إعلان

رفض الذهب واختار الدفاع عن وطنه.. وثيقة نادرة تؤرخ قصة أول شهيد في ثورة 1919

02:54 م الجمعة 19 أبريل 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الإسكندرية – محمد البدري:

مع مرور الذكرى المئوية لثورة 1919 لا تزال مشاهد خروج الشعب المصري للمطالبة بالاستقلال عالقة في الأذهان، لاسيما وأن أيامها الأولى شهدت سقوط عشرات المصريين بين مصاب وشهيد برصاص قوات الاحتلال الإنجليزى، وبين هؤلاء الضحايا لم يغفل التاريخ واقعة أول شهيد في الثورة ليتم الكشف عن هويته في وثيقة تظهر للمرة الأولى في الإسكندرية بعد 100 عام على الثورة.

"مصطفى ماهر أمين" أول شهيد في مارس سنة 1919، حسب الوثيقة التي جرى الكشف عنها في الإسكندرية خلال عرض مقتنيات نادرة للزعيم الراحل سعد زغلول، بمتحف الفنون الجميلة، التابع لوزارة الثقافة بالإسكندرية بمناسبة الاحتفال بمئوية الثورة.

اسم وصورة وحلم بالاستقلال

"هذا هو أول شهيد قتل في مارس سنة 1919 حين هبت مصر رجالا ونساء، شيبا وشبانا تطالب بحريتها واستقلالها وترفع صوتها عاليا لتنال حقوقها."، بهذه الكلمات سجلت الوثيقة التي أرخها المواطن طاهر الطناحي قبل 100 عام، وعرضها متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية، اسم الشاب مصطفى الذي كان طالبا بالصف الثالث الثانوي، بجانب صورة وحيدة له، كأول شهيد في ثورة 1919، وذكرت لمحات من حياته القصيرة وعدد من المشاهد الأخيرة قبل فراقه الحياة داخل أحد المستشفيات متأثرا بجراحه.

كيف كانت حياته

وفقا لما ذكرته الوثيقة "كان مصطفى ماهر أمين طالبا في السنة الثالثة الثانوية بمدرسة السعيدية، مليئا بالنشاط والحماس، شرب منذ الصغر حب الوطن، وكان يقرأ تاريخ مصر، فيعجب بما كان لها من مجد وعظمة، ثم ينثني فيرى هذا المجد قد زال وتلك العظمة قد بادت، ولم يبق منها إلا آثار تشهد بما كان لمصر من حضارة وسيادة وسلطان، ثم يرى جيش الاحتلال وقد ملأ مصر من شرقها إلى غربها".

يتابع المؤرخ: "كان الشاب اليافع يرى الحال التي انحدرت إليها مصر في أيامها الأخيرة، فيقارن بينها وبين ما تعلمه من تاريخ مصر وما قرأه من مجدها، فتضيق نفسه ويثور الشعور الوطني في قلبه ويود أن يرى مصر حرة مستقلة، سيدة لنفسها لا مسودة لغيرها."

بم تكافئني يا أبي؟

وذكرت الرواية الموثقة موقفا وقع بين مصطفى ووالده في آخر أيام المرحلة الثانوية وقبل أيام أيام من وفاته جاء فيها "جلس مصطفى مرة إلى أبيه، فقال له "بم تكافئني يا أبي إذا أخذت البكالوريا؟" فأجابه والده "أشتري لك ساعة وسلسلة من الذهب لا يقل ثمنها عن 10 جنيهات"، فطلب الابن أن يعده والده بالالتحاق بمدرسة الحقوق عوضا عن الجائزة الذهبية، وعندما سأله والده عن السبب؛ أجاب مصطفى بأنه يريد أن يصبح محاميا من أجل الدفاع عن وطنه المظلوم.

لم يشأ القدر لمصطفى أن يحقق أمنيته بالالتحاق بمدرسة الحقوق، في الأيام الأولى من شهر مارس عام 1919 خرج مصطفى ليشارك جموع حاشدة من زملائه الطلبة، ينادون باستقلال مصر، وتقدم الشاب المصري الصفوف هاتفا في زملائه دون أن يشعر بما يخبئه القدر.

رصاصة غادرة

خلال تلك الموجة أصيب مصطفى برصاصة صوبها إليه أحد ضباط الاحتلال الإنجليزي استقرت في صدره، ووفقا للشهادة الموثقة لم تنه تلك الرصاصة حياته على الفور إذ حاول الوقوف لاستكمال المسيرة إلا أن النزيف كان قد اشتد وخارت قواه فاستسلم للضعف وانطرح أرضا، وهو لا يزال يتمتم باسم مصر، حتى جرى نقله إلى المستشفى العباسي لتلقي العلاج.

ليلة قاسية

داخل المستشفى كان مشهدا آخر من الملحمة الوطنية شهد عليه من عاصروه وفقا للوثيقة التي تؤرخ للحدث، ووفقا للرواية الموثقة، قضى مصطفى ليلة قاسية خلال الساعات الأولى من إصابته، إذ كان يصيح باسم مصر كلما عاد إليه الوعي وهو ملقى على أحد أسرة المستشفى، حتى غلبه نزيف الدم الذي يتجمع في رئتيه وينفثه من فمه بشديد الألم، ليغيب عن الوعي مرة أخرى.

اللحظات الأخيرة

لم تمض ساعات معدودة حتى كان الشاب المدافع عن وطنه في اللحظات الأخيرة قبل الفراق ينتظر مصيره المتوقع، وينظر إلى من حوله من والديه ورفقائه بعينين لم تغب عنها الدموع فيما بدا وكأنه عز عليه أن يموت صبيا صغيرا لم يبلغ آماله بعد، ووسط حتى خرجت روحه إلى بارئها مستسلما راضيا في سبيل مصر.

كتاب يؤرخ يوم الوفاة

ووفقا لما جاء بكتاب "ثورة 1919" للمؤرخ عبد الرحمن الرافعى، شهد يوم الاثنين 10 مارس 1919، إضرابا عاما بجميع المدارس والأزهر، وألف الطلاب مظاهرة كبرى، انضم إليهم فيهم من صادفهم من أفراد الشعب، فسار الجميع منادين بسقوط الحماية البريطانية على البلاد، حتى سقط أول شهداء الثورة.

وذكر الكتاب أنه بالرجوع إلى دفاتر وفيات أقسام العاصمة فى شهر مارس 1919، قيد في دفتر وفيات قسم السيدة زينب، قيد وفاة غلام مصرى وآخر مجهول يوم 10 مارس ، وإنهما أصيبا فى حادثة المظاهرات فى هذا اليوم.

صحف منذ 100 عام

وقال الدكتور إسلام عاصم أستاذ التراث بالمعهد العالي للسياحة، أحد القائمين على معرض ثورة 1919، أكد في تصريح صحفي، أنه جرى الاستعانة بالعديد من وثائق أصلية وصحف الكتب التي عاصرت فترة الثورة قبل 100 عام، لتأريخ أحداث الثورة في الذكرى المئوية لها، مشيرا إلى أن المعرض يمثل عرض متحفي موثق بطرق حديثة يجمع بين الفن والتاريخ.

وقال على سعيد، مدير متحف الفنون الجميلة إن المعرض ضم متعلقات شخصية للزعيم سعد زغلول من مقتنيات بيت الأمة بجانب مقتنيات خاصة بصفية زغلول، كما ضمت مجموعة المعرض الذي حمل عنوان "ثورة 1919 في مائة عام "رؤية جديدة.. حقائق منسية.. أحداث لم تنشر"، منحوتات أصلية للفنان محمود مختار من مقتنيات متحفه بالقاهرة، والدوريات والصحف الأصلية التي تحتوي على أخبار الأيام الأولى لثورة 1919 من مقتنيات مكتبة البلدية.

فيديو قد يعجبك: