إعلان

مستنقع موسكو في أوكرانيا.. بوتين يخاطر بترك روسيا في وضع أسوأ

11:10 ص الجمعة 04 فبراير 2022

حلف شمال الأطلسي الناتو

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

واشنطن - (د ب أ):

لا تزال الأزمة بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي بشأن أوكرانيا تحمل قدرا كبيرا من الغموض بشأن نوايا موسكو وردود الفعل المحتملة في حال إقدامها على التوغل عسكريا في العمق الأوكراني، كما تحذر واشنطن.

وقال الدكتور ريتشارد هاس، المفكر والدبلوماسي والكاتب في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستعرض بانتظام مهاراته في رياضة الجودو وغيرها من فنون الدفاع عن النفس. وغالبا ما يعتمد النجاح في هذه الرياضات على ما يسميه اليابانيون "كوزوشي"، وهو إخلال توازن الخصم من خلال استخدام تقنيات مصممة لتعطيل توازنه البدني والعقلي.

ويضيف هاس أن بوتين سعى إلى الإخلال بتوازن الولايات المتحدة وحلفائها من "الناتو" من خلال حشد اكثر من 100 ألف جندى روسي على الحدود الاوكرانية . وبعد أن لم يخف بوتن وجهة نظره القائلة بأن روسيا وأوكرانيا مرتبطتان عضويا، قد يرى في إعادة تأسيس مثل هذه العلاقة وسيلة لترسيخ إرثه من خلال محو الوصمة المتصورة التي عانت منها روسيا في العقود التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي.

وربما كان بوتين يعتقد أن تهديد أوكرانيا قد يزعزع استقرار البلاد ويوفر فرصة لاستبدال الحكومة الحالية الموالية للغرب بحكومة أكثر احتراما للكرملين. بل والأرجح أن بوتين اعتبر أن تعبئة قواته من شأنها أن ترهب الولايات المتحدة ورئيسها الجديد نسبيا جو بايدن لقبول عودة أوكرانيا إلى منطقة نفوذ روسيا.

ففي نهاية الأمر، كانت الولايات المتحدة قد نفذت للتو انسحابا فوضويا وغير مشروط تقريبا من أفغانستان. وكان بوتين قد أفلت إلى حد كبير بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. ولم يدفع الرئيس الصيني شي جين بينج سوى القليل من الثمن للتراجع عن الديمقراطية في هونج كونج. لذا، فقد بدت الولايات المتحدة من بعيد ضعيفة ومنقسمة وتنظر إلى الداخل.

أضف إلى ذلك عدم احترام بوتين لحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، بحسب هاس. وبعد أن قررت ألمانيا بشكل غير حكيم التخلص التدريجي من الطاقة النووية، سمحت لنفسها بأن تصبح أكثر اعتمادا على الغاز الروسي، وكما كان الحال في كثير من الأحيان بالنسبة لألمانيا الغربية أثناء الحرب الباردة، فإنها غير مرتاحة لمواجهة الكرملين. فضلا عن ذلك فقد بدأ بوتين حشده العسكري مع اقتراب فصل الشتاء، عندما كان انخفاض درجات الحرارة وارتفاع أسعار الوقود من شأنهما أن يمنحا الكرملين نفوذا إضافيا. وقد ركز الفرنسيون على انتخاباتهم الرئاسية المقبلة، في حين كانت المملكة المتحدة منشغلة بـ "كوفيد-19" وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وتصرفات رئيس الوزراء بوريس جونسون.

وبالإضافة إلى ذلك، اتخذ بوتين خطوات للحد من نقاط الضعف في روسيا، وخاصة بالنسبة للعقوبات الاقتصادية. فقد بلغ احتياطي البلاد من النقد الأجنبي رقما قياسيا بلغ 630 مليار دولار في كانون الأول/ديسمبر 2021، في حين حقق ارتفاع أسعار النفط إيرادات حكومية كبيرة. وبوسع الصين، التي تقدم بالفعل الدعم الدبلوماسي، أن تقدم المساعدة المالية إذا احتاج الكرملين إليها.

ولكن في حين كان بوتين يصطنع الأزمة الأوكرانية معتقدا أنه يتمتع بميزة واضحة في مواجهة الغرب، فقد ارتكب خطأ قد يكون خطيرا حتى بالنسبة لممارس ماهر في فنون الدفاع عن النفس، فقد قلل من شأن خصمه، وفقا لهاس.

وفي حين قال بايدن وحلف شمال الأطلسي إنهما لن يتدخلا مباشرة نيابة عن أوكرانيا، إلا أن هذا لا يماثل قبول الهيمنة الروسية. والواقع أن الولايات المتحدة نظمت استجابة شاملة، وأرسلت أسلحة إلى أوكرانيا لزيادة التكاليف التي تتحملها روسيا من أي غزو واحتلال. وهناك خطط لتحصين الدول الأعضاء في الناتو الاقرب إلى روسيا. ويجري إعداد عقوبات اقتصادية كبيرة. ومن شأن إعادة توجيه الغاز إلى أوروبا أن يعوض جزئيا الخسارة المحتملة في الإمدادات الروسية.

ويرى هاس أن كل هذا يعني أن التوجه الأولي لبوتين فشل في تسجيل ضربة حاسمة. لقد وضع بوتين نفسه في موقف لا يحسد عليه، فإما أن يُصعّد أو يجد طريقة لحفظ ماء الوجه للتراجع.

ووفرت الولايات المتحدة بحكمة لبوتين منحدرا دبلوماسيا بعيدا. وقد يستتبع ذلك إنشاء هيكل جديد للمساعدة في دعم الأمن الأوروبي، فضلا عن ترتيبات السيطرة على الأسلحة التي من شأنها أن تحد من نطاق وموقع مجموعة من النظم. ومن شأن عملية مينسك التي أعيد تنشيطها وتنقيحها أن تسعى إلى تسوية سياسية في شرق أوكرانيا بشكل يسمح بقدر كبير من الحكم الذاتي لسكان المنطقة (وكثير منهم من أصل روسي) واستبدال الجنود الروس بقوات حفظ السلام الدولية.

ومن غير المؤكد ما إذا كانت مثل هذه النتيجة كافية لبوتين. فهو لن يسمع ما يريد- وهو أن أوكرانيا لن تتمكن أبدا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، أو أن قوات الحلف سوف تنسحب إلى ما كانت عليه قبل أكثر من عقدين من الزمان، قبل أن يتوسع الحلف إلى أوروبا الوسطى والشرقية. ولكن من المرجح أن تكون أمام بوتين بضعة أسابيع للتفكير في خطواته التالية.

وليس أمام بوتين خيار آخر. وبوسعه أن يزيد من الوجود العسكري الروسي في نصف الكرة الغربي، زاعما أنه يفعل للولايات المتحدة ما فعلته هي وحلف شمال الأطلسي لروسيا. ولكن هذا من شأنه أن يكون محفوفا بالمخاطر، ولن يفعل شيئا للتعامل مع مخاوفه في أوروبا.

ومن المستحيل التنبؤ بما سيفعله بوتين، وربما لم يحسم أمره بعد. وقد يختار ما يسمى بـ "التوغل الطفيف"، أو التدخل المحدود، ربما لزيادة الوجود العسكري الروسي في شرق أوكرانيا.

ومن شأن مثل هذا المسار أن يعطي بوتين شيئا ليظهره لدبلوماسيته العدوانية من دون التعرض لعقوبات كبرى، حيث من غير المرجح أن يتوصل أعضاء حلف الناتو الثلاثين إلى توافق في الآراء حول كيفية الرد. كما أنه سيكون متسقا مع نهج فنون الدفاع عن النفس للبحث عن مفاتحات تكتيكية لزعزعة توازن الخصم.

ويخلص هاس إلى أن مثل هذا السيناريو يسلط الضوء على حدود فنون الدفاع عن النفس، والتي تتعلق بالتكتيكات أكثر من الاستراتيجية. ويقول إن هذه الأزمة المختلقة إلى حد كبير في أوكرانيا تخاطر بترك روسيا في وضع أسوأ، يتمثل في السيطرة على المزيد من الأراضي بشكل طفيف، ولكن مع مواجهة عقوبات جديدة، و حلف شمال الأطلسي أكثر قوة، ومجاورة دولة طور شعبها هوية أكثر انفصالا ومعاداة لروسيا.

فيديو قد يعجبك: