هل تجاهل "إعفاء مصاريف الدراسة" أبناء شهداء ومصابين الثورة؟

04:42 م الإثنين 25 سبتمبر 2017

أول شهيد للصحافة في الثورة

كتب- ياسمين محمد وإشراق أحمد:

قبل نحو شهر، تهللت أسارير إيناس عبد العليم، فور سماعها قرار وزارة التربية والتعليم بإعفاء أبناء الشهداء من مصاريف الدراسة، على أن يشمل ذلك المدارس الخاصة، لكن سرعان ما فقدت السيدة حماسها "القرار مجابش سيرة شهداء الثورة ده غير أنهم بيقولوا لي بنتك في مدرسة دولية.. غيري لها المدرسة".

منذ ثورة يناير ومن بعدها 30 يونيو، ظلت الأصوات تنادي بإجراءات تكفل رعاية أسر الشهداء والمصابين، وتكون بمثابة تكريم من الدولة لهم، ومن بين ذلك كان التفكير في الأبناء الملتحقين بالمراحل الدراسية المختلفة، وكان عام 2013 بداية صدور القرارات المتعلقة بدراسة أبناء ومصابي الثورة، فأما المنتمين للمدارس الحكومية كانوا من المستفيدين، ودونهم انتظروا حتى خرجت وزارة التربية والتعليم مؤخرًا بقرار يتعلق بهم.

"282 لسنة 2017" رقم القرار الذي أصدره وزير التربية والتعليم طارق شوقي، 20 أغسطس المنصرف، وجاء في منشور الإجراء "إعفاء أبناء شهداء الجيش والشرطة والقضاء من المصروفات الدراسية حرصًا من الوزارة على الاهتمام ورعاية أسر الشهداء".

مع بداية أول فصل دراسي لـ"نورهان" دون أبيها، قبل 6 سنوات، دارت رأس إيناس لاحتواء الابنة ذات العشرة أعوام حينها، بعد رحيل والدها أحمد محمود، "شهيد الصحافة" في ثورة يناير كما لقبته نقابة الصحفيين، بات على الأم الإبقاء على أحوال الأسرة كما كانت في وجود الأب، خاصة تعليم ابنتها الوحيدة.

إعلان

قبل أسبوع من صدور القرار الأخير، توجهت والدة نورهان إلى الوزارة، بعدما شاهدت مسئولة التعليم الخاص عبير هاني تتحدث عن مشروع القرار في الإعلام، أرادت إيناس أن تستعلم، خاصة أن المسؤولة تحدثت عن القرار دون استثناء، غير أنه بعد تصريح الوزير به، وجدته ذاكرًا لأبناء شهداء المؤسسة العسكرية والشرطية والقضائية، وخلى من ذكر شهداء الثورة.

ترى إيناس أنه تم تجاهل شهداء الثورة من القرار الأخير، خاصة أن القرارات السابقة الخاصة بخفض أو إعفاء الأبناء من المصاريف سواء للشهداء أو الأيتام بشكل عام لا تعترف بالمدارس على شاكلة "كايرو مودرن سكول" الدولية الملتحقة بها ابنتها "نورهان".

حرص الأب الراحل وزوجته أن تتلقى ابنتهما الوحيدة تعليما أفضل، الحقاها بمدرسة دولية منذ الصغر، ورغم التكاليف الكبيرة التي كان يتكفل بها صحفي جريدة التعاون التابعة لمؤسسة الأهرام، غير أن الزوجة بالكاد استطاعت ذلك من بعده، ومع هذا رفضت تغيير مدرستها "مقدرش فجأة أغير لها مستوى التعليم اللي هي فيه من قبل وفاة باباها"، تخشى الأم أن يصيب الفعل نفس ابنتها بالضرر.

تقول الأم إنها ذهبت عدة مرات إلى المديرية التعليمية وللمدرسة وأخبرتهم عن القرار لكن الرد طالما جاءها "معندناش خلفية عنه" حسب قولها.

وبالتواصل مع خالد حجازي مدير إدارة القاهرة الجديدة، التابع لها مدارس منطقة التجمع، ومنها مدرسة "نورهان"، قال إن المنشور الأخير للوزارة لم يصل الإدارة حتى الآن، ولكن في حالة تطبيقه على أبناء الشهداء بالمدارس الخاصة سيكون تقديرًا كبيرًا من الدولة لشهداء الوطن، خاصة أن المعتاد أن يُعفى أبناء الشهداء من المصروفات الدراسية للمدارس الحكومية.

سبق القرار رقم 282 إجراء أخر؛ في 15 أغسطس 2013 أصدرت لجنة العدالة الاجتماعية التابعة لمجلس الوزراء قرارًا بإعفاء "أبناء شهداء ثورة 25 يناير، وضحايا الإرهاب، وأبناء الأسرة المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي والمساعدات والمعاشات المقدمة من وزارة التضامن الاجتماعي من سداد الاشتراكات ومقابل الخدمات المقررة بالمدارس في مختلف المراحل التعليمية"، وشمل ذلك مصابين الثورة لكن اقتصر على المدارس التابعة للدولة.

خفف القرار رقم 272 لعام 2013 من معاناة أحمد فتحي، بعد عامين انشغل فيها بإصابته المصاحبة له منذ الأيام الأولى لثورة 25 يناير، والتي تتطلب العلاج بالخارج، ومصاريف أسرته، "ده تقريبا القرار الإيجابي الوحيد اللي اتعمل من ساعة الثورة" يقول "فتحي" ذي السابعة والثلاثين عامة عن إعفاء أبناء شهداء ومصابين الثورة من المصاريف.

لدى "فتحي" طفلين، أكبرهما "عبد الله" في المرحلة الإعدادية، وسارة في الابتدائية، تطلب الأمر لإعفائهما من المصروفات، رحلة روتينية تبدأ من المدرسة ثم المجلس والوزارة إلى مقر الدراسة مرة أخرى.

نحو أسبوع حتى إنجاز الأوراق الرسمية ليحصل "عبد الله" على الكتب الدراسية فقط دون المصروفات باعتباره ابن "مصاب ثورة 25 يناير"، ويكرر الأب أسبوع التردد على المقرات الرسمية مع كل صف يجتازه الأبناء.

ورغم ثقل المشوار علي "فتحي"، لكنه يجده ملاذًا مع معاناته الصحية المستمرة من إصابته في العنق التي تسببت في قطع الشريان الرئيسي ومن ثم عجز كبير يقتطع علاجه جانب كبير من مدخرات الأسرة الصغيرة.

خلاف "فتحي" لم يتم إعفاء ابنة يوسف السيد، مصاب ثورة يناير، من المصاريف كاملة رغم انتماءها لمدرسة حكومية "كانوا بيخصموا نسبة منه" حسب قوله، وجد الأب الأربعيني العمر أن الفارق المادي ليس كبيرًا، لاسيما مع استشعار الابنة بالحرج بين زملائها، لذلك قرر أن يتخلى عن حقه من القرار.

كان ذلك قبل عامين حين كانت ابنته بالمرحلة الإعدادية، قبل أن تلتحق بالدبلوم التجاري، فيما تمنى لو ضم القرار المصابين أنفسهم، فخفف الأعباء المالية لاستكمال دراسته من المرحلة الإعدادية حتى حصوله على دبلوم التجارة مؤخرًا، لكن سرعان ما تفهم مصاب الثورة المسألة "أنا أخدت الشهادة منازل لو كنت دخلت المدرسة كان ممكن اتعفي من المصاريف" يقولها بنفس راضية.

أما إيناس لم يفارقها الاستياء منذ قرابة أربعة أعوام، وزاد غضبها مع القرار الأخير لـ"التربية والتعليم"، تتسائل "إذا كان الدستور معترف بشهداء ثورة يناير و30 يونيو وبيقول مافيش فرق بين المصريين ليه تجاهل أبناء شهداء الثورة من القرار؟".

كثيرًا ما سعت زوجة الشهيد أحمد محمود لإيجاد حل بشأن مصاريف مدارس ابنتها المتزايدة كل عام، تلجأ للتقسيط حينها، وتخفض لها مديرة المدرسة بشكل ودي بلغت مؤخرًا 7% على أقصى تقدير، ويعاونها شقيقها تارة أخرى، لكن الأمر لم يكن مريحًا لها، لهذا تمنت لو يشمل القرار الأخير أبناء الشهداء كافة قائلة "أبناء الجيش والشرطة والقضاء وراهم مؤسسات كبيرة أنما المدني مش وراه أي مؤسسة المفروض بلده هي اللي وراه"، تشير إلى أن نقابة الصحفيين ومجلس رعاية الشهداء لم يتحركا لشكواها.

وقال محمد عمر مدير صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية، بوزارة التربية والتعليم إن الشهداء المدنيين لهم قانون خاص، وصندوق تابع لمجلس الوزراء، ويوفر لهم مزايا مادية عديدة، مشيرًا إلى أن المنشور الأخير الصادر من وزارة التربية والتعليم، يشمل "أبناء أي شهيد سواء من الجيش والشرطة والقضاء أو الشهداء المدنيين، حتى ولو لم يذكرهم المنشور".

وأوضح عمر، في تصريح لمصراوي، أنه في ديباجة المنشور تم ذكر القانون الخاص بالشهداء، وبالتالي فإنهم سيستفيدون من بنود المنشور، بشرط أن تعترف الدولة بأنهم شهداء.

ولفت عمر، إلى أنه على ولي أمر الطالب ابن الشهيد، الحصول على إفادة من المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء ومصابي الثورة، والذهاب به للمدرسة الخاصة بنجله ليشمله القرار، مؤكدًا أن أي شهيد سواء مدني أو عسكري، له مكانة كبيرة جدًا وتعامله الدولة معاملة خاصة، نظير تضحياته في سبيل وطنه.

وأعلنت مدرسة الامتياز للغات نفسها، كأول مدرسة خاصة تلتزم بقرار وزارة التربية والتعليم الأخير -282، بإعفائها ثلاثة من أبناء الشهداء الشرطة المقيدين بها من المصروفات، واقتصر بيان أصدرته المدرسة اليوم على ذكر إعفاء أبناء الجيش والشرطة والقضاء فقط؛ استنادًا لقرار الوزارة.

قبل يومين بدأ العام الدراسي الجديد، اتخذ "فتحي" الإجراءات ذاتها التي يجريها كل عام بشأن مصروفات طفليه، فيما لم يكرر "السيد" مطالبة الإعفاء لابنته، بينما لا تدري إيناس كيف توفر 38 ألف جنيهًا لمصاريف مدرسة ابنتها في الصف الثالث الثانوي، تنتظر أن يحدث أمرًا يُغير مسار الحال، ويخفف عنها شيئا من العبء، لا زال ثمة أمل يتملكها أن تتحرك أي مؤسسة لرفع "المعاناة" عن أبناء الشهداء ممن "تعافر" أمهاتهم للإبقاء على حياتهم دون تأثير بوفاة أبيهم.

اقرأ ايضا:

سيرة أول شهيد للصحافة في الثورة.. السلطة الرابعة "مجابتش حق ولادها"

وزير التعليم يحدد الإعفاءات المقررة لأبناء شهداء الجيش والشرطة والقضاء

إعلان