إعلان

أم الشهيد45 في محمد محمود: دم ابني هيفضل ''لعنة'' على مصر حتى القصاص - صور

02:46 م الثلاثاء 19 نوفمبر 2013

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

حوار- محمد أبو ليلة:

الشارع يمتلئ بالمتظاهرين وسيارات الإسعاف تعلن وجودها، مع صوت هتاف ''الشعب يريد إعدام المشير''، أعمدة الإنارة بدأت في الانقطاع، ودخان القنابل يشعل الهتاف أكثر، الظلام كان دامس، والشرطة مستمرة في إطلاق النار على المتظاهرين، والدرجات البخارية (موتوسيكلات) تحاول إنقاذ الضحايا، وشباب في عمر الزهور بعضهم فقد بصره والأخر فقد حياته.

في يوم 20 نوفمبر، لكن قبل عامين.. في اليوم الثاني من اندلاع أحداث شارع محمد محمود.. وعند الخط الأمامي للشارع أمام قوات الشرطة مباشرة.. كان أحمد محمد صالح طالب الفرقة الرابعة بكلية نظم ومعلومات، مع زملاءه يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من القتلى والمصابين الذين سقطوا أمام أعينهم.

انحنى ''أحمد'' محاولا انقاذ أحد الذين سقطوا بجانبه من رصاص الشرطة، لكن من أطلق الرصاصة آبى أن يمارس ''أحمد'' دوره في الإنقاذ.. فإصابة بطلقة اخترقت رقبته، تسببت في تهتك للحبل الشوبكي، ظل بعدها ''أحمد صالح'' 20 يوما في العناية المركزة، إلى أن فارق الحياة يوم 10 ديسمبر من العام نفسه، ليصبح الشهيد رقم 45 في أحداث محمد محمود.

في منزله

في الذكرى الثانية لهذه الأحداث التي راح ضحيتها 54 شخص، وأصيب المئات، لايزال أهالي الشهداء يعانون من تجاهل الدولة لهم، لازال القصاص من قتلة أولادهم ''غائب''.. والدة الشهيد أحمد صالح اشتكت في حوار خاص مع مصراوي من غياب العدل حتى الآن، فتقول ''مافيش عدالة انتقالية، لسه لحد دلوقتي بعد سنتين بيضحكوا علينا، مافيش حق رجع''.

في منطقة السيدة زينب حيث تسكن عائلة ''أحمد صالح''، استقبلتنا أسرته بحفاوة تعودت عليها، ولاسيما فقد أصبح منزلهم -المزين بصورة كبيره لابنهم- مزارا لعدد كبير من شباب الثورة.

''أحمد لم يكن له أي انتماء سياسي كان شاب طموح يريد أن تتغير البلد للأفضل، ماكنش بيرضى بالظلم، كان بينزل من 25 يناير في التحرير وفي اللجان الشعبية، كان في أخر سنة من دراسته، ربنا ما أرادش أنه ياخد شهادة دراسته، لكنه أعطاني أعظم شهادة في الدنيا لما ربنا اختاره يبقى من شهداء محمد محمود''.. قالتها والدته بنبرة رضى تام عن قضاء الله وقدره.

كان أحمد صالح ''الركن'' الأساسي لأسرته، لم تكن والدته تعلم ماذا حدث في 25 يناير، لكنها كانت قلقة عليه كلما ترك منزله وقت الأحداث.

قبل استشهاده

يوم 18 نوفمبر من عام 2011، كانت التظاهرة التي دعا لها المرشح السابق للرئاسة حازم أبو إسماعيل، وتهدف إلى تسليم المجلس العسكري السلطة، وكان أحمد صالح من ضمن المنظمين لهذه الفاعلية مع عدد من شباب الثورة، لكنه لم يشارك فيها، وظل في منزله يتابع الأخبار على شاشة التلفزيون.. على غير عادته، التي قلما شاهد فيها أخبار سياسية، وهذا ما أقلق شقيقته.

''أبني كان منشغل جدا بالأحداث، يوم السبت 19 نوفمبر، لبس هدومه فجأة، وقالي أنا نازل ياماما، قلتله بلاش يا أحمد أنا قلبي واجعني، قالي لا ياماما انتي مش شايفة الأحداث عاملة أزاي، قالي والله ياماما مش بعمل حاجة وحشة، مكنتش مدركة حجم الدمار في شارع محمد محمود، ومكنتش مدركة الشجاعة اللي كان فيها أحمد والولاد''، تقول والدته.

ظل ''أحمد'' في تلك الفترة ينقذ المصابين على خط النار في شارع محمد محمود، يحمل في يده(بخاخة.. كيس قطن.. خل)، ويرتدي كوفية تحميه من قنابل الغاز المسيل للدموع.. لا تزال تلك الأدوات داخل مكتبة المنزل، بجوارها (وردة) كان قد أعطاها أحمد لوالدته ذات مرة في عيد الأم، وبجوارها صورة لأحمد رسمها له أحد أصدقاءه، وعدد من شهادات التقدير والتكريم لأسرته.

عاد ''أحمد'' لمنزله صباح يوم الأحد 20 نوفمبر وحدثت مشادة خفيفة بينه وبين والده، حيث يقول والده ''طلبت منه ألا ينزل للميدان وقلت له.. أنت مش شايف اللي في التلفزيون، رد عليا بعصبية :اللي بتشوفوه في التلفزيون كدب، أنزل شوف الحقيقة بنفسك، وقتها أدركت أنه تحت ضغط نفسي كبير لأنه كان ينقذ المصابين في الأحداث ورأى الدم أمام عينيه''.

قبيل استشهاده بساعات، كان نائم في غرفته، وبعد ان غادر والده المنزل عات مرة أخري واتجه لغرفته ووجده لا يزال نائما فقال ''ربنا يهديك ويحفظك يا بني، ''الآن اعرف انها كانت لحظة الوداع بيني وبين ابني''، هكذا يتذكر والده.

عنبر الموت

استيقظ أحمد من نومه فجأة يوم الأحد وارتدى ملابسه بسرعه، وبعد مناقشات بينه وبين والدته، غادر منزله، تاركا ''برتقالة'' أعطتها له والدته، لكنه طلب منها أن تحتفظ بها حتى عودته، ولاتزال تلك البرتقالة موضوعة على المكتبة الخشبية بجانب صورته حتى ذبلت.

توجه ''أحمد'' إلى شارع محمد محمود، ليمارس مهامه في إنقاذ المصابين، وبعدها أصيب في رقبته، كانت إصابته حرجة، رفضت مستشفى القصر العيني الفرنساوي استقباله، ونقلته إلى القصر العيني (عنبر رقم 5).

تقول والدته مسترجعة شريط ذكرياتها ''أحمد كان في الرعاية المركزة في القصر العيني في عنبر رقم 5، أنا بسميه عنبر الموت، مكانش فيه رعاية هناك أصلا، اتقالي إن ابني كان بينزف أربع ساعات ومافيش حد بيسعفه في القصر العيني''.

''وتضيف مش هقول كان ممكن يعيش، ده عمره، لكن الأطباء المفروض يبقى عندهم رحمه ويعالجوا المصابين، حتى لو جاتلهم أوامر بعدم العلاج، قمة الذل اللي شفناه على أديهم، مكانشي يهمني أقعد العمر كله على البلاط هناك استناه بس أبني يعيش''.

القصاص

بعد فوز محمد مرسي بالرئاسة دعا عدد من أهالي شهداء الثورة لمقابلته في القصر الجمهوري، وكان من بينهم والد أحمد صالح، حينما اقترب مرسي منهم وأثناء سيره على ''سجادة حمراء'' داخل القصر، قال له والد أحمد صالح: ''السجادة اللي أنت واقف عليها لسه مليانة بدم ولادنا وكل الشهداء، وهما اللي جابوا في المكان ده، أوعى تفرط في دمهم عايزين حقه''.

''وعدنا في نفس الوعد اللي قاله في ميدان التحرير أول ما بقى رئيس، وقال لنا دم ولادكم عندي وحقوقكم كلها هترجع لكم وسأقتص من القتلة، ومر عام ولم يتهم أحد كل القضايا تجمدت، لا تحقيقات جدية، ولا نية أو إرادة من أي نظام لتحقق القصاص من قتلة الشهداء''، هكذا يقول والد أحمد.

تلتقط طرف الحديث والدة ''أحمد'' لتؤكد ان ''مال الدنيا كله'' لا يعوضها فقدان ابنها، وتشدد على انها لا ترضي بغير القصاص، كما طالبت ان يخلد اسم ابنها بإطلاقه على أحد الشوارع أو المدارس، لكنها لم تجد أي استجابة.

''دم الشهداء لازم تجيبوه ولو مجبتوش هيفضل لعنة على مصر لغاية يوم القيامة، وأي حد هيجيي بعد مرسي لو مجابش حق ولادي هيفضل دم الشهداء يطارده لغاية مايبقي فيه عدالة من جديد'' هكذا تقول بكلمات يملؤها الحسرة والآسي.

ورغم ما تشعر به من مرارا لا انها تعود وتحمد الله وتقول ''الحمد لله انا لاقيت ابني، فيه أمهات كتير في محمد محمود لغاية دلوقت متعرفش فين ولادها ،الحمد لله ان ابني ما اترماش في الزبالة''.

الموجة

ورغم خلافها السياسي مع جماعة الإخوان المسلمين والرئيس السابق محمد مرسي لكنها في الوقت نفسه تتعاطف مع ضحايا الإخوان الذين سقطوا خلال الثلاثة أشهر الماضية، معتبرة أن دم المسلم على المسلم حرام، ومهما كان.

ومع ذلك هي ترفض النزول يوم 19 لإحياء الذكري، لإن الإخوان ''عايزين يركبوا الموجة'' على حد تعبيرها، كما ان الجيش والشرطة يدعوا للاحتفال بهذا اليوم.

وتطرح سؤال على المشاركين في هذا اليوم ''هتعملوا ايه عشان تجيبوا حق ولادنا؟''، لكنها تعود لتجيب سريعا انها لن تشعر بالراحة إلا بعد القصاص من المجلس العسكري وعلى رأسهم المشير حسين طنطاوي وسامي عنان، بالإضافة إلى ''القصاص من الشرطة اللي قتلت أبني''.

وبينما الدموع تملأ عينيها، عبرت عن أمنيها بأن تلحق بانتها في الرفيق الأعلى، وتقول ''دايما بكلم أبني وبقوله أنت قريب من ربنا يا أحمد.. أطلب منه ياخدني عندك''.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة..للاشتراك ...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك:

لا توجد نتائج