضمّ عدد من المرضى لم يحالفهم الحظ بالمشاركة في العرض، ومجموعة من أخصائي المستشفى وآخرون أتوا للمشاهدة، يحدقون جميعهم نحو خشبة المسرح، تفاجئهم عبير محمد سيدة أربعينية تقبض بيدها على ميكروفون "أنا كنت عايشة مع أهل مش أهلي" قالتها السيدة بنبرة حزينة، قبل أن تسترجع ذكرياتها المؤلمة التي كانت سببًا في إقامتها داخل مستشفى العباسية 21 عامًا.

الصورة الثالثة

قبل 41 عام؛ تفتحت عين عبير على أسرة ميسورة الحال بإحدى الأحياء الراقية بوسط القاهرة، كانت تتعامل كطفلة مدللة، حتى أخبرتها سيدة ذات مرة، وهي تتشاجر مع طفل أنها ليست ابنة تلك الأسرة وأنها طفلة ملاجئ: "رحت سألت بابا قالي انتي بنتي" إلا أن الحقيقة لم تخفى كثيرًا حين أكد لها أحد الأشخاص بأنها طفلة ملجأ أيتام وليست ابنة تلك الأسرة، وما أكد لها أكثر نية الأسرة بتبني طفل آخر لعدم قدرتهم على الإنجاب: "الناس كلها كانت بتعاملني على إني واحدة غريبة"، قالتها عبير بلهجة مأساوية.

تسرد تفاصيل تلك الفترة وما حدث معها من مواقف وحكايات: "لما اتبنوا الطفل الولد معاملتهم اتغيرت معايا بعدها دخلت في مرحلة اكتئاب" انتهت تلك المرحلة بدخولها المستشفى على فترات متقطعة، ومع الوقت كانت الإقامة دائمة، بعدما همت بقطع شرايينها: "كنت عاوزة أموت، حياتي كلها كانت كلها مأساة".

على المسرح، تقف عشرينية، لم تحبذ قول اسمها للجمهور، بدأت حديثها بعبارة " كنت بخاف لما أحكي قصتي لحد لكن النهاردة أنا مش خايفه حد يعرف ". مع بداية صباح يوم العرض، ارتدت الفتاة الزي الذي اختارته للعرض متجهة إلى خشبة المسرح بعنبر السيدات لعمل البروفة اليومية التي اعتادت عملها منذ شهرين: "في البداية مكنتش متقبلة حتى إني أطلع أقول حكايتي قدم الناس، بس بعد كده قررت أشارك".

الصورة الرابعة

يتكون الفريق من خمسة مرضى من وحدات مختلفة، كقسم الإدمان وقسم التأهيل والقسم النفسي: "أهلي رموني لخالتي تربيني" كلمات قالتها الفتاة على خشبة المسرح، التفت الحاضرون إلى عينيها التي امتلات بالدموع. تسرد الفتاة قصتها والمعاناة التي كان سببًا في وجودها داخل أروقة المستشفى: "كنت بكتب اسم جوز خالتي على إنه بابا وأنا في المدرسة لحد ما عرفت إنه مش بابا". عقب وفاة زوج خالتها ومن قبله الخالة، قررت الشابة العودة إلى أسرتها الحقيقة، لكن معاملتهم لها لم تكن بأفضل شكل: "جالي اكتئاب شديد وجيت هنا، ومش عايزة أخرج تاني".

قبل صعود المشاركين على خشبة المسرح، كانت شيرين دحروج أخصائية نفسية بالمستشفى، تجلس بين المرضى المشاركين داخل إحدى الغرف، توجه لهم بعض التعليمات الأخيرة قبل الخروج إلى خشبة المسرح، قبل ثلاث شهور عملت السيدة نية مدير المستشفى بعمل مسرحية بمشاركة المرضى في اليوم العالمي للصحة النفسية: "فكرت أعمل حاجة بعنوان من أنا، بمعنى إن كل مريض يطلع يحكي حكايته".

الصورة الخامسة

تتذكر شيرين الفترة التي قضتها في اختيار المجموعة، وتوجيهها على مدار 3 أشهر ماضية: "الموضوع كان صعب، لما حد مريض يحكي المعاناة اللي بسببها دخل المستشفى" يتفق معها الدكتور مصطفى السيد، مدير وحدة التأهيل النفسي والاجتماعي بالمستشفى: إحنا مش أطباء بشري مهتمين بعضو معين من المريض، إحنا يهمنا حياة المريض بكل ما فيها". بينما ترى عبير عصمت، مدير إدارة الخدمة الاجتماعية بمستشفى العباسية، أن تلك النشاطات تساعد المريض النفسي بشكل كبير في العملية العلاجية، وتجعله يندمج مع المجتمع الذي تركه منذ سنوات: "المريض بيكون جه عليه فترة وعنده انعزال تام ومع النشاطات دي بنعرف نرجعه تاني".

فيديو قد يعجبك: