إعلان

6 سنين ثورة.. "عم علي": قللنا اللحمة وقطعناها حتت صغيرة.."مدام بالك رايق كأنك أكلت خروف"

01:06 م الأربعاء 25 يناير 2017

عامل النظافة

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - مها صلاح الدين:

جسد نحيل، ووجه أسمر شاحب يجاهد لإخفاء الحزن، ومع هذا يحرص "عم علي" عامل النظافة الستيني، الأب لخمسة أبناء، على استقبال كل المترددين على مكان عمله أعلى نفق المريوطية المؤدي إلى شارع الهرم الرئيسي كل صباح، بالابتسامات والدعوات، وهو ما كرره معي قائلا: "مش هتصبحي عليا ربنا يفرح قلبك".

يمد يديه اليمنى خشنة الملمس ليصافحني، بينما يمسك بيده اليسرى مكنسته البدائية ذات الذراع الطويل، ثم ينهال على بالدعوات بصوت مبحوح، ويلتفت ليساعد في ركن سيارة فارهة على أحد جوانب الطريق، ومن ثم يغمر صاحبها بالدعوات أيضا.

"عم علي" انتفض حينما سألته: "إنت عارف يا عم علي إن النهاردة الذكرى السادسة للثورة؟"، تخلى عن ابتسامته في هلع، مستنكرا: "عارف.. أنا مبسألش في حاجة، ومبحبش الحاجات دي، حتى الكورة ماليش فيها"، وكأنه ينفي عن نفسه تهمة.

"الجو حلو وهيبقى حلو إن شاء الله بس الصبر" هكذا رد الرجل الذي ارتدى جاكت أخضر تتوسطه خطوط بيضاء، فوق بذلة العمل الزيتية اللون، علينا حينما سألناه عن مدى اختلاف الأحوال قبل وبعد الثورة، فهو يعمل منذ زمن بعيد، حتى أنه لم يتذكر كيف كانت بدايته، وأصبح كل حلمه حاليا تعليم ابنيه الأصغر، حتى لا يكون مصيرهم الشقاء مثل أشقائهم الثلاثة الكبار المتزوجين والذين يعملون في العتالة.

عامل النظافة

منع "عم علي" دموعه من الانسياب، لتبقى على حافة عينيه، وهو يتحدث لـ"مصراوي" عن يوميته التي يتقاضاها بعد الثورة من عمله الوحيد، قائلا: يوميتي وصلت 25 جنيها بعد الثورة، وقبلها كانت لا تتعدى العشرة جنيهات، لكن كانت تكفي احتياجاتي.

الصبر والانتظار، وتقدير الخير، مبادئ انتهجها الرجل الأمي، -الذي رفض التقاط صورة له-، للصمود أمام ضنك العيش، فكل شيء يوما ما سيكون على مايرام، إذا توسم الشعب الخير في الله. يقول: "ما في ناس مبسوطة وتقول لأ أنا جعانة وتعبانة، وناس مبتاكلش وتقول الحمد لله وتشبع".

اعتادت زوجة "عم علي" منذ زواجهما على شراء كيلو لحم أسبوعيا، وتحضير الطعام كل أربعاء، رفض الرجل النحيل تغيير هذه العادة رغم ضيق الحال بعد الثورة، واكتفى بتوصية زوجته بتقليل الكمية، وتقطيع اللحم قطعا صغيرة، ليكفي لأكبر عدد من أيام الأسبوع.

وعلى الرغم من ذلك لا يسمح عامل النظافة العجوز يتسلل الحزن إلى قلبه، فيفرغ كافة همومه في دفع مكنسته البدائية، ودعواته للمارة، موصيا بنصائحه: "سيبها على الله ترزق وتنبسط".

"مدام بالك رايق كأنك أكلت خروف" راحة البال هي أكثر ما يسعد "عم علي" في الحياة، فهو لا يعبأ بأيام "مبارك" التي انقضت، ولا أيام ما بعد الثورة، وينتفض كلما يقترب الحديث من السياسة، وحينما سألناه عما إذا كان يلوم شباب الثورة، اختتم قائلا: "معرفش.. ربنا يهديهم".

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج