إعلان

حياد أوكرانيا ـ مطلب روسي يدفع بدول محايدة إلى أحضان الناتو

10:25 م الخميس 24 مارس 2022

حلف الناتو

(دوتشيه فيليه):

أوكرانيا محايدة على النموذج السويدي أو النمساوي؟ اقتراح طرحته روسيا خلال المفاوضات مع الجانب الأوكراني منتصف شهر مارس/ آذار الجاري. ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين قال في 16 مارس/ آذار الجاري: "إن هذا بديل يمكن مناقشته ويمكن اعتباره تسوية ممكنة".

بين عامي 1990 و2014 كانت أوكرانيا محايدة رسميا. إلا أن البرلمان الأوكراني تخلى عن هذه السياسة بسبب احتلال روسيا للقرم وأيد بأغلبية كبيرة وضع هدف دستوري لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو.

في الحقيقة ليس روسيا وحدها لا ترغب بانضمام أوكرانيا إلى الناتو، بل الناتو نفسه لا يبدو مستعدا لهذا الخيار، لأنه لا يريد الدخول في حرب مع روسيا. والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي صرح أخيرا أن هذا الهدف لا يمكن بلوغه.

هل يمكن أن يكون الحياد خيارا لأوكرانيا؟

في الفترة الأخيرة ذكرت ثلاث دول كمثال على الحياد، وهي النمسا، السويد وفنلندا، ولكل منها قصة مختلفة. في نهاية الحرب العالمية الثانية، احتلت القوى الأربع المنتصرة النمسا، مثلما احتلت ألمانيا. وافق الاتحاد السوفيتي حينها على الانسحاب فقط لأن النمسا التزمت بـ "الحياد الدائم" في معاهدة دولية في عام 1955. ليوس مولر المؤرخ بجامعة ستوكهولم ومؤلف كتاب "الحياد في تاريخ العالم"، يوضح أن في حالة النمسا كان "الحياد من الأعلى، من خلال معاهدة بين القوى العظمى".

على عكس النمسا ، اختارت السويد حيادها بنفسها. حياد مازال ساري المفعول منذ 200 عام، بعد الحرب التي اضطرتها إلى التنازل عن أراضي فنلندا إلى روسيا في حرب عام 1809.

وفنلندا نفسها حصلت على استقلالها عام 1917، وكانت قادرة على الحفاظ على سيادتها في مواجهة الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية. رئيس الوزراء الفنلندي السابق ألكسندر ستوب يقول لـDW: "لم نكن لنحتفظ بسيادتنا، لولا الحياد الأيديولوجي المعلن والبراغماتي". لكن "الفضاء على المستوى السياسي والأمني الدولي لفنلندا كان محدودا للغاية خلال الحرب الباردة".

السويد وفنلندا تشاركان في مناورات الناتو

في كل الحالات الثلاث ضعف حياد هذه الدول خلال العقود الماضية، إذ رغم عدم انضمام الدول الثلاث إلى حلف عسكري لكنها انضمت معا في عام 1995 إلى الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الذي يمتلك سياسة خارجية وأمنية وبعناصر عسكرية. وفي هذا الأسبوع قرر وزراء خارجية ودفاع الاتحاد الأوروبي تشكيل قوات مشتركة قوامها خمسة آلاف جندي.

الدولتان المتاخمتان لروسيا والسويد وفنلندا واصلتا الاقتراب من الناتو تدريجيا. على سبيل المثال، من خلال مشاركتهما في مناورة "الرد البارد" في شمال النرويج، والتي تبعد على بعد بضع مئات الكيلومترات من الحدود مع روسيا. وعلى الرغم من أن المناورة كانت مخططة وأبلغت روسيا بها قبل الحرب في أوكرانيا بوقت طويل، إلا أنها تتخذ الآن معنى مباشرا للغاية. في حزيران/ يونيو العام الماضي نشطت السويد وفنلندا أكثر، ودعتا سبع دول من الناتو، بما في ذلك ألمانيا، إلى مناورة "تحدي القطب الشمالي 2021".

ترحيب وتاييد شعبي لانضمام فنلندا إلى الناتو

غيرت الحرب في أوكرانيا الوضع تماما. فعلى النقيض من النمسا بموقعها بوسط أوروبا، تشعر السويد وفنلندا بأنهما "مكشوفتان استراتيجيا" لروسيا، كما يصف ذلك ليوس مولر. وينوه إلى طول الحدود الفنلندية الروسية، وإلى الوضع الدقيق للدولتين في الناتو: استونيا ولاتفيا ، حيث تعيش أقليات قوية ناطقة بالروسية، وكذلك بجيب كالينينغراد الروسي المسلح جيدا على الجانب الآخر من بحر البلطيق.

والجديد في الأمر، هو أن النقاش يدور بقوة في كلا البلدين الآن، عما إذا كان عليهما التخلي عن حيادهما وطلب الحماية من الناتو. ومن ثم الحصول على التزام الناتو بتقديم المساعدة، تحت مبدأ أن الهجوم على عضو واحد يعني هجوم على الجميع، ويصد جماعيا.

بالنسبة لرئيس وزراء فنلندا السابق ستوب، فإن فنلندا ستنضم "بالتأكيد". إذ يقول :"إنها ليست مسألة إن كانت ستنضم بل إنها مسألة متى". ووفقا لاستطلاع رأي أجري مؤخرا، يؤيد 62 في المئة من الفنلنديين العضوية الآن. يقول ستوب: "لقد غادر القطار المحطة، وستكون المحطة الأخيرة مقر حلف الناتو". ويعتقد أنه سيصل إلى هناك "في غضون بضعة أشهر". وبالفعل فقد صرح المستشار الألماني أولاف شولتز، أنه إذا طلبت فنلندا الانضمام إلى الناتو، فسيكون ذلك "موضع ترحيب".

السويد تتعامل مع هذه القضية بحذر أكبر ، بحسب ليوس مولر. لكن قضية الانضمام هذه ستكون موضوعا رئيسيا في الانتخابات البرلمانية القادمة، خصوصا بعد تغير المزاج العام بسبب الحرب في أوكرانيا. ويظن ليوس إنه في حال "صدور قرار الانضمام فإن الدولتين ستنضمان معا".

التجريد من السلاح في بلد محايد

بهذا، لن تكون لا السويد ولا فنلندا نموذجا يحتذى به بالنسبة لأوكرانيا في مسألة الحياد. أما بالنسبة للنمسا فالوضع مختلف جغرافيا واستراتيجيا. وبغض النظر عن الأمثلة التي يمكن أخذها، يرى ليوس أن الحياد لن ينجح في أوكرانيا: دول أخرى أو منظمات، مثل الولايات المتحدة، روسيا، والناتو يجب عليها تقديم ضمانات لحماية أوكرانيا في حال حيادها وتعرضها لهجوم. لكن هذا "يتطلب قانونا دوليا فاعلا، واتفاقيات ومنظمات فاعلة. وروسيا اليوم تقف في موقف بعيد عن كل ذلك. بالإضافة إلى أن روسيا تطالب "بنزع السلاح " من أوكرانيا ،" وهو مطلب لا يمكن تصوره لدولة محايدة"، يقول مولر. فأوكرانيا مثل السويد أو سويسرا، بحاجة إلى قدرات دفاعية.

وظهر جليا أن حقيقة كون الضمانات الدولية أمر عديم القيمة في نهاية المطاف، وهو واقع تعيشه أوكرانيا الآن، التي قبلت في مذكرة بودابست لعام 1994 بالتخلي عن أسلحتها النووية الموروثة من الحقبة السوفيتية. في ذلك الوقت، التزمت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا كضامن للاتفاقية. لكن بعد 20 عاما، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، بينما بقيت الدولتان الغربيتان (الولايات المتحدة وبريطانيا) تتفرجان.

"ستار حديدي جديد"؟

يعتبر المؤرخ السويدي ليوس مولر وكذلك ورئيس الوزراء الفنلندي السابق الحرب في أوكرانيا نقطة تحول دراماتيكية. يقول ليوس مولر: "لقد أدت حرب بوتين الحالية إلى زعزعة النظام العالمي (الذي تأسس) بعد عام 1945".

بينما يضيف ألكسندر ستوب بالقول: "بالنسبة لي ولجيلنا، هذه لحظات تشبه ما جرى في الأعوام 1914 أو 1939 أو 1989". بعد الستار الحديدي للحرب الباردة، سيكون هناك الآن ستار جديد في أوروبا و"ستكون روسيا معزولة تماما". بكل تأكيد وفي مرحلة ما، سيتعين علينا التعامل مع روسيا مرة أخرى، "لكن بالنسبة لي بصفتي فنلنديا، فإنه أمر درامي، رغم حدود مشتركة يبلغ طولها 1340 كيلومترا، لن يكون لدينا على الأرجح أي اتصال مع جيراننا في المستقبل المنظور."

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: