كازاخستان.. معايشات وشهادات عن أيام الغضب والخوف والثورة الناقصة

06:03 م الثلاثاء 18 يناير 2022

كتبت – سلمى سمير

كان العام الجديد قد حلّ قبل يوم وبضع ساعات، الأجواء لم تكن هادئة؛ قرارات حكومية برفع أسعار الوقود أشعلت فتيل الغضب في إحدى المناطق، ثم لم يمر يومان حتى تفشّت عدوى الغضب في جميع انحاء دولة كازاخستان، وأصبح البلد الواقع في الوسط الآسيوي محلّ اهتمام العالم أجمع.

إعلان

امتلأت شوارع كازاخستان بالآلاف من المتظاهرين، سريعاً تدهور الوضع إلى أكثر من مجرد احتجاجات، إذ تأجج العنف وانتشر الذعر في كل المدن، حاول الرئيس الكازاخي، قاسم جومارت توكاييف امتصاص غضب الشارع بإقالة الحكومة، لكن دون جدوى فتفاقمت الأزمة أكثر فأكثر.

في محاولة لإطفاء الأزمة المتأججة، أعلنت الحكومة حالة الطوارئ وقطعت خدمة الإنترنت، واستدعت السلطات قوات حفظ السلام، لكن الآلاف استمروا في النزول إلى الشوارع.

يعيش مختار -وهو اسم مستعار للحفاظ على سلامة المتحدث- في مدينة أوست-كامينوجورسك بكازاخستان، وهو من القليلين الذين قبلوا التحدث إلى "مصراوي" بعد أيام من التردد، عما عايشه وقت تأجج الاحتجاجات، فالقبضة الأمنية التي فرضتها السلطات بعد هذه الأزمة أصابت العديد من المواطنين بالذعر من احتمالية مراقبة هواتفهم واعتقالهم.

كان مختار في منزله الذي يعيش فيه وحيدًا، حينما وصلت حشود المتظاهرين إلى الحي الذي يسكن فيه، فبدأ يسمع أصوات مناوشات بين المُحتجّين وقوات الأمن عبر النافذة، يقول مختار: "كنت بمفردي في المنزل ثم فاجأة اندلعت المظاهرات وأحداث العنف، لم أستطع الوصول لوالداي وإخوتي المقيمين في نفس المدينة لأن المسافة كانت بعيدة ولم يكن من الآمن الخروج من المنزل".

حاول الشاب الخازاخي ذو الـ25 عامًا، الاطمئنان على أسرته أو أصدقائه لاحقًا عبر أي وسيلة اتصال، لكن الأيام الأولى من الاحتجاجات لم تترك له المجال لذلك "لم أستطع التواصل معهم حيث قُطعت شبكات الاتصال وخدمات الانترنت، ولم استطع التواصل مع أقاربي في نفس المدينة أو حتى مدن أخرى"، يحكي مختار.

قطعت السلطات الكازاخية، خدمة الإنترنت تجنباً لانتشار فيديوهات المظاهرات مما أدى، لتأزم الوضع المالي للبعض، وقطع المراسلات بين الناس، فيقول أصلان توقف الانترنت في البداية لعدة أيام، ثم أصبح يعمل من السادسة صباحًا حتى الحادية عشر صباحًا، واستمر على هذه الحال حتى عاد بشكل كامل قبل أيام قليلة.

وفي ظل دهشة من انتشار المظاهرات كالنار في الهشيم، كانت هناك ايضًا سرعة فائقة في تخلل السرقات وأعمال التخريب والعنف التي شابت الاحتجاجات وأدت إلى حتمية التصدي لها من جانب السلطات، يروي مختار: "لم نكن في أمان، لم أستطع حتى النزول للشارع لشراء الطعام والمستلزمات الأساسية".

ويوضح: "قام بعض الأشخاص بشراء السلاح وقتل الناس وسرقة البنوك والمنشآت وتدميرها، وسرقوا المراكز التجارية، ومحلات المجوهرات".

تمثّل احتجاجات الوقود التي قصمت ظهر البعير في كازاخستان؛ فشعب هذا البلد المسلم يعاني من غياب إصلاحات، ومن تدني مستوى المعيشة، ومحدودية الحرية المدنية.

"في كازاخستان كل إنسان لا يستطيع الحصول على ما يريده"، هكذا أجاب مختار على سؤال كيف يرى الاحتجاجات، تحدث عن نفسه قائلاً: "كان لدي الكثير من الأحلام والأمنيات، ضاعت ولم تتحقق بسبب ظروف البلاد.. كان حلمي أن أكون بطلاً أوليمبيا ولكني لم أستطع، واليوم أنا فقط معلمًا للألعاب الرياضية".

لم يتغير شيء في حياة مختار قبل الاحتجاجات عن بعدها "لم يتغير شيء باستثناء حظر التجوال من الساعة 11 مساءً حتى الـ7 صباحًا" على حدّ وصفه، بالنسبة له ولكثيرين "الأوضاع المعيشية والاقتصادية صعبة للغاية".

يعمل مختار في وظيفة إضافية بدوام جزئي إلى جانب عمله كمدرس "ليس من السهل على أي شاب أن يشتري منزلاً ويُنشئ أسرة بسهولة، أخي كان يدخر المال لشراء منزل ولكن ارتفعت الأسعار مع جائحة كورونا ولم يعد قادراً على شرائه".

لكن يبدو أن معاناة مختار مع الوضع الاقتصادي زاد عليها معاناة من نوع آخر بسبب الاحتجاجات، إذ كان طوال حديثه لمصراوي لا ينفك عن ذكر عدم الأمان، مؤكدًا أن الشرطة تراقب الهواتف وحسابات الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، وإذا وجدوا صورًا أو فيديوهات لمظاهرات سيتم اعتقالهم.

عززت هذه المخاوف حادث مؤثر في حياة مختار، فقبل 8 سنوات اعتُقل صديقه ولم يخرج حتى اليوم، بحسب قول مختار كان السبب وجود "فيديو لمظاهرة قديمة على هاتفه".

يستكمل الشاب الكازاخي قائلاً: "هذا البلد يشهد مظاهرات كل عام، لكن ليس بضخامة تلك المرة".

"إذا رأوا أي أجنبي يطلقون عليه الرصاص"

لم يختلف حال الطلاب العرب كثيرًا، بل زادت المعاناة في بعض المناطق بسبب ازدياد العنف ضد الأجانب بشكل عام، يصف أحد الطلاب المصريين في كازاخستان -أطلقنا عليه اسم "عزيز" للحفاظ على سرية هويته- الوضع وقت تأجج المظاهرات بأنه "لم يكن جيدًا على الإطلاق.. كان الإنترنت مقطوعًا لعدة أيام ولم أستطع التواصل مع عائلتي"

عاش الطالب المصري لأيام عديدة في أجواء شديدة الاضطراب داخل مسكنه بمدينة ألماتي، أكثر المدن الكازاخية تضررًا من أحداث العنف؛ فمن إطلاق النار والقذائف العشوائية إلى سرقة المحال التجارية، يروي عزيز "كان الإرهاب يملأ الشوارع ولا نستطيع الخروج من المنزل، نخاطر بشخص واحد للنزول يشتري ما يكفينