من داخل ستاد بورسعيد.. مصراوي يعايش أول مباراة بعد "المذبحة"

01:20 ص الأحد 11 فبراير 2018

كتب - محمد زكريا:

تصوير – نادر نبيل:

إن كنت من محبي كرة القدم، وعشاق متابعتها من المدرجات، لن تكن أجواء مباراة النادي المصري أمام نظيره جرين بافلوز الزامبي في مدرجات ستاد بورسعيد عنك غريبة. كان الأمر معتادًا؛ تشجيع حار، انفعال، إشادة، انتقاد عندما يخطئ لاعب في تمرير الكرة. غير أن مباراة أمس ليست عادية، لا لأهمية البطولة التي تمثلها، ولا لقوة المنافس، لكن لكونها الأولى بعد 6 سنوات لم يلعب فيها النادي البورسعيدي على أرضه ووسط جماهيره منذ وقوع "المذبحة".

في نفس الشهر، فبراير، لكن قبل 6 سنوات، شهد ستاد بورسعيد حادثًا جللًا، وصفته وسائل الإعلام بـ"المذبحة". يومها، بدا أنها مباراة كرة قدم معتادة، فريق النادي المصري يستضيف الأهلي على ملعبه، لكن ما أن انتهت المباراة بمأساة، لم تعد أبدًا كذلك، وأيضًا لم تعد المدرجات كما كانت قبلها. ليلتها عاد أكثر من 70 مشجعًا موتى وأصيب نحو 1036 آخرين.

مرت 6 سنوات كاملة. أمس العاشر من فبراير، موعد اللقاء الأول على ستاد بورسعيد، بعد أن مُنع من استضافة أي مباراة منذ وقوع الحادث.

وسط حشد جماهيري كبير، التقى فريق المصري نظيره جرين بافلوز الزمبي في كأس الكونفدرالية الإفريقية، فيما لم تغب تفاصيل الحادث البشع عن جنبات الاستاد ومدرجاته، وكذلك عن ذاكرة جماهير بورسعيد وأحاديثهم.

صباح أمس، غلف الهدوء محيط ستاد بورسعيد، بينما أحكم الأمن قبضته على كل مداخله. في الشوارع الجانبية، لم يغب ذكر الكرة عن لسان أبناء المحافظة، يرتدون قمصان النادي المصري، ويتبادلون الحديث عن حظوظ ناديهم في اللقاء، فيما يعد كلٌ عدته في انتظار أن يبدأ اللقاء.

أمام عقار يقابل إحدى بوابات الاستاد، يقف أحمد جمال وحيدًا، يُنفث دخان سيجارته إلى أعلى، يسرح لثواني، بينما يبرر قراره بالامتناع عن مشاهدة مباراة الفريق البورسعيدي من المدرجات، بحكاية طويلة، ذِكرها يُرهق نفسه، لكنه حاول أن يختصرها في كلمات قليلة.

ليلة الحادث، شاهد جمال مباراة المصري والأهلي من المدرجات، أحس الشاب أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، فقرر مغادرة الملعب قبل أن ينتهي اللقاء بدقائق قليلة، فيما لم ينتظر الشاب طويلًا أمام منزله، فُزع من نداء ثلاثة شباب يرتدون القميص الأحمر، يهرعون بطول الشارع طالبين للنجاة، لم يعلم جمال في لحظتها أن الأمر تعدى المشاحنات الجماهيرية إلى الكارثة، لكنه استجاب لنداء مُغيثيه "طلعتهم بيتي، وعرفنا فوق أن ناس كتير ماتت، ففضلوا قاعدين معايا طول الليل، وعلى 5 الفجر نزلت وصلتهم لمحطة مصر عشان يروحوا"، لكن ما عاشه جمال في تلك الليلة، جعله يتخذ قرارًا نهائيًا بالامتناع عن حضور أي مباراة تُلعب على ستاد بورسعيد.

كان الحادث مُروعًا، شغل الرأي العام، وأثار الجدل حوله، بينما أدانت لجنة تقصي الحقائق، التي شكلها برلمان العام 2012، في تقرير سردت تفاصيل الحادث وكتبت فيه توصياتها، الأمن وحملته المسؤولية الكاملة عما جرى، إضافة إلى كشفها عن تورط جمهور النادي المصري في الحادث، ومسؤولية اتحاد الكرة السياسية عن المباراة ونتائجها.

وفي أروقة المحاكم، مرت القضية بجولات عديدة يعرفها دارسو القانون، قبل أن تنتهي بحكم الإعدام على 10 متهمين حضوريًا وآخر غيابيًا، وأحكام بالحبس لمسؤولين ورجال أمن بينهم مدير أمن بورسعيد في وقت الحادث.

لكن حال جمال ليس كحال الآلاف غيره. مساء أول أمس، حاول المئات من شباب بورسعيد الحصول على تذكرة المباراة، وهو ما ضاعف سعرها خمس مرات.

منذ أن استيقظ زياد وائل من نومه، ارتدى قميص النادي المصري، اصطحب ورقة طبع عليها عددًا من لاعبي الفريق، وتوجه العضو برابطة مشجعي النادي المصري- "أولتراس جرين إيجلز"- إلى مقهى يقترب من الملعب، في انتظار أن يُسمح له بالدخول.

في حوالي الثانية عشر ظهرًا، سمح الأمن بالتقدم إلى بوابات الملعب. وقف وائل في طابور المشجعين، تفتيش جاد وصل إلى قراءة ما تحويه "بنرات المشجعين"، وسط هتاف وتشجيع لا ينتهي من الشباب، لكن جاء دور وائل بالدخول، أظهر تذكرته وبطاقته الشخصية، فُتش ذاتياً "خدو مني الولاعة، وشالوا غطى الإزازة"، قبل أن يمرّ إلى "المدرج الغربي"، والذي يجمع أعضاء الـ"جرين إيجلز".

داخل الاستاد، كانت الأجواء أقرب إلى الاحتفال. على أرض الملعب، عروض مختلفة يقدمها الأطفال، وقوات أمن بزي رياضي تحيط المدرجات، بينما يستمر توافد المئات عليها، مرت الساعات على نفس الحال، إلا أن وقع اشتباك علا صوته بين صفوف المدرج الغربي.

فبينما كان وائل يهتف بحماس رافعًا ورقته المطبوعة، فوجئ بمن يجاوره "بيفتح الجاكيت ولابس تي شيرت الأهلي تحته"، وهو ما دفع أعضاء "جرين إيجلز" إلى الاشتباك معه، التفوا حوله وأوسعوه ضربًا، إلى أن أخرجه عدد من قوات الأمن من بين الجموع، أعقب ذلك سباب جماهيري عنيف ضد النادي الأهلي وجماهيره، لم يستمر طويلًا، بعد أن قام رجل في الملعب بترديد التشجيع للنادي المصري عبر ميكروفون، والذي تلاه هتاف المدرجات بـ"الروح والدم نفديك يا بورسعيد".

أطلق الحكم صافرة بدء اللقاء في السابعة والنصف مساءً، بالمدرجات رفع "الأولتراس" لافتة كُتب عليها "من هنا ظن الجميع أننا انتهينا، ولكن.."، تتنقل الكرة بين أرجل اللاعبين على العشب الأخضر بسلاسة. في "المدرج البحري"، والذي يقابل المقصورة الرئيسية، كان حازم مصطفى يتابع المباراة مبهورًا، طفل من مواليد العام 2009، أول مباراة يحضرها في الاستاد، الذي غاب أهل بورسعيد عنه طيلة 6 سنوات، يُحدث الصغير لاعبي المصري كأنه يعرفهم، فيما يتفاعل مع أهداف فريقه التي توالت واحدًا إثر الآخر.

يُزيد النادي المصري رصيد أهدافه، أصبح الآن متقدم على الفريق الزامبي بثلاثة أهداف مقابل لا شيء، يُشير حازم بأصبعه نحو مدرج خالي يُقابل مدرج الـ"جرين إيجلز"، ويسأل والده ببراءة عن سبب غياب الجمهور عن مقاعده، يرد الأب عليه: "ده المدرج بتاع الأهلي يا حازم، اللي حصل فيه الحادثة"، يُبادله الطفل الحديث في استفهام "يعني هنسيبه فاضي كده؟"، يُجيبه الأب: "لا، الجمهور هيرجع تاني إن شاء الله"، فيما أوقف كلماتهم هدف رابع للنادي المصري، أعقبه ترديد الجماهير لكلمات تكررت على مدار عُمر المباراة "شمال يمين أخواتنا مظلومين". قبل أن ينتهي اللقاء ويحتفل أهل بورسعيد بالفوز الكبير.

إعلان