إعلان

طه حسين.. ''ولا كلّ من شاف بصير''

07:49 م الإثنين 28 أكتوبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - محمد مهدي:

تتقلص ملامح الصبي الذى لم يتعد عمره 4 سنوات، كاتما تأوهات تنم عن شعوره بألم شديد يتحمله صاغرا، عندما تستقبل عينيه المصابتين بالرمد سائلا تضعه له شقيقته، أوصى به حلاق قرية مغاغة بالمنيا، دون أن تدري إن ''الدواء'' سيُزيد من ظلمته اتساعا، ليتغير مصير أديبنا الكبير ''طه حسين'' الذى ولد عام 1989، ويُكتب عليه أن يتجول باقي عمره في أروقة الظلام، بنيما يُنير بعلمه وأفكاره تاريخ أمه.

يلمع نجم الصبي الكفيف في قريته، بعد حفظه القرآن وهو مايزال ابن التاسعة، متفوقا على أقرانه، رغم إعاقته، ليشق طريقه إلى القاهرة عام 1902 للالتحاق بالأزهر الشريف، ولكنه عانى من الدراسة الرتيبة، والمناهج العتيقة، وعدم ادخال أي تطور في طرق التدريس، بينما عقله يتطلع إلى علم مُختلف متطور يراعي متطلبات العصر، لذا كان أول المنضمين إلى الجامعة المصرية عند افتتاحها عام 1908.

يَنهل ''طه حسين'' من العلوم المختلفة بداخل الجامعة المصرية بصبر وحماس، يدرس العلوم المصرية، والتاريخ والجغرافيا، والعلوم المصرية، وعدد من اللغات، ويحصل على الدكتواره عام 1914 عن موضوع ''ذكرى أبي العلاء'' لتبدأ أولى معاركه الأدبيه بعد اتهامه بالزندقة!

''ويل لطالب العلم إن رضي عن نفسه'' مسترشدا بكلماته لم يكتفِ ''طه حسين'' بحصوله على الدكتوراه من الجامعة المصرية، وسافر مباشرة إلى فرنسا بمنحة تُغطي كافة نفقاته، لاكتشاف دروب آخرى للمعرفة، ليدرس هناك علم الاجتماع والتاريخ، ليمنحه القدر ابتسامه على ملامحه الجامدة، ونور يمس قلبه، عندما ألتقي بزوجته''سوزان بريسو'' تحت سماء مدينة ''مونيليه''  في 12 مايو 1915، لتساعده في تحصيل العلم ومواجهة مصائب الحياه.. ''بدونك أشعر أني أعمى حقا، أما وأنا معكِ فأني أتوصل إلى الشعور بكل شىء، وأني امتزج بكل الأشياء التي تُحيط بي'' هكذا وصف عميد الأدب العربي علاقته بها.

أثار الشاب المتطلع إلى العلم الكثير مع المعارك، لمقارنته المستمرة بين طرق التدريس بالأزهر وفي الجامعات الغربية، كادت أن تُنهي على تطلعاته لاستكمال دراسته، عندما قرر المسؤولين حينذاك حرمانه من المنحه، لكن تدخل السلطان ''حسين كامل'' ليُطلق سراح موهبته بفرنسا بدلا من تكبيلها بقرارت غاضبة، ينفض ''طه حسين'' عنه هذه المعارك وينطلق في طريقه ليحصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني، والدكتوراه عن ''الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون'' في عام 1918.

أستاذ للتاريخ اليوناني والروماني بالجامعة المصرية، مسمى منصبه الجديد بعد عودته من فرنسا عام 1919، ثم أستاذ لتاريخ الأدب العربي بكلية آداب، ثم عميدا لها 3 مرات، في المرة الأولى عام 1928 قضى يوم واحد وقدم استقالته، وفي سنة 1930 عاد إلى منصبه لكن نُقل بسبب رفضه منح الجامعة الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات السياسية مثل علي ماهر، ثم عاد مرة آخرى في عام 1936 واستقال بعد خلاف مع حكومة محمد محمود.

''إن العلم كالماء والهواء حق لكل إنسان'' شعار يُصبح دستورا في حياه ''طه حسين''، يسعى لتطبيقه في أرجاء البلاد، ويقود دعوة طموحة لإقرار مجانية التعليم عقب توليه منصبه كوزيرا للمعارف بمرسوم ملكي في عام 1951، ويولي اهتماما بالغا بتأسيس عدد من المدارس والجامعات، ويؤكد على ضرورة الاهتمام باللغة الفصحى والاعتماد عليها بشكل كبير، والابتعاد عن العامية ''مازلت من أنصار الفصحى ومن خصوم العامية.. لأن الفصحى هي الطريقة الوحيدة لتحقيق الوحدة بين الأمة العربية، إن كتبت بالعامية لن يفهمك إلا المصريين فقط''.

معارك لا تنتهي خاضها عميد الأدب العربي، طوال حياته، بدايه من معارك الطفولة مع ''العفاريت'' التي كان يختبىء منها أسفل لحافه، مرورا بمعركته الأبدية مع الظلام بعد أن فقد بصره، ثم انضمامه إلى الأزهر في القاهرة الصاخبة، وأفكاره الناضجة الصادمة التي تُثير عاصفة من الانتقادات وصلت في عام 1926 عندما أصدر كتاب ''في الشعر الجاهلي'' إلى حد اتهامه بالكفر، وتقديمه للمحاكمة بتهمة الإساءه المتعمدة للدين والقرآن، فقط لأنه حاول أن يُفكر ويستنتج في بلاد أعتادت على الرتابة والتسليم بالأفكار البدائية والتقليدية، لكن تم تبرأته معتبرين كتابه ممُجرد بحث لا يوجد فيه تعمد الإساءة للدين، ليُغير ''طه حسين'' اسم الكتاب مع بعض التعديلات إلى ''في الأدب الجاهلي''.

بينما تنشغل البلاد بما يدور بشأن نتائج المعركة مع إسرائيل، في أكتوبر عام 1973، وتحديد يوم 28، كانت الكلمات الأخيرة من ''طه حسين'' لزوجته، بمنزله بشارع الهرم، في غياب أبنائه ''أمينة'' و''مؤنس'' لظروف تواجدهما خارج البلاد، يُذكرها في أخر لحظات الوداع بأول لحظات اللقاء، وما كتبه عنها ''منذ أن سمع صوتها لم يعرف قلبه الألم''، ثم يرحل في هدوء تاركا علم واسع مرشرش في كتبه وفي عقول تلاميذه.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك... اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان