بالصور.. مصراوي مع أسرة "طوبار".. حكايات شيخ المبتهلين باقية (حوار)

04:35 م الإثنين 13 يوليو 2015

مصراوي مع أسرة طوبار

كتب- يسرا سلامة ومحمد مهدي:

في كل جمعة تلتقي أسرة الشيخ في منزله بمنطقة شبرا مصر، أبنائه وأحفاده، ملتزمين بتنفيذ وصيته وهو على فراش الموت، بأن يظلوا على رباط إلى يوم الدين، وأن يوَرثوا الأجيال الجديدة من العائلة المحبة والرحمة وصلة الرحم، وفي جلساتهم لا تغيب سيرته أبدًا، ينقلون عن بعضهم حكايات الشيخ منذ أن ولد في مدينة المنزلة عام 1922 بالدقهلية من نسل حسن طوبار، شيخ العرب كما يُطلق عليه، الذي تصدى للحملة الفرنسية بقيادة بونابرت.


تربى الشيخ في كنف أسرة طيبة، حفظ أجزاء كبيرة من القرآن في الكتاتيب قبل أن يبلغ العاشرة، ثم انتقل إلى المدرسة وهناك اشتهر بين زملائه بقدرته الفريدة على تقليد كبار المقرئين والمشايخ "اتعرف في القرية بصوته الجيد لكن رغبة الأسرة في إنه يكمل دراسته منعته من الدخول في عالم المقرئين والإنشاد".

إعلان





بخطوات بطيئة واثقة، يشق الشيخ "نصر الدين طوبار" طريقه بين محبيه ومريديه، متجها إلى كرسي أعلى مسرح أمامه ميكروفون، يتكأ على كتف طفل صغير، "عمرو" أول أحفاده، يجلس مستقرا على الكرسي، ينظر إلى الأعداد الغفيرة الحاضرة من كل حدب وصوب لسماع ابتهالاته البديعة، يبتسم، يُعدل عمامته، يتأكد من صلاحية الميكروفون، يرتشف جرعتين أو ثلاث من كوب ينسون خال من قطع السكر، قبل أن يشدو بصوته المعطر بذكر الله ونبيه محمد (عليه أفضل الصلاة والسلام).














للشيخ روحه طيبة، وحُب للتواصل مع الغير، وتكوين صداقات مع جيرانه وزملائه ، فقد كان له علاقات واسعة برفاق الدرب من المشايخ، أقربهم إلى قلبه صديقه إبراهيم الشعشاعي والشيخ محمد عمران، وما يزال يذكر الحفيد لقاء جمع بين جده والشيخ الشعراوي، حيث كان يصطحبه بين جلسات الكبار من الشيوخ والساسة، يتذكر فخر في أعين جده به خلال تلك الجلسات.

لم يكن البيت الذي يمكث فيه الآن "أدهم وياسر" أبناء الشيخ، هو المنزل الأول له عندما قرر النزوح إلى القاهرة باحثا عن فرصة جيدة لموهبته، في البدء كان بيتا صغيرا في السيدة زينب لا يحوي ذكريات كبيرة للعائلة، ثم منزله الكبير في دوران شبرا الذي قضى فيها قسطا كبيرا من الدهر، قبل أن يستقر في شبرا بجوار صديقه المقرب الشيخ إبراهيم الشعشاعي "احنا وعينا على بيت دوران شبرا، كان وقتها بيقرى القرآن في مسجد الخازندار وشهرته محدودة" يقولها "أدهم" رابع أبنائه، متذكرًا كيف كان الأب رحيما بهم، في حديثه حنان، لا يجبر أحد على فعل ما يكرهه، ترك لهم حرية الاختيار في مستقبلهم، ولم يمنع بناته عن استكمال دراستهم، لكنه في الوقت نفسه لا يخلو من حزم "كنا نسمع صوته من الشارع نجري على طول من الاحترام".
 للبيت أو ابنائه



عُرف عن الشيخ حبه لأبنائه الخمسة-فتاتين و3 أولاد- لا يفارقهم قط، يصطحب معه كلا من الفتيان إلى مسجد الخاذندار الذي يبعد عنه أمتار قليلة، ينطلق إليه يوميا قبل صلاة الفجر ويوم الجمعة للقراءة والابتهال، ليشاهدوا عن كثب احترام الجيران لوالدهم وتبجيله، ويزرع فيهم حُب بيوت الله وحلاوة الصلاة والاستماع للقرآن الكريم، بينما يتحلق الناس من حوله يستمعون إلى تلاوته، فيما لا يظهر الشيخ في مسجده يوم الخميس لأنه مُخصص لزيارة مسجد الحسين.


لمسجد الحسين قصة لا ينساها حفيده-عمرو- كان يصطحبه معه، ينطلقان إلى هناك بسيارته الصغيرة، يترجلان منها بالقرب من المسجد، يدخلان وسط زحام محبيه، يتلو ما تيسر له من القرآن، ثم يهدي الحضور قطعة فريدة من توشيحاته حتى صلاة الفجر، بعدها يستعد القائمين على المسجد لإغلاقه غير أن تواجد مريدي الشيخ يمنعهم من ذلك، يطالبونه بالمزيد، يظل الشيخ منتظرا حتى شروق الشمس لرحيل الناس لكي ينطلق في هدوء، لكن الزحام لا يقل "الناس تفضل مستنياه لحد ما إدارة المسجد تبلغه إنه مفيش فايدة ولازم ينزل عشان يعرفوا يقفلوا"، يُمسك بحفيده بيد، ويضغط على العمامة باليد الأخرى ويخرج للمنتظرين، يلتحمون به، يحاولون تقبيل يديه فيمنعهم، لكنه يحافظ على ابتسامة الامتنان لمحبتهم.

حكاية أخرى لا تغيب عن عقل "عمرو"، كلما تذكرها ترتسم الضحكة على شفاه، حين طلبه جده في غرفته، وألقى على مسامعه إحدى ابتهالاته بلحن مختلف، يستشيره أي اللحنين أفضل، فيختار الطفل اللحن الجديد، ليقرر الشيخ تنفيذ ما قاله الصغير، وفي المساء يسمع الحفيد اللحن المختار في الإذاعة، يفرح قلبه، ويُزيده الشيخ عندما عاد إلى المنزل وقال له "انت اختارت صح. أنا عملت زي ما أنت قولت"..



للشيخ طقوس ثابتة يمارسها قبل أي حفل يُطلب فيه للابتهال، يعتكف في غرفته قبلها بأيام لا يغادرها إلا في ساعات النوم، يُمسك العود، يجرب أكثر من أداء للتوشيحات، يغني عدد كبير من أعماله لاختيار أنسبهم للحفل، يجري تمارين للفك "لما كنت بسأله بتعمل كدا ليه يا جدي.. يرد عشان وأنا ببتهل لو فتحت الفك فجأة ميحصلش ألم ويعطلني"، وفي يوم الحفل لا يأكل من طعامه إلا القليل، ويحرص على احتساء المشروبات الدافئة، وعند وصوله إلى محبيه ومريديه، يتلمس نمط جمهوره، ويُحسن اختيار الابتهال الأنسب لهم "أوقات كان يقول جملة ويسيب الجمهور يرد عليه.. وأوقات لا.. وكان بيفهمني يقولي مش كل حاجة تنفع مع كل الناس"، بينما لا يفارقه "كاسيت" صغير يضعه بجواره لتسجيل أعماله وتوثيق الحفلات.


أسرة "طوبار" تحتفظ بمئات من تسجيلات نادرة من كاسيت وشرائط قديمة تملأ ما لا يقل عن ثلاث كراتين، يقول "زياد" حفيد الشيخ إن محاولات من الأسرة لتحويل تلك النوادر إلى صيغ تتناسب مع العصر الحديث قامت بها الأسرة، لكن لم تجد وسيلة لذلك، دون ان يسأل أي من مسؤلي الإذاعة أو أي من المنتجين عن نوادر طوبار، وفي انتظار أن ينقل أحدا هذا التراث الديني للأجيال القادمة من محبي صوت الشيخ.

صورة كبرى لـ"طوبار" تتوسط منزله، ينظر إليها بين الحين والآخر أبنائه وأحفاده أثناء الحديث عن سيرته، يتذكرون أيامه الأخيرة عندما أشتد عليه مرض الكبد، لا يفارق سريره، يأتيه أصدقائه وزملائه وجيرانه ومحبيه من كل مكان في مصر، يحاول الشد من أزره، فيما لا تفارقه الابتسامة وخفة ظله في المزاح، وعندما يختلي بأبنائه يوصيهم بتقوى الله وصلة الرحم قبل أن تصعد روحه إلى السماء في 16 نوفمبر 1986، تاركا فراغا لا يمكن سده في حياة أسرته أو المستمعين له في كل مكان.

تابع باقى موضوعات الملف:

بالفيديو والصور- مصراوي يروي قصة محمد عمران.. سلطان "القوالة" من مصر القديمة إلى فلسطين

"جدر" الشيخ طه الفشني.. "يمد لسابع أرض" (فيديو وصور)

ابن "النقشنبدي": السادات كان يلف خلفه الموالد.. وفرقة أم كلثوم انتظرته على باب المسجد (حوار)

بالصور: محمد الهلباوي.. أنشد فترك الغرب بلا هوية

بالصور.. مصراوي داخل منزل الشيخ "طوبار".. وجاره القبطي: كان أبويا

بالفيديو: محمود محمد رمضان.. سفير القرآن في دنيا المُنشدين

مُريد على الطريقة الحديثة.. رحلة شاب في حب الشيخ عمران

بالصور: "طوبار" في "الخازندار".. أيامه الأولى والأخيرة في دنيا الابتهال

محمد ثروت: النقشبندي "بافاروتي" مصر

إعلان