إعلان

"ابدأ الدراسة واتصور في الباص".. مدرس يستقبل الطلاب بـ"ماكيت" مختلف كل عام

05:57 م الأحد 23 سبتمبر 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- إشراق أحمد:

للعام الرابع يستقبل هشام صبري الدراسة بشكل مختلف، ينتظر معلم التربية الفنية اليوم الأول من أجل نظرة سعيدة يراها في أعين طلابه، أصبح يعرف مصدرها منذ قرر أن يجعل عودتهم للمدرسة مميزة؛ في ركن يراه مَن يدخل الفناء، يضع صبري "ماكيت" صنعه بيديه ليكون أول ما يرحب بالصغار.

طيلة الأسبوع الماضي، وقبل بدء العام الدراسي الجديد، تواجد صبري في مدرسة سانت فاتيما، بمنطقة مصر الجديدة، داخل غرفة تضم كل ما يحتاج المعلم، عكف على العمل من التاسعة صباحًا إلى السابعة مساءً، حتى انتهى من تنفيذ مجسم 2019.

لا يحمل صبري هم خروج "الماكيت" بقدر الإتيان بفكرة مختلفة تُسعد الطلاب؛ فكان هذا العام قوس قزح كبير، يحيطه صغار يحملون أدوات كتابية، وكلمة "back to school" أو العودة إلى المدرسة تظهر بارزة أعلى المجسم، فيما صمم واجهة حافلة من الخشب، توضع بالجوار ويمكن للطلاب الدخول إليها والتقاط الصور التذكارية فيها.

"بداية الترم وكل مناسبة قومية أو دينية، متعود أعمل ماكيت يفكر الولاد بأن في مناسبة جديدة داخلة علينا" يقول صبري. منذ التحق المعلم الثلاثيني بمدرسة مصر الجديدة عام 2014، وأصبحت صناعته للمجسمات تقليدًا للمكان.

يُرجع صبري استمرار عمله للمجسمات إلى دعم مديرة المدرسة "بتوفر لي كل حاجة بطلبها من خامات"، وفي المقابل يبذل المعلم قصارى جهده في تقديم أفضل ما لديه ويحب، حتى أنه كان سببًا في تخصيص ركن ثابت في مدخل المدرسة تُوضع فيه أعماله المتجددة.

لم يعد غريبًا على سمع صبري أن يسأله طلابه "إيه الجديد السنة دي يا مستر؟"، فيبادلهم الابتسام قائلاً: "لسه استنوا هتشوفوا". أعوام مرت قبل الوصول لتلك اللحظة، خاض فيها المعلم تحدياً لتغيير الصورة الذهنية الخاطئة عن "مدرس الرسم"، خاصة بعدما عادت المادة لا تُضاف للمجموع منذ عام 2010.

وضع صبري شروطًا للعمل منذ التحاقه بمدرسة سانت فاتيما، كان قد تعلم عمل المجسمات في عام ونصف العام أمضاها في الإمارات قبل العودة لمصر، وحين التقى بمديرة المدرسة، عرض عليها أفكاره وأعماله ثم قال "مش هينفع أعمل الشغل ده في أوضة الرسم المخصصة للولاد محتاج يكون في زي ورشة"؛ كما طالب بأن يتولى التدريس للمرحلة الابتدائية حتى يتسنى له تعليم الصغار الرسم مبكرًا ومرافقتهم في سنوات عمرهم.

2

تحمست السيدة للمعلم الشاب، واستجابت لطلبه وأصبح له غرفة خاصة تضم متعلقاته، وكان التحدي الأول؛ بدأ معلم التربية الفنية العمل قبل قدوم شهر رمضان، فجاء أول مجسم له، لفانوس خشبي وآخر من الفوم يحملان شعار "سانت فاتيما"، وحينما زار صاحب المدرسة المكان، أعجبه صنع يد صبري، فطلب منه الحصول عليهم، لينفذ الشاب الثلاثيني المجسم مرة أخرى في سعادة بالغة رغم مشقة الأمر، لكنه اعتبره شهادة نجاح بعدما أقنع صاحب المدرسة بموهبته، بعدما رفض وجوده في البداية بدعوى التكاليف.

يصنع صبري مجسمات مختلفة على مدار العام، في ظاهرها جديد لكن الخامات كثير منها يعيد تدويره "ما برميش الماكيتات القديمة إلا اللي باظت خلاص، غير كده بستخدمها تاني وأضيف لها حاجات جديدة"، يحكي المعلم، بينما يوضح أن مديرة المدرسة هذا العام طرحت رؤيتها بأن يكون هناك أدوات مدرسية من الورق يحملها الطلاب ويمكنهم التصوير بها، فطور صبري المقترح إلى واجهة الحافلة المدرسية المصنوعة من الخشب.

