إعلان

"أستطيع الآن أن أبتسم".. هولندي يسبح 163 كيلومترًا لمكافحة السرطان (حوار)

10:03 م الجمعة 21 سبتمبر 2018

السباح الهولندي مارتن دان فير

كتبت - دعاء الفولي:

كان العلاج الكيميائي يجثم فوق صدره، يُعيد تعريف الحياة كثقب أسود. لم يستطع السباح الهولندي، مارتن فان دير وايدن، سوى الانصياع له. الأيام تمر بالكاد، يتمدد صاحب الـ19 عاما حينها فوق سرير كئيب بإحدى المستشفيات، أخبروه أن سرطان الدم في مراحله الأخيرة ولم يتبقَ إلا الأدوية التجريبية. هل سيسوء الوضع أكثر؟ سأل مارتن نفسه وأجاب بالنفي. الموت صار رحيما الآن، لكن المعجزات تحدث أحيانا؛ شُفي المحارب، وأقسم أن يستغل ما لديه من موهبة لجمع الأموال ودعم الأبحاث العلمية ضد السرطان.

السباحة كالدماء تمامًا، تجري في عروق صاحب الـ37 عاما، لم يوقفه السرطان الذي باغته للمرة الأولى قبل 15 عاما، عن ممارستها وحصد البطولات داخل بلده وخارجها. مصراوي حاور السبّاح الهولندي لمعرفة تفاصيل أكثر عن المنظمة غير الهادفة للربح، التي أنشأها منذ 3 أعوام، ولماذا سبح أكثر من 100 ميل لدعم أبحاث السرطان.

برفقة زوجته فكر مارتن كثيرا، لم يعرف كيف يبدأ "أردت فعل شيء أسميه بالمهمة المستحيلة.. شيء يدفع الناس للإيمان بأهمية البحث العلمي والتبرع". حتى ثلاثة أعوام مضت "لم أفكر في المنظمة، فكرت فقط بأنني أريد استغلال موهبتي، ولكن كان يجب أن يحدث ذلك بشكل قانوني".

دائما ما اعتبر مارتن نفسه محظوظا "لقد ربحت عمرا جديدا بعد عامين بين براثن المرض"، وقتها تغيرت فلسفة حياته "كانت الأيام مقيتة داخل غرفة المستشفى، لا نهاية ولا بداية"، لذا عندما حصل على فرصة أخرى عام 2003 حاول استثمارها "الشفاء معجزة. كان لدي أصدقاء كثيرون في المستشفى لم يستطيعوا النجاة. فعلتها انا ولا أعرف كيف".

1

بعد التعافي، تأهل مارتن لبطولة العالم للمياه المفتوحة في برشلونة الإسبانية، وحصل على ثلاثة بطولات أخرى في هولندا، وفي عام 2008 شارك في أولمبياد بكين الصيفية، بسباق الماراثون المفتوح البالغ طوله 10 كيلو مترات "كان كل عضو في جسدي يقول لي اسبح بأقصى ما عندك"، فاز الهولندي بالميدالية الذهبية، شعر للمرة الأولى أن المرض أمدّه بالقوة.

في مايو 2017 حاول مارتن تحطيم الرقم القياسي العالمي في السباحة على مدار 24 ساعة لمسافة 102 كيلو متر. بدأ الرحلة من مدينة أمستردام الهولندية، أنهى الوقت لكنه لم يكسر الرقم المُسجل "سبحت لمسافة 99 ونصف كيلو متر وجمعت 8500 يورو لصالح الأبحاث العلمية"، وعقب أشهر محدودة دشّن المنظمة التي حملت اسمه.

2

لاقت مؤسسة مارتن دعمًا كبيرًا، جاءته التبرعات من كل مكان في هولندا، فيما حرص هو ومن معه على الترويج لهدفهم "كنا نستغل كل حدث خيري للحديث مع الناس، أصبحوا يتبرعون بشكل مباشر على موقع المؤسسة أو الحساب البنكي"، بات اسم المؤسسة أكثر انتشارًا "قمنا بتدشين مبادرات للتبرع داخل المقاهي، الحفلات وحتى في أعياد الميلاد".

رغم النجاح، أراد السباح دخول تحدي أكبر؛ ففيما يُقام سنويا سباق للتزحلق على الجليد في شمال هولندا، قرر مارتن سلوك نفس المسار لكن في الصيف قبل أن تتجمد المياه. احتاج الأمر عاما من التدريب وكثير من البحث "لم نكن نعرف مدى صلاحية المياه للسباحة، هل هي نظيفة أم لا؟ هل سأتحمل قطع المسافة؟ فحتى مع التدريب ظلت هناك مخاطرة"، إذ تمر قنوات المياه التي قطعها مارتن بـ11 مدينة هولندية على مسافة 200 كيلو متر.

3

زوجة السبّاح الهولندي لم تخذله يوما. فكما خططا سويا للمنظمة "دعمتني لخوض التجربة". مع بداية أغسطس الماضي أعلن مارتن عمّا يود فعله؛ السباحة لثلاثة أيام متواصلة، لجمع التبرعات لأبحاث السرطان. استعاد صاحب الـ37 عاما شغفه القديم، مرّت ذكرى الأوليمبياد أمام عقله، غير أن ذلك التحدي أصعب "كنت أعلم أنني كلما تحمّلت السباحة لمسافة أطول كلما جمعنا أموالا أكثر".

قبل أيام من الحدث، كانت تجربة مارتن حديث وسائل الإعلام الهولندية، الأعين مشدوهة تجاه "البطل"، الفضول يأكل العقول، رعاة كثيرون وافقوا على الانضمام، وكذلك بعض السبّاحين، بدا أن الأمور تسير على ما يرام "إلا أن السباحين انسحبوا قبل ساعات من البداية، لم تكن المياه جيدة بشكل كافي للخوض فيها"، غير أن مارتن رفض التراجع "استغرقت الرحلة 55 ساعة متواصلة" لم يذق فيها النوم إلا حوالي 4 ساعات.

4

داخل المياه كان كل شيء موحشًا. مارتن وحيد، الظلام يقترب، أطرافه ثقيلة، يشعر بدوار خفيف، جلده انكمش، ألف صوت داخله ينادونه بالتوقف، إذ لم يكن مجبرا من البداية، لكن فيض الحب والتشجيع هوّن عليه الكثير "أذكر أنه فوق كل مكان تمر منه المياه؛ كل جسر، قرية، وطريق كان الناس ينادون اسمي كأنهم يحتضونني". أصبح الليل أكثر ألفة، فحتى المزارعين في بعض المدن التي مر بها، استخدموا كشافاتهم لإنارة المياه من أجله.

بعد 163 كيلوا مترا من السباحة، خرج مارتن من المياه. كاد أن ينهي المسار بطول 200 كيلو متر لكن الإرهاق أصاب جسده "لم يكن الهدف السباحة بل جمع الأموال وهو ما حدث". فعلى مدار أسابيع قبل الرحلة وبعدها تبرّع كل من استطاع "حتى الأطفال كانوا يلوحون لي أحيانا من الطريق، يخبرونني أنهم تبرعوا من مصروفهم الشخصي".

5

خرج مارتن من المياه مُنهكا، غير أنه جمع 4 ملايين يورو ونصف سيدفعهم لتمويل 11 بحثًا علميًا عن السرطان في هولندا.

67

لم يعد السباح الهولندي يشارك في بطولات دورية، إلا أن التجربة ألقت السكينة على قلبه، أعادته عشرة أعوام للخلف، جددت عهده بالحياة، زوجته فخورة به وكذلك أبناءه، أيقن أنه سيكرر التجربة، وأنه لم ينجُ من المرض إلا لهدف، والآن "أستطيع أن أنظر لكل ما قدمناه وأبتسم، وأفكر في المحاولات القادمة لمحاربة السرطان".

فيديو قد يعجبك: