إعلان

بالصور: مصراوي داخل أول مدرسة سورية على أرض مصرية.. "قِف في الحياة مُقاتلا"

06:39 م السبت 10 أكتوبر 2015

مدرسة سورية بمصر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت-هدى الشيمي ودعاء الفولي:
تصوير-كريم أحمد:

الثامنة صباحًا، جرس المدرسة يدق، الباب يُفتح، يتوافد الأطفال، والطلاب الأكبر سنًا، مدخل للصبية وآخر للفتيات، المدرسات يمسكن بأيدي الصغار، يبتسمن في ود، يكسرن حاجز أيام الدراسة الأولى، المدرسون يتبادلون تحية الصباح، الأمهات يودعن أبنائهن، المدير يجلس أمام مكتبه يُنهي الأعمال الورقية، يبدو المشهد كيوم عادي، غير أنه في تلك المساحة الصغيرة من مدينة 6 أكتوبر، ثمة طلاب سوريون فروا من بلادهم بسبب الحرب، لكنهم لم يركنوا لـ"الجهل" بحجة الظروف، يتحاملون على أوجاعهم، فلربما يحمل عامهم الدراسي هذا مستقبلا أفضل مما عايشوه. أعينهم مُعلقة على السبورة، فيما الوطن محفوظ بقلوبهم.

مدرسة سورية بمصر

كان حسام جوبي-مدير المدرسة- يتفقد الفصول، يتابع سير التعليم في مشروعه الذي بدأه بعد أن أتى نازحًا من سوريا عام 2012، فلم يبرح -من وقتها- تفكيره حال الطلاب السوريين الذين استقروا بمصر فلم تُهيأ لهم الظروف كي ينعموا بتعليم في بيئة صحية، لذا واتاه هاجس إنشاء مدرسة سورية تضم الطلاب من المراحل العمرية المختلفة، علّها تخفف عنهم آثار ما لاقوه.
بالجهد الشخصي بدأ جوبي العمل على الفكرة "انقطاع التدريس في سوريا وباب المهجر ولد عند الأطفال ضعف في المعلومات التربوية والعلمية والثقافية"، خاصة وأن له باع طويل في التدريس، فقد تخرج في كلية التربية قسم كيمياء وفيزياء ورياضيات عام 1983.

مدرسة سورية بمصر

داخل مول تجاري بمدينة 6 أكتوبر حصل جوبي على طابقين وحوّلهما إلى مدرسة "بعض المصريين أعطونا الموقع دون مقابل إذا ربحنا هنعطيهم ريع وإذا ما عندنا هما واقفين معنا"، استلم المدير المكان دون تجهيزات، ليقوم خلال 3 أشهر بتقسيمه إلى غرف ويُلحق به الإنارة ويُحضر الأثاث الداخلي للمركز، ليكون المكان مُجهزًا لاستقبال الطلاب.

مدرسة سورية بمصر

رُدهة طويلة مطلية باللون الأبيض، لازالت ألوانها تسُر الناظرين، فذلك الفصل الدراسي هو الأول للمدرسة، الرسومات لا تبرح الحوائط، بعض المقاعد تتراص على جانبي المكان، يتحرك عبد الرحمن وأبرار جيئة وذهابا، أثناء حديث والدتهما إيمان الزند مع أحد المدرسات للاتفاق على إلحاقهما بالمدرسة.

مدرسة سورية بمصر

منذ عدة أعوام قدمت "الزند" مع الطفلين من الشام، تاركة خلفها زوج مُصاب بـ13 رصاصة، وابن -عمره 11 عاما-تم اغتياله على يد جيش "الأسد"، كان الانتقال عسيرا كما الحياة في سوريا، إلا أن الوقت يبلع الصعاب، التحق الأب فيما بعد بالعائلة، منقولا على سرير، بالكاد يتنفس "عمل أربع عمليات في مصر، هرب من بيروت ومن بيروت للقاهرة، وخرج بعد تلت شهور وعشر أيام"، التفاصيل تتذكرها الزوجة السورية كأنها أمس، كأن صغيرها الذي قُتل لازال يلعب في باحة المنزل.

مدرسة سورية بمصر

لم تقنط إيمان من الوضع، حينما تحسن الزوج، حاولت إلحاق أولادها بالتعليم المصري، غير أنها لم تُوفق، المضايقات كانت أول ما اصطدمت به، سواء في التسجيل أو المقابل المادي، أما الأكثر صعوبة كان عدم تأقلم أبرار ذات الـ8 سنوات مع الوضع "بنتي مو انبسطت كان الطالبات يضايقوها وتيجي البيت خايفة ومش عايزة تروح المدرسة".

في حلقات ظل عبد الرحمن -ست سنوات- يدور، يشاغب أخته أبرار على استحياء، دون حركات عنيفة، فقد اُصيب الصغير مع والده وأخيه برصاص في البطن، وتم استئصال الطحال، يحتاج معاملة خاصة، لم يفهمها الأطفال أو المدرسون في المدرسة التي التحق بها مع أخته "كنت أخاف عليه حدا يضربه في بطنه أو هيك فمقدرتش أسيبه يكمل"، لكن زال عنها الهم بعد وقت قضته بجنبات المدرسة السورية المُصغرة "هون هما عارفين الظروف واللي مرينا فيه والآنسات هون متعلمات ومعهن دبلومات ودراسات عليا".

كان عبد الرحمن يلصق أذنيه بسور الشرفة في بلده إذا ما مرت سيارة، يحلم بالعمل بمجال السيارات حين يكبر، بينما أبرار ستصبح يوما طبيبة أطفال كما تتمنى، فقد تخفف القليل عن أطفال سيمرون بما رآه أخوها الأصغر.

6

طابور من البراعم الذين لا يتجاوز عُمرهم الرابعة، يتضاحكون بينما يخرج أحدهم عن الصف، فتعيده "الآنسة- المدرسة"، لهجة الطلاب والمدرسون مُحببة، تحمل شيئا من روح الوطن المفقود، يعتمد مجلس إدارة "بناة الحضارة" على السوريين بالكامل، غير أنهم قد يستقبلون الطلاب المصريين، وكذلك العراقيين والليبيين الوافدين، لكن الاولوية للسوريين خاصة مع زيادة أعداد الطلاب في منطقة 6 أكتوبر "بيوصلوا حوالي 5 آلاف" على حد قول المدير، أما المناهج التي يدرسها الطلاب فهي مصرية تتبع وزارة التربية والتعليم، ويضيف عليها فريق المدرسة الأنشطة التربوية والرياضية الأخرى.

مدرسة سورية بمصر

بالكاد يستطيع القائمون على المشروع تدبير أمورهم، فالهدف من إنشاءه لم يكن ربحيًا، لذا يتحمل جوبي نفقات كثيرة، والمقابل الذي يدفعه الطلاب زهيد نسبة للمدارس الخاصة الأخرى "3000 جنيه مصري نزلناهم من خمسة آلاف عشان الأحوال وعم بنحاول نخصم لبعض اللي ظروفهم أصعب".

على مساحة 1100 متر تقبع –مجازا- مدرسة "بناة الحضارة"، تحوي 27 فصلا في الطابق الأعلى وثماني في الأسفل منهم ستة فصول للمدرسين والإداريين، وصل عدد الطلاب إلى 250 طالبا، وفي ازدياد مستمر، ورغم ذلك لم يتم الاعتراف بهم رسميا كمدرسة "ما في عندنا موافقات عم نستخدم مول تجاري وحصلنا على موافقة من جمعية خيرية وفتحنا كمركز تعليمي"، قال جوبي آملا أن يتغير الوضع في المستقبل.

قبل أن يتم افتتاح المدرسة تأكد المدير أن طلابه جميعا مُقيدون في سجلات إدارة التعليم المصرية "عشان هيك احنا مقيدين بنفس المناهج"، لذا فهم يحصلون على الدروس بداخل المركز، لكنهم سيجرون الاختبارات في مدرستين مصريتين تم الاتفاق معهما "يعني بباص تبع المركز بنصحب الولاد يمتحنوا ونضل معهم"، وسيظل الوضع كذلك حتى تُصبح مدرسة مستقلة بذاتها "عشان هيك بنتمنى على الدولة المصرية تساعدنا" أضاف جوبي.

مدرسة سورية بمصر

قُرعت الأجراس للمرة الثانية، تُعلن بداية فترة الراحة، يخرج الأطفال من الفصول، منحدرين عبر السلالم دون تدافع، الفتيات يحتضنّ بعضهن البعض، الألوان زاهية؛ إذ لم يلتزم الطلاب بعد بالزي المدرسي، في الطابق الأعلى يرشف بعض المدرسين الشاي قبل العودة للتدريس، يدلف الحجرة رشاد أبو اليسر، مُدرس اللغة العربية المصري الوحيد بالمدرسة بالإضافة لمدرس آخر للغة الإنجليزية.

لم يشعر أبو اليسر منذ بدأت الدراسة بغُربة "بل على العكس أول ما جيت استقبلوني استقبال عظيم وأشعورني أني معلم"، قبل أن يعمل أبو اليسر بالمدرسة كان له باع طويل بالمدارس الخاصة المصرية والتي يرى أن معظم القائمين عليها "هدفهم المال وليس التعليم.. يتعاملون بمنطق السخرة لدرجة إن مدير قاللي في مرة انا ممكن بتليفون أجيب 100 مدرس".

مدرسة سورية بمصر

كان رشاد يحصل على راتب شهري أعلى قبل أن ينضم لـ"بناة الحضارة"، غير أنه راض بالمكاسب المادية الأقل، في مقابل "التقدير المعنوي والاحترام"، حتى أن الطلاب يتعاملون بشكل لائق مع كونه مُدرس، وإذا خرج أحدهم عن حدود اللياقة، تكفيه "نظرة واحدة غاضبة" من راشد كي يتوقف أو يعتذر "مش زي مدارس تانية كنت بشتغل فيها وبروح البيت أخد حبوب ضغط من كتر التعب مع الطلاب"، يقول قبل أن تقاطعه فتاة أتت تسأله عن خط النسخ "لأنو عندنا بسوريا الخط رقعة".

في الجزء الخلفي من مبنى "بناة الحضارة"، كانت الباحة المُغطاة بالزرع تستقبل الكبار والأطفال خلال "الفُسحة"، بضع أرجوحات تناثرت يمينًا ويسارًا، يتناوب عليها الصغار، سيدة تبيع المشروبات والحلوى المُعلبة، ورجل يبيع فطائر سورية اجتمع حوله التلاميذ ليشتروا منها، ربما كانت أحد الأشياء القليلة التي لم يتخلَ عنها آل المدرسة من رائحة سوريا.

مدرسة سورية بمصر

ضجت الباحة بأصوات اللاعبين، ومع ذلك فضّل وليد الطويل الجلوس وحيدا؛ طفل ضعيف البنية ذو خمسة أعوام، عندما استمع لصوت طائرة تحلق في السماء نظر بعيون حائرة لا تخلو من الخوف والترقب يتابعها، لسان حاله يسأل "هل ستقصفنا أيضا مثلما قصفت منزلنا في الشام منذ ثلاثة أعوام؟".

مدرسة سورية بمصر

كان وليد في عامه الثاني عندما ضربت إحدى الطائرات منزله، ومنذ ذلك الوقت لم تُمحَ تلك الذكرى من ذهنه، لا يستطيع وليد التناغم مع مدرسته، على الرغم من كونها مجتمع سوري صغير، فيعطي ظهره للتلاميذ والمعلمين داخل صفه، وعندما يسأله أحد عما يشعر يقول "بدي روح ع البيت، ما بحب هالمدرسة بيعلو صواتهن كتير"، تقول والدته التي تبكي من ضعفها وقلة حيلتها مع صغيرها، إن المسئولين عن التأهيل النفسي بالمدرسة، أكدوا أنه سيحتاج لدعم قد يستغرق شهورًا كي يتأقلم.

13

للمدرسة قوانين لا يحيد عنها أحد، أهمها "الكلام في السياسة ممنوع منعا باتا، نحنا مؤسسة تعليمية تربوية لا تتبع طائفة ولا حزب ولا اتجاه"، كما أنهم لا يحصلون على إجازة يومي الجمعة والسبت بل الخميس والجمعة "بعض المواطنين السوريين بيبقى بدهم يروحوا المفوضية أو أي جهة رسمية يخلصوا مصالح ومعهن الولاد"، حتى الآن لم يتعاون صاحب المشروع مع أي مؤسسات مجتمع مدني "كي لا تفرض اتجاهها علينا"، أما الترفيه عن الطلاب فهو أحد القوانين كذلك "نحاول ننسيهم اللي عايشوه في سوريا"، فلم يخلُ المركز من أنشطة رياضية وحفلتين اُقيمت إحداهما عند الافتتاح والثانية في عيد الأضحى تحت شعار "عيدك في مدرستك.. وكان فيه ألعاب وتوزيع هدايا وتعارف بين الطلاب والمدرسين".

مدرسة سورية بمصر

ميكروفون صغير أمسكت به إحدى المشرفات "يلا اطلعوا ع فصلكن"، تنادي على الطلاب، يبقى بعض التلاميذ في الباحة فتعنفهم، بينهم مُلهم، طفل الصف الرابع الابتدائي، يبدو عليه الحس الفكاهي، والمشاغبة والمماطلة كمن هم في نفس عمره، تركت عائلته – والده ووالدته وشقيقه وبيت جده- معضمية الشام، منذ أربعة أعوام، استقلوا سيارة استغرقت خمس ساعات حتى وصلت لمطار لبنان، ومن هناك إلى منزل صديقة والدته بمحافظة بني سويف في مصر، إلا أنهم لم يتمكنوا من البقاء داخلها سوى يوم واحد، ورحلوا إلى أكتوبر، محاولين تأسيس حياة جديدة.

مدرسة سورية بمصر

لا يتذكر ملهم مدرسته في سوريا "ابن الأندلس"، والتي قضى فيها صفوف الروضة، ثم عاميه الأول والثاني الدراسي، ولكنه يتذكر مدرسته الأولى في مصر، تركها بعد شعوره بالظلم لتفضيل أبناء المدرسين والعاملين على باقي الطلاب، وانتقل إلى "بناة الحضارة"، لا يزعجه فيها شيء "بس الباحة صغيرة شوي" وكثرة عدد طلاب الإعدادي، فلا يأخذ حريته هو وأصدقائه أثناء اللعب، لكنه رغم ذلك ينتبه حين تبدأ الدروس لأنه "بدي كون مهندس".

مدرسة سورية بمصر

التأقلم على المكان ليس سمة الطلاب فقط، بل المدرسون أيضا، فزُهير سبسوب، مُدرس الكيمياء، يُزعجه عدة أشياء في المناهج المصرية، أخطاء يراها ولا يستطيع تلافيها لأنه مُلزم بتدريسها "في شغلات كتير في كتب الكيمياء هون نظرية زي كتاب الكيمياء العضوية وفيه شغلات مش مهمة للطالب"، يُقارن المُدرس الوضع المصري بالسوري دون قصد، فرغم أن المناهج هنا أيسر لكن "بعضها مو مدروس جيدا في نظري".

تعرّف سبسوب على المركز بالصدفة، وافق على العمل بمجرد معرفته أنه سيعود للكيمياء، التي عشقها منذ التخرج عام 1977، لكن المشاكل مازالت تقابله مع الأسبوع الأول "المدرسة بلشت والكتاب المدرسي المصري لم يصدر.. ليه معرفش"، اطّلع على كتب السنوات السابقة ووجد أن بعضها لم يُضف جديدًا "كتاب الثالث الثانوي مثلا فيه مناهج قديمة.. كانت محطوطة ع الرف ووضعوها".

مدرسة سورية بمصر

كان اليوم الدراسي قد اقترب من نهايته، الفصول هادئة لا يُسمع فيها إلا صوت المُعلمين، أو صغار الطلاب المُرددين خلف "الآنسة"، أستاذ العربي يشرح علم النحو، وسبسوب يتحدث عن مبادئ الكيمياء، فيما جلست تيام –في الصف الثاني الثانوي- تسمع له، يبدو عليها الهدوء والرقة المفرطة، حين تسألها عن اسمها تجيب بكل اعتزاز "جاية من المتيم بالحب". رغم ما مرت به من ظروف أثناء حياتها في حلب، إلا أن الابتسامة لا تفارق وجهها.

مدرسة سورية بمصر

أجبرت الظروف عائلة تيام على المغادرة وترك بلادها، فبعد رحيل والدها وشقيقها، صحبتها والدتها مع شقيقها الصغير، مودعين شقيقات لم يتمكنوا من الخروج، ذكريات وطرقات وأصدقاء، وتشاء الأقدار أن تحملهم الطائرة من مطار حلب قبل يومين فقط من قصفه وتدميره، ليصلوا إلى الإسكندرية.
وجدت الفتاة نفسها مضطرة للتناغم مع حياة جديدة ومدرسة بمناهج مختلفة "الرياضيات كانت عندنا بالانجليزي، هون بالعربي"، ما استطاعت في بداية الامر اللحاق بباقي الطلاب، إلا أن المعلمات والمدرسين عرضوا عليها وعلى زميلتها السورية الأخرى المساعدة في أي وقت.
مدرسة سورية بمصر

لم يقتصر الأمر فقط على اختلاف المناهج الدراسية، ولكن التعامل اللطيف من قبل المدرسين، ما أثار غيرة باقي الطلاب، فعبروا عن ذلك بالمعاملة السيئة لـلفتاة السورية "خربولي اغراضي وشدولي شعري"، حاولت التحمل في البداية، ولكنها لم تستطع فتحدثت لوالدها، والذي تكلم بدوره مع إدارة المدرسة، من أجل التفاهم مع التلاميذ، وإثنائهم عما يفعلوه.
عام واحد هي المدة التي قضتها تيام برفقة عائلتها في الإسكندرية، وانتقلوا إلى القاهرة بعد ذلك، وقعت الطالبة بقسم العلمي علوم، في عشق "بناة الحضارة"، فالمبني مريح ومختلف عن باقي المدارس السورية، والتي تكون عادة فيلا، تضم فصول صغيرة، لا تكفي العدد الكبير للطلاب "هون أريح للطالب، والاساتذة كتير ممتازين".

يمر بعقل تيام صورة لمدرستها في سوريا "كانت كبيرة وبمنطقة مشهورة كتير"، ولكن مع بداية الأحداث قل العدد بالتدريج، فمع أول انفجار في حلب، فزع الطلاب، وتغيبوا عن الحضور بعد تداول أخبار بشن هجمات قريبة من المدرسة "كانوا بيخافوا كتير، وبيجي الاهالي ياخدوا ولادهم من المدرسة".

مدرسة سورية بمصر

مع تصاعد الأحداث، تغيبت تيام أيضا، على الرغم من حبها للمدرسة في أوقات القصف والهجوم "كنت بتبسط مع رفقاني، خاصة في وقت الضرب، ماكانوا بيعطونا دروس"، ولكن في إحدى المرات استمعوا لأصوات الطائرات فوق المدرسة، ودب الرعب في قلوب الجميع، فعلى الرغم من تماسك معلمتهم، وتأكيدها على طبيعية الموقف، إلا أن اهتزاز الشبابيك، والصخب انتزع أي شعور بالأمان من قلوبهم.

مدرسة سورية بمصر

مايزال أصدقاء تيام في حلب، تتحدث إليهم عندما يستطيعوا الحصول على شبكة إنترنت، ويكون الحديث بحساب مع المراقبة المستمرة "بيقوليلي عايشين، أحسن من غيرنا.. على الأقل في سقف فوق راسنا"، إذا خُيرت الفتاة يوما بين البقاء في سوريا أو الرحيل، ستختار الرحيل، فالوضع في حلب أصبح مأساويا جدًا "وإذا كان في شي بإيدي اقدمه الهن، رح ساعدهم يخرجوا من البلد".

يعيش الإنسان بالأمل، فإذا أضاعه زال عنه السعي والعمل، هكذا حال طُلاب آل "بناة الحضارة"؛ فعلى جدار داخل المدرسة، ثمة شجرة تحمل الأمنيات التي يملكها المدرسون والطلاب، كذلك الطفل الصغير، الذي مدّ يده بأقصى ما يستطيع ليلصق أمنيته على الشجرة كاتبًا فيها "أنام كويس من غير كوابيس"، لتكون ورقة بين أخريات، حملن رغبات أشخاص نزحوا من وطن مكلوم. على تلك الشجرة لازالت الوريقات تنمو، يتمنى أصحابها العودة فقط للوطن سالمين، السير في شوارع الشام، وفي تلك الأسواق الحلبية دون سماع أزيز الطائرات أو استنشاق رائحة البارود.

25

"أرى أمي" هي أمنية أخرى على الفروع الخضراء، لربما تخص طالب نزح دون والدته؛ بعد أن فقدها أثناء القصف، بإطلاق النار العشوائي على منزلهم، أو اختطفها تنظيم داعش وحولها لأسيرة، أو ضاع منها أثناء عملية الهجرة؛ فما أكثر السيناريوهات الحزينة.

26

حتى بعد انتهاء الأحداث، وعودة أولئك الطلاب إلى منازلهم، ستظل شجرة الأمنيات، بما تحمله من معاني شاهدا على ما مر به أطفال في عمر الزهور، ومراهقين حلموا بقضاء فترة من التهور داخل بلادهم، قبل النضج وتحمل المسئوليات، والالتزام بواجبات وطن على الرغم من معاناته، سيظل هؤلاء الأطفال حاملين رايته، ورافعين لوائه.

فيديو قد يعجبك: