إعلان

''محمد نجيب''.. القائد السجين (بروفايل)

06:03 م الخميس 19 فبراير 2015

محمد نجيب

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – يسرا سلامة:

الدقائق تمر بطيئة، الثواني أصبح لها زمن، تكات الساعة لا تتوقف، أنفاسه لا تحتمل المزيد من الملل، أكوام الكتب تتراص حوله، منزله أشبه بمكتبة عامة من اكتظاظ كتبها، لا يقطع الصمت الرهيب سوى مذياع صغير، يضعه في ركن المنزل الوحيد، يُحدث حاله ''متى ينتهي هذا الصمت الرهيب؟''، نساه الناس، لقفته كتب التاريخ بيد الحاكم، وظل لفترة الرئيس المنسي.

في ذكرى مولده، بعد أن ذاق طعم المنفى في بلاده، لم يكن ''محمد نجيب'' الرئيس الأول للجمهورية يعبأ بتاريخ ميلاده، فرضت عليه الإقامة الجبرية بداخل عزبة بالمرج، قضى بها ما يقارب من عقد كامل، بعد أن طُرد من الحكم والعاصمة، يذهب بعدها إلى فيلا حملت اسمه، على أرض ''زينب الوكيل'' بقرب المرج الجديدة، في 14 نوفمبر 1954، يستلم ''جمال عبد الناصر'' سدة الحكم، ويبدأ نجيب في الطريق الطويل، تمر فيه الأيام كما سابقتها، بصحبة ثلاثة أولاد يتيمي الأم، وبرفقة من الكلاب والقطط تهون على الرئيس خيانة الأصدقاء.

''محبوس يا طير الحق.. قفصك حزين ولعين.. قضبانه لا بتنطق ولا تفهم المساجين''.. سجن ''نجيب'' كان وسط قلة من أقاربه، مُنعت من القرب منه طوال فترة عمله العسكري وتوليه رئاسة الجمهورية، حتى اقترب البعض منه حال ''محمد عبد المعتمد'' خال أحفاد ''محمد نجيب''.

لم تكن مصادفة أن يطلق ''نجيب'' على ابنه الأول اسم ''فاروق''، تيمنًا بالملك الأخير لحكم مصر، فعمله تحت قيادته بالجيش لم يقلل من وفاءه وحبه له، الألم كان ضيفًا أثقل بعد رحيل ولديه ''فاروق'' و''يوسف'' في حادثة سيارة، بقى والابن الثالث، إقامة جبرية جعلته مقيد الحركة فقط في منطقة العزبة المعروفة حتى الآن باسمه أيضا.

كراسات وأقلام ونفحات وعطايا، كان يجود بها الرئيس المعزول على أبناء العزبة، يومه يبدأ بالقرآن والكتب، حتى وقت العصر، يترجل ماشيًا بداخل الأرض الخضراء، حاجز لم ينكسر بسهولة بينه وبين أهالي العزبة، للرئيس الذي كانوا يسمعون عنه في الحكايات، أصبح مع الوقت كالأبن الضال لهم، يتسامرون معه حين يسمح، يعلم بعضا منهم القراءة والكتابة، لا يزال تاركا بداخل كل منهم قصة أو نادرة، محبوب، غير متكلف، طيب، محب للناس، يجلس مع المثقفين كأنه واحدا منهم، ويتبسط مع الفلاح كأنه زميل نفس الفأس، ظلوا ينادونه بـ''ياريس'' وأحيانا يا ''سيادة اللواء''.

بين الحين والآخر كان ''نجيب'' يستطلع التلفزيون، ذات مرة ظهر الرئيس ''عبد الناصر'' على الشاشة، لم يحتمل وألقى بزجاجة الدواء على الشاشة غضبا، وتلك الفجوة بينه وبين ناصر لم تجعله أقل وطنية، فقدم نصف راتبه للمجهود الحربي عقب النكسة، ورغم إهانة من العساكر عقب خروجه وتوقفهم عن إلقاء التحية العسكرية له، قطع من حياته أوقات للكتابة عن مصر، فقدم مجوعة أعمال جعلته أديبا بدرجة رئيس جمهورية، منها ''كنت رئيسا لمصر'' و''كلمتي للتاريخ'' و''مصير مصر''.

''إن أصعب شيء على المرء أن يكتب أو يتحدث عن آلامه الخاصة، ثلاثون عاماً قضيتها بين جدران المعتقل، لا أعرف بماذا أصفها؟ هل هى ذكريات سيئة؟ هل هى ذكريات تنطبق عليها القاعدة القرآنية الشريفة ''وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم''.. تلك كانت كلمات ''نجيب''، تغير وضعه للأفضل وقت حكم السادات، كاد ''نجيب'' أن يستقيل بسبب السادات قبل ثورة يوليو، فرد له السادات الجميل، بأن كرمه ولولا كبر سن ''نجيب'' كان أعاده إلى العسكرية أو السياسة.

ظل ''نجيب'' ابن لأهالي عزبة المرج حتى استرد ورثة ''زينب الوكيل'' الفيلا والأرض من الدولة، انتقل منها ''نجيب'' إلى فيلا أخرى بحدائق القبة بصحبة كتبه وكلابه، قضى بضعة أعوام مع أحفاده، قبل أن يتم طردهم في نفس يوم وفاته بمستشفى المعادي العسكري، وتذهب مكتبته سدى عقب تشميع الفيلا من رجال الأمن.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

 

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان