مأساة غادة.. مسيرة 6 سنوات من "الوجع"

04:25 م الأحد 04 أكتوبر 2015

ارشيفية

كتبت- دعاء الفولي:

حين بلغت غادة عاما من عمرها كانت فتاة هادئة الطباع، لا تقف على قدميها كأقرانها، ولا تتكلم، لكن ظن الأب والأم أن التأخر في الكلام والمشي أمر طبيعي لدى بعض الأطفال، وعندما أتمت شهرها الثاني بعد العام صحبتها الوالدة مع 12 فتاة أخرى ليخضعن لعملية الختان، بقرية سبعة بحري، بكوم أمبو أسوان، انتهت العملية بسلام، إلا أن غادة اُصيبت بعد أسبوع بتشنجات شديدة، ذهب على إثرها الوالدان للطبيب، ليخبرهما أنها مُصابة بكهرباء زائدة في المخ.

خمس سنوات هو عُمر الفتاة المُصابة بـ"توحد شديد" كما تم إخبار كريمة عبد الوهاب الوالدة "جبنالها  دكتورة تخاطب بتقول عندها تشتت في المخ"، لم يربط أحد الأطباء بين حالة الفتاة وعملية الختان، لكن الأم لاحظت الأعراض عقب العملية التي اُجريت على يد ممرض بالقرية "كان بيتشغل في مستشفى عندينا وبنتي مكنتش لوحدها كان معاها بنات تانية.. اشمعنى هي اللي تعبت؟".

لم يألُ الأب عبد الوهاب محمود جُهدا لتوفير نفقات علاج غادة، يعمل كخفير نظامي بأحد المراكز القريبة من قريته، ولا يكفيه الدخل لدفع 500 جنيها شهريا مقابل العلاج المستمر مع أكثر من طبيب "مخليناش حد مروحنالوش.. روحنا لواحد كان بييجي من القاهرة بس مقدرناش على فلوسه فبقينا بنروح عند واحد جنبنا" قال محمود.

غرفة صغيرة ذات محتويات بسيطة تمكث بها غادة التي تتم السادسة من عمرها في إبريل المقبل، سرير عريض تنام عليه بجانب والدتها وأختها الأصغر، لا تبرح المنزل أبدا إلا بصحبة أحدهم "باب البيت عندنا مبنفتحوش عشان لو فتحناه بتخرج ومبترجعش"، يذكر الأب عندما نسى إغلاق الباب منذ ستة أشهر فخرجت غادة وسارت حتى وصلت للطريق السريع "والجيران لحقوها من هناك وجابوها"، ولم يشعر بها أحد "غادة ملهاش صوت" تقول كريمة.

النظام اليومي للصغيرة مُحدد "الصبح بتشرب لبن وفي الغدا ملوخية أو عدس"، وذلك لأنها لا تمضغ الطعام "بتبلع علطول"، تُطعمها الأم بنفسها وإلا فلن تأكل "ممكن الأكل يفضل قدامها طول اليوم وكوباية المية"، فيما عدا هذه الأنشطة فهي تمكث فوق السرير حتى ميعاد النوم، ولا تستطيع التحكم في نفسها عند قضاء الحاجة؛ فيتعين على الوالدة أن تراقبها طوال اليوم.

تتواصل كريمة مع ابنتها بالكاد "ممكن تضحك بس مرات قليلة"، فيما تعبر الفتاة عن غضبها بالصراخ، إلا أن الأم تمر بأسوأ لحظاتها على الإطلاق حين تضطر لربط معصم غادة أو وسطها إلى السرير كي لا تهرب مُجددا "بيجيلها شعشعة في مخها وبتبقى عايزة تجري بعيد.. ببقى متغصبة والله وعلى عيني بس أعمل ايه؟".

حاسة السمع جيدة لدى غادة "لما بنادم عليها بترد بس مبتجيش، اختلف استقبالها للأمور عن قبل "وهي عمرها سنة مكنتش تتكلم بس كانت تبكي لما تلاقيني طالعة وسايباها بس كانت تلعب مع العيال عادي".

 ضيق ذات اليد منع الوالدين من القدوم للقاهرة لإيداع الابنة في مستشفى يراعي حالتها الصحية، يبقى ذلك حلمهما الأوحد، فالعلاج الذي تتناوله غادة يُولد تحسن طفيف في الحالة "بيوقف التشنجات وبتجيلها كل كام شهر"، لكنه لا يجعلها أفضل على مستوى التواصل الاجتماعي "لو عيل جه يلعب معاها تزقه بعيد"، وإذا وُضعت أمامها لُعبة لا تلمسها أو تقذفها بعيدا "نفسي في حاجة تغريها.. لا أكل نافع ولا لعب" تحرص الأم على إعطاءها الدواء في ميعاده المناسب، مع استبعاد بعض الأنواع التي تُصيب الصغيرة بالنعاس "بيخليها نايمة طول اليوم وبيسيّب أعصابها ومبتعرفش تبلع".

إعلان

إعلان