3

"سانت فاتيما" هى المدرسة الثالثة التي عمل فيها صبري، منذ امتهن تدريس التربية الفنية عام 2004. لكنها الوحيدة التي نفذ فيها المجسمات "بعد ما رجع من الإمارات روحت مدرسة في العبور لكن كانوا عايزين بس شغل الرسم لتزيين الفصول"، بعد ثلاث سنوات من العمل في المدرسة السابقة وجد المعلم أنه لا يحقق ما يريد.

منذ قرر صبري أن يلتحق بمجال التدريس ويحمل موهبته على كف، والرغبة في تعليم الطلاب في كف آخر، ففي سنوات عمله الأولى حينما كانت التربية الفنية مادة أساسية، نجح في إكساب الطلبة مهارات لاجتياز الامتحان "كان الرسم عليه 20 درجة وفي ناس كانت متفوقة وبتجيب فيه درجات سيئة فكان هدفي أخليهم يتفقوا فيه". مهارة صبري في الرسم بالطبشور على السبورة وحبه لما يعمل، فضلاً على حرص التلاميذ للنجاح، أعطى المادة شكلاً مختلفًا، لكن سرعان ما زال بعد قرار عودة الرسم مادة لا تضاف للمجموع.

سافر الشاب بحثًا عن هدف جديد يحققه، لكن لم ينفصل عن المدارس، عمل في مكان يقدم خدمات تعليمية، صنع المجسمات المتعلقة بالدراسة مثل "ماكيت" لشرح الهيكل العظمي أو تكوين الخلايا النباتية، لكن ظل شيء ما يفتقده، عاد صبري إلى مصر في نوفمبر 2011، ورجع إلى التدريس.

4

لم يدرس صبري في كليات التربية أو الفنون الجميلة، بل التحق بمعهد الخطوط العربية، غير أن عشقه للرسم وحبه للأطفال دفعه لهذا الدرب. "من وأنا عندي 14 سنة كنت أرسم على الحيطان وأصحاب المحلات يجيبوني أرسم بـ50 جنيه"، سعادته بالخطوط والألوان لم يضاهيها شيء، فلما تخرج قرر أن تكون هوايته هى مهنته، فتقدم إلى التدريس حاملًا رسوماته ورغبته العارمة لتطوير نفسه.

14 عامًا من التعامل مع الطلاب، منحت صبري خبرة إيجاد الوسيلة لجذب التلاميذ إلى المادة، يتذكر عامه الأول في مدرسة سانت فاتيما، كان على علم أن حصص الرسم أصبحت بالنسبة للصغار ترفيها لا يُعتد به، لكنه وجد السبيل؛ كتب أسماء الطلاب في وريقات ووضعها في حقيبة، وكلما التقى بهما سحب ورقتين لاسمي صبي وفتاة، وفي الحصة التالية يعطيهما رسما لصورتيهما يحتفظان به.

زادت تلك الوسيلة من حب طلاب سانت فاتيما لمعلمهم كما يقول، حتى أصبح التعليق بـ"أن الولاد بيتشغلوا في حصة الرسم أكتر من أي حصة مادة أساسية" أكثر الكلمات المحببة إليه، بينما أصبحت مناداته بـ"فنان" أمرًا متعارفا عليه بعد أول مجسم يصنعه، كذلك تعلقه فوق سلم لتنفيذ إحدى الرسمات على الحائط بات مشهدًا عاديًا لمدرس الرسم.

5

يبدأ العام الدراسي اليوم الأحد في المدارس، لن يتواجد صبري داخل الفصول لتدريس الرسم، هذا العام، أصبحت مهمته مقتصرة على الجانب الإبداعي من عمل ديكور لمسرح العرائس والمجسمات طيلة السنة، منذ الفصل الدراسي الثاني وانسحب من مهمته الأولى، بعدما زاد ضغط العمل. يشعر المعلم بشيء من الحزن، لكن عزاءه في رسمة ومجسم جديد يقدمه ويسعد به الطلاب، خاصة بعدما اطمأن إلى تعليمهم، وغرس ما أراده فيهم، مكتفيًا بإحساسه الذاتي تجاه عمله "جميل إن مهنتك تكون هوايتك دي أكتر حاجة تسعد الواحد".

فيديو قد يعجبك: