إعلان

أفضل معلم في 2018.. "برجاس" صنع منهجًا بديلاً للرياضيات بالوادي الجديد

06:33 م الأحد 11 نوفمبر 2018

كتبت-إشراق أحمد

تمنى أن يصبح مهندسًا، لكن المجموع كان أقرب لكلية التربية، وأما نفسه فكانت أميل إلى مواصلة دراسة الرياضيات. تخرج محمد علي برجاس، وعمل في مدارس الوادي الجديد، وعقد العزم ألا يكون معلمًا تقليدًيا، ولا يستسلم لظروف مكانه البعيد عن الأنظار، بل يخلق هو الاهتمام ويمنحه لطلابه. من أدوات بسيطة وضع برجاس منهجًا خاصًا، قاعدته الأساسية "الفكرة مش إن الطالب يحسب لكن يفكر إزاي يحسب".

منذ 2013 بدأ "برجاس" العمل على مشروع تربوي، اسماه "العبقري الصغير"، وبسبب ما مارسه لتطبيق هذا المشروع، اختاره الائتلاف المصري للتعليم ليحصد المركز الأول ضمن 10 معلمين وصلوا لنهائي مسابقة أفضل معلم في مصر، التي يجريها الائتلاف للعام الثاني على التوالي، لإبراز نماذج المعلمين المصريين، ليتأهلوا للمنافسة دوليًا على لقب "أفضل معلم" في العالم التي تعلن نتائجها في منتدى التعليم والمهارات في دبي.

نحو 17 عامًا عمل فيها "برجاس" معلمًا لمادة الرياضيات. لم تعد أيامه في مدرسة اللغات الرسمية المتميزة كما كانت منذ بدأ التدريس. يخطط ابن محافظة الوادي الجديد هذه الأيام ليوم التسوق مع طلاب المرحلة الابتدائية، قرر المعلم أن يطور النشاط من ممارسة الصغار لعمليات البيع والشراء داخل المدرسة، والتبرع بما يربحون من أموال، ويصحبهم هذه المرة خارج الأسوار، ويشرح لهم على الواقع ما يحدث في إحدى الأسواق.

في كل عام يتغير ابن محافظة الوادي الجديد، يضيف لبرنامجه بالتعلم والتدريب من أجل طلاب المرحلة الابتدائية والإعدادية "اخترت أحب اللي بعمله وأسيب أثر في الولاد.. مينفعش أدخل للطلاب وأخرج وميبقاش الطالب استفاد حاجة" يقول صاحب لقب أفضل معلم في مصر لمصراوي.

حين تخرج "برجاس" في كلية التربية عام 2001. أمضى عامين بعيدًا عن أجواء المدينة، أتاه التعيين في منطقة الداخلة، في قرية وسط الجبال، تبعد نحو 70 كيلو مترًا عن "الخارجة" حيث يقيم. واصل التدريس للمرحلة الابتدائية داخل مبنى من الطوب اللبن، كان المدرس الغريب عن قرية الصغار، بالنسبة لهم هو نافذتهم على الدنيا. "الفترة دي اديتني رؤية جديدة". تلمس المعلم أولى خطواته نحو استخدام أبسط الأشياء لتعليم الأطفال أينما كان مكانهم وظروفهم.

استخدم "برجاس" البيئة المحيطة لتعليم الصغار الرياضيات، يأخذهم في رحلة إلى جبل مجاور للمدرسة، يجرب معهم مسائل حسابية عن الارتفاعات والمساحة من ناحية، ويمنحهم التفكير فيما يتواجد بمحيطهم "كنا بنكتب بالصلصال الطيني الأرقام وجدول الضرب"، فيعطيهم المرح أيضًا.

1

حتى عام 2007، وبعدما عاد معلم الرياضيات للتدريس في منطقة الخارجة، كان "برجاس" في مرحلة "النمطية" كما يسميها "كنت بتفرج وأشوف وأجرب إيه اللي بيحصل"، حتى وضع مبادئ مشروعه وقرر تنفيذها، بدأها باستخدام الحاسب الألي. يبحث عن القصص والألعاب الإلكترونية المتحدثة عن الأرقام ويجلبها للصغار، وكذلك يصنع الأنشطة التفاعلية لمشاركة الطلاب في الحصص.

بعد كل خطوة كان يأتي "برجاس" المدد المعنوي؛ في عام 2008 حصد لقب المعلم المثالي على مستوى الجمهورية، دفعه ذلك نحو بذل المزيد من الجهد، وجاءت الفترة الحاسمة؛ سافر "برجاس" في بعثة عامين إلى السعودية عام 2010 "وقتها كانت السعودية بتجرب مناهج جديدة.. كنت بقرأ في كل المناهج والتجارب"، التحق المعلم المصري بنادي جدة للإبداع العلمي، احتك بأول تجربة عملية لتنمية الطلاب "بياخدوا الولاد المتميزة ويجيبوا معلمين متميزين عشان يطوروا قدراتهم".

انقضى العامان في السعودية، ووقع "برجاس" أمام خيارين "إما ارجع البلد وأحاول اطبق العلم اللي عرفته وأفيد بلدي أو أفضل قاعد عشان ألم فلوس"، اختار معلم الرياضيات العودة إلى مصر، وتنفيذ مشروعه "العبقري الصغير"، وعكف على تعليم الصغار الممارسات الحسابية عن طريق الألعاب والأفكار الجديدة، وخلق طرق بسيطة تطور مهاراتهم نحو الأرقام "مقتصرش على العملية الحسابية بس لا أخليه يفكر وإزاي ياخد قرار"، صمم المعلم أن تصبح الرياضيات لطلابه بمثابة لعبة يقبلون عليها.

2

أكواب بلاستيكية، وأنابيب وصلصال، ورسومات على السبورة والأوراق. أدوات يحملها معه "برجاس" في الحصص، وكل مرحلة لها أنشطتها، حتى أصبح معتادًا لطفل في الصف الخامس الابتدائي أن يتقن حساب أرقام متوالية من ثلاث أرقام.

لم يكن يكتف "برجاس". يتقدم نحو شغفه في تعليم مزيد من الطلاب يومًا تلو الآخر، ينشئ قناة على اليوتيوب عام 2013، فتتواصل معه وزارة التربية والتعليم، يتزامن ذلك مع اهتمام المسؤولين بتنمية مهارات الرياضيات، يستعينون به ثم توقف التواصل، لكن المعلم قرر أن يستمر.

خصص "برجاس" كل خميس أسبوعيًا لتدريب الطلاب من خارج مدرسته على الرياضيات، يأتيه طلاب من قرى الداخلة والخارجة حسب قوله، يرى أطفال كثر، يتابع تقدمهم ليس فقط من خلال تقييمه، بل عبر مدرسين له وأسرته، ومَن رأى تميزًا فيه، تبناه بشكل شخصي، حتى أنه تواصل مع أساتذة جامعيين، يدعوهم لتقييم تجربته وإبداء الملاحظات داخل فصول مدرسته وأماكن التدريب.

حصد صاحب الثلاثة والثلاثين ربيعًا لقب "معلم كفء" في مسابقة أقامتها شركة ميكروسوفت، وقت أن قرر مد الوصل بالمعلمين أمثاله داخل محافظته وخارجها، ففي الوقت الذي عزف البعض عن الذهاب إلى شمال سيناء، سافر "برجاس" لإعطاء دورة تدريبة ثلاثة أيام لمعلمين في العريش عام 2015، كانت ضمنهم، شيماء سعيد، التي حصدت المركز الثاني في مسابقة أفضل معلم في مصر العام الماضي، ومنها عرف ابن محافظة الوادي الجديد بأمر المسابقة لأول مرة هذا العام.

الإسكندرية والقاهرة شهدت أيضًا خطى "برجاس" في التواصل مع المعلمين ليتبادل معهم الخبرة في تحسين مستوى الطلاب، يتواصل بشكل شخصي مع زملائه ممن شاركوا في برنامج تنمية مهارات الرياضيات، يساعدونه على توفير فرصة الالتقاء.

3

"الفكرة إني أحول المبادرة من مكان بعيد الناس بتهرب منه لمكان يبقى مثال" يقول "برجاس" عن خطوة انتقاله خارج محافظته، خاصة بعدما زاد الدعم المعنوي بحصوله على لقب المعلم المثالي على مستوى الوادي الجديد عام 2016.

رغم ما حصده "برجاس"، لكن الطريق لم يكن ممهدًا؛ لاقى معلم الرياضيات الإحباط سواء للخوف مما يفعل للجهل به، أو للتمسك بالروتين، يتذكر مرات دخول موجه المادة واهتمامه فقط بالأوراق دون تقييم محتوى ما يقدم المعلم، وكذلك حينما قرر نشر طرق تدريسه في كتاب يحمل عنوان "بناء عبقرية طفلك"، لامه البعض في وزارة التربية والتعليم حسب قوله، رغم مشاركة الكتاب الصادر سبتمبر الماضي في معرض الشارقة الدولي كما يضيف.

ينسى معلم الرياضيات كل عائق، مع إنجاز جديد يحققه، سعد بلقب "أفضل معلم في مصر"، لكن فرحته الكبرى كانت في وجود 103 معلمًا هم المشاركين في المسابقة "كل اللي دخل عنده حلم وبالنسبة لي هو أفضل معلم"، فيما يحزن لعدم التفات المسؤولين لمثل هذه النماذج التي تخرجها تلك المنافسة.

يحفظ "برجاس" في نفسه حلمًا بالتغيير، يبثه في طلابه بالوقوف في فناء المدرسة، معطيًا اليوم لقب "يوم المهندس الصغير"، يوفر لهم الأدوات التي تجعلهم يحاكون تلك التجربة، يتذكر أمنيته القديمة بأن يكون مهندسًا، لا يأسى على ما فات، بل يفرح بما آتاه، من طفل يرى تقدمه بعدما فقد الكثير الأمل في قدراته، وأخرى تخبره "نفسي أكون زيك يا مستر".

فيديو قد يعجبك: