إعلان

رحلة "مصراوي مع سائق الخير" بالسويس.. يبحث عن أصحاب المعاشات ويرفض الأجرة.. صور

04:04 م الأحد 29 نوفمبر 2020

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

السويس - حسام الدين أحمد:

يمر "عم سيد" في رحلته المعتادة أمام مستشفى التأمين الصحي، كما اعتاد منذ 20 عامًا بسيارته الأجرة، في حي الأربعين بالسويس، إلا أن تلك الرحلة كانت مختلفة حينما رأى مسنين فتوقف لهما ليقلهما، إلا أنهما لا يملكان قيمة الأجرة، فطلب منهما الركوب، وكانت نقطة التحول.

"مصراوي" استقل سيارة "سائق الخير" ليرافقه في رحلته المعتادة ويرصد آراء وردود فعل المواطنين وكيف يتعاملون معه.

"الفلوس زادت مقلتش وبركتها كترت".. يخبرنا الرجل الستيني تعليقًا على مبادرته لركوب أصحاب المعاشات مجانًا في سيارته الأجرة.

مبادرة عم سيد رزق 65 سنة، لم تكن الأولى، فعقب ثورة 25 يناير أعلنها على زجاج سيارته الخلفي والأمامي "ركوب رجال الجيش والشرطة مجانا" يخبرنا صاحب السيارة أن مبادرته كانت بدافع وطني وسعيا منه للمشاركة ودعم عناصر الجيش والشرطة في مدينة السويس، والذين تولوا أعمال تأمين المدينة وحماية المنشآت في الفترة العصيبة أحداث الانفلات الأمني التي أعقبت الثورة.

"سائق الخير" كما يلقبه أهالي ضاحية حوض الدرس، قضى نصف حياته عاملًا بحريًا على السفن التجارية، زار خلالها أكثر من نصف دول العالم، جمع من تلك الرحلات ثقافات وقيم إنسانية يحتفظ بها مع أخلاق وشهامة المصريين، وعاد منها ليستقر في السويس مع زوجته وبناته الثلاث اللاتي رعاهن حتى وصلت أسماء لطالبة بالسنة النهائية بكلية التجارة لغة انجليزي، والتحقت آلاء بمعهد الحاسب الأولى، أما أصغرهن إسراء فهي الطالبة بالفرقة الأولى بكلية التربية.

"كنت راجع للأربعين، شفت اتنين مسنين واحد فيهم إيده متجبسه، واقفين أمام مستشفى التأمين الصحي وقفت ليهم عشان يركبوا، لكن قالوا معناش فلوس" يحكي عم سيد لموقع "مصراوي" ويضيف أنه طلب منهم الركوب واستجابا بعد إلحاح منه.

سبق ذلك بيوم مشهد آخر، إذ توقف السائق لرجل كبير في السن كفيف يتوكأ على يد زوجته، بطبيعة عمله يمر عم سيد على مستشفى التأمين الصحي في كل رحلة، ويعلم أن كبار السن يحضرون إما للكشف الطبي أو لصرف العلاج الشهري، إلا أن الزوجين أخبراه أنهما سيعودان سيرا، ففهم الأمر ورد "اركبوا والأجرة وصلت".

اعتبر السائق أن ما حدث إشارة لُيقدم على خطوة فعل الخير والدعم بقدر أكبر، وتذكر قرار الحكومة بإعفاء من تجاوز 70 عام من قيمة تذاكر ركوب وسائل النقل العام، فقرر أن يبادر وتوجه للخطاط وطلب منه كتابة الجملة التي تميز سيارته "الركوب مجانًا للمعاشات"

"الأجرة جنيه ونص، هو مبلغ بسيط لكن في ناس بيكون مش معاها فلوس.. في أصحاب معاشات بيقبضوا 1000 جنيه أو أقل" يوضح عم سيد أن المحطتين الرئيسيتين لخط "الأربعين - حوض الدرس"، هما مستشفى التأمين الصحي ومساكن هيئة قناة السويس، وسواء كان المترديين على المستشفى أو المساكن فأغلبهم من كبار السن وأصحاب المعاشات المقيمين بالمساكن.

يقول عم سيد، "البركة حلت في رزقي وأن إيراد السيارة الميكروباص زاد، وقلت أعطال السيارة"، ليبتسم قائلًا: "زمايلي في الموقف استغربوا مني لأن المعاشات كتير على الخط، لكن دي بركة ربنا" وتابع: "لو كل فرد سعى وبدأ بنفسه وساعد غيره وتكاتف الجميع في شكل إيجابي سيكون لذلك الأثر الجيد على المجتمع ككل.

كان لموقف عم سيد عائدًا إيجابيًا أيضا على أسرته إذ دعموه في قراره، ويحكي أنه تحدث مع زوجته قبل أن يتوجه إلى الخطاط، وأخبرها أنه قرر أن يعفي أصحاب المعاشات من دفع الأجرة، "لم تعترض زوجتي ولكن سألتني بتعرفهم إزاي، قلتلها من السن والشكل" يستطرد أن الزوجة وافقت ولم تنشغل بأمر الإيراد اليومي وتأثير ذلك على دخل الأسرة، ودعت له أن يبارك الله في رزقه.

"الولاد في البيت فرحانين، إسراء بتقولي زميلاتها في الكلية بيغيروا منها بسببي، وفخورة بيا وبالخطوة اللي عملتها" يحكي الأب مردود مبادرته على بناته.

يؤكد الرجل الستيني أن المال ليس بالكثرة وإنما بالبركة فيه، ويحكي عن مشادة كلامية دارت بينه وبين ركاب من أصحاب المعاشات يعملون باليومية لدى مقاول في إحدى الشركات.

" كانوا من سكان حوض الدرس، واليومية بتاعتهم أقل من 40 جنيه، ركبوا معايا ورفضت أخذ منهم أجرة، راكب جنبي سمع الكلام سأل الركاب وفهم سبب الخناقة" وتابع أن الراكب سأله عن تكلفة تموين السيارة بالوقود يوميا، فرد مازحًا "حزمتين برسيم" فدفع 200 جنيه وقال لي "دول حساب الكرسين يا عم سيد، أنا مش أقل منك والناس الكبيرة ليهم حق علينا كلنا".

نمر بالسيارة التي تحمل لوحات "ط س د 8376" أمام مستشفى التأمين الصحي، فيقول عم رزق: "النهاردة بيحضر 40 أو 50 واحد معاشات للمستشفى كل يوم، بكرة لما يتطبق التأمين الصحي الشامل في السويس هيكون العدد بالألف والرزق هيزيد وركاب المعاشات كمان وده بركة الرزق من ربنا".

داخل مدينة حوض الدرس، يطلب راكب من السائق التوقف لينزل هو وابنته، قدم الأجرة لكن عم سيد كعادته رفضها، يخبرنا محمد السيد من أصحاب المعاشات في الهيئة، أن "سائق الخير" يرفض قبول أي مبلغ من أصحاب المعاشات، أو ذويهم الأصغر سنا، حتى أنهم في بعض الأوقات يتهربون منه إلا أنه يصر على ركوبهم معه، ويتابعهم في الطريق ويتوقف حتى يركبوا سيارته.

فيديو قد يعجبك: