إعلان

هل تخرج الانتخابات النيابية لبنان من عنق البنكوقراطية؟

05:49 م الثلاثاء 10 مايو 2022

الانتخابات النيابية لبنان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

بيروت - (ا ف ب)

بعد تصويت المغتربين في الانتخابات البرلمانية، يستعد الناخبون اللبنانيون بدورهم لخوض غمار محطة سياسية في غاية الأهمية، يراهن عليها البعض لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية الخانقة. وتحاول بلاد الأرز مع هذه الانتخابات كسب ثقة المؤسسات الدولية مجددا والداعمين لها، لفتح صنبور القروض والمساعدات التي لا غنى عنها لإعادة الحياة لاقتصاد محلي في حالة شلل تام، و"الانعتاق" من نظام مصرفي "بنكوقراطي وضع يده على مدخرات المواطنين".

وتجرى هذه الانتخابات في الداخل اللبناني عقب إدلاء جالية البلد بأصواتها في العديد من دول العالم، للمساهمة في المرحلة السياسية المقبلة من البلاد، بأمل أن تحمل مؤشرات جديدة للقطع مع العديد من الممارسات في الحياة السياسية والاقتصادية، دفعت اللبنانيين في أكثر من مناسبة للخروج إلى الشارع للاحتجاج.

وبلغت نسبة تصويت المغتربين في الانتخابات البرلمانية، التي جرت يومي الجمعة والأحد في 58 دولة، نحو ستين في المئة، وفق أرقام أولية أعلنتها وزارة الخارجية الاثنين. وصوت حوالى 130 ألف مغترب لبناني من أصل 225 ألفا، مسجلين في القوائم الانتخابية. وكانت هذه المرة الثانية التي يُتاح فيها للمغتربين اللبنانيين المشاركة في العملية الانتخابية.

سنوات من التوتر واستفحال الأزمة الاقتصادية

اهتز الشارع اللبناني في مناسبات مختلفة رفضا لضرب قدرته الشرائية وتدهور الأوضاع المعيشية. وشكلت 2019 نقطة الذروة في العداء بين اللبنانيين والنخب الحاكمة، عندما حاولت الحكومة تطبيق إصلاحات لنيل الدعم الأجنبي على حساب جيب المواطن اللبناني.

في أكتوبر من نفس العام، أوقد إجراء حكومي لفرض ضرائب على المكالمات عبر الإنترنت فتيل احتجاجات حاشدة، شاركت فيها طوائف مختلفة، اتهمت النخب الحاكمة بالفساد وسوء الإدارة، استقال على خلفيتها رئيس الحكومة وقتها سعد الحريري.

وفي يناير 2020، تشكلت حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، إلا أنه لم يتمكن من قيادة سفينة البلاد إلى بر الأمان وسط التجاذبات التي أفرزها انفجار مطار بيروت، ما زاد من تعميق المشاكل الاقتصادية للبلاد.

ولم تعمر حكومة دياب طويلا لتستقيل بدورها بعد أشهر على تشكيلها، لكنها واصلت تصريف الأعمال إلى غاية سبتمبر 2021، ليتم تكليف الحريري مرة أخرى بتشكيل حكومة جديدة إلا أن الخلافات حول الحقائب الوزارية، أجهض محاولاته في إيجاد توليفة لها في خضم تفاقم الانهيار الاقتصادي.

وفي أغسطس، أعلن البنك المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل دعم واردات الوقود، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وتسبب في أعمال عنف متفرقة في محطات الوقود.

وبعد أكثر من عام على الخلافات حول الحقائب الوزارية، تم الاتفاق أخيرا على حكومة جديدة بقيادة نجيب ميقاتي. لكن الوضع الاقتصادي في البلاد يزداد تدهورا. ففي يناير من العام الجاري انخفضت الليرة اللبنانية إلى 34 ألفا مقابل الدولار قبل أن يعزز تدخل البنك المركزي قيمة العملة المحلية. كما وجه البنك الدولي انتقادات حادة إلى النخبة الحاكمة لدورها في واحدة من أسوأ الأزمات في الاقتصادات الوطنية في العالم بسبب سيطرتها على الموارد.

نظام مصرفي "بنكوقراطي"

ويعول الكثير من اللبنانيين على هذه الانتخابات لمنح البلاد جرعة جديدة من الأمل في المستقبل السياسي والاقتصادي لها. فيما ينظر لها البعض الآخر بنوع من التفاؤل المشوب بالحذر على غرار وزير المالية السابق والخبير والاقتصادي والمالي جورج قرم، معتبرا أن "التغييرات ستكون في الشكل وليس في الجوهر".

ويفسر قرم احتمال بقاء الحال على ما هو عليه رغم هذه الانتخابات بسبب "سيطرة زعماء الطوائف الكبار على كل آليات الحكم"، مضيفا أن البلاد تعيش حالة من "التوترات الطائفية والاختلافات الحادة من حزب الله ودوره في الحكم".

أما بالنسبة للجانب الاقتصادي، يركز قرم على النظام المصرفي في لبنان، الذي يصفه بـ"البنكوقراطية بمعنى سلطة المصارف"، التي يعتبر أنها "تتحكم في أرزاق اللبنانيين"، الذين يواجهون صعوبات حتى في سحب القليل من المال من حساباتهم لتدبير حياتهم اليومية.

ويستنكر قرم "وضع البنوك يدها على مدخرات المواطنين". ويقول: "لبنان له نظام حكم لا مثيل له في العالم، هو حكم المصارف. ودائع المواطنين تبخرت والأرجح أن تكون خرجت من البلاد".

من المسؤول عن هكذا الوضع إذن؟ "هناك تمازج وتماهي بين الفئات السياسية الطائفية الطابع ورؤساء المصارف" يرد الخبير الاقتصادي والمالي، ويعتبر هكذا وضع "قضية تمس بحقوق الإنسان، إلا أنها لا تثير اهتمام لا المجتمع الدولي ولا المنظمات".

"تجاوز النظام السياسي الطائفي"

ورغم الأفق الضبابي الذي يرسمه حول مستقبل لبنان حتى بعد الانتخابات، يحتفظ قرم بنوع من الأمل في أن يحدث نوع من التغيير على مستوى الوجوه السياسية في حال انتخاب أسماء جديدة تمثل "الشباب المدني الذي لا يتأثر بالطائفية"، خاصة وأن الكثير منهم يختار الهجرة بعيدا عن صعوبة الوضع في موطنه، ما يفرغ البلاد من العديد من الأدمغة.

ويشدد الخبير الاقتصادي والمالي على أن التغيير الحقيقي لا يمر إلا عبر "تجاوز هذا النظام السياسي الطائفي" والدخول في تجربة سياسية حقيقية تتنافس فيها الأفكار، "مع العمل على إيجاد حل لممارسات المصارف التي تتحكم في أرزاق الناس".

وتحديث المقاربة السياسية لدى القوى اللبنانية في التعامل مع الشأن العام، لم يعد خيارا بل ضرورة ملحة، ستوفر للبلاد مناخا جديدا، يساعدها على كسب ثقة المؤسسات الدولية، خاصة وأن أي مساعدة ستكون مشروطة بجملة من الإصلاحات بينها المتفق معها مع صندوق النقد الدولي، وتشريع جملة من القوانين كقانون موازنة 2022 وقانون "الكابيتال كونترول" والتعديلات المطلوبة على قانون السرية المصرفية وأيضا قانون إعادة هيكلة المصارف.

وفي أبريل، توصل لبنان إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل دعم محتمل بقيمة ثلاثة مليارات دولار، معتمدا على قيام بيروت بتنفيذ إصلاحات طال انتظارها. وأعلنت السعودية وفرنسا عن إنشاء صندوق مشترك بقيمة 30 مليون يورو (32 مليون دولار) لتعزيز الخدمات الصحية والخدمات الأخرى في لبنان.

ويبدو أن الحكومة اللبنانية واعية برهان المرحلة المقبلة، وتؤكد على لسان وزير الاقتصاد أمين سلام في مقابلة تلفزيونية أنه "لا حل أمام لبنان سوى الاتفاق مع صندوق النقد، وأمام مجلس النواب الجديد مسؤولية إقرار القوانين الإصلاحية، أما التأجيل فسيدخل لبنان في وضع صعب جدا".

هذا المحتوى من

AFP

فيديو قد يعجبك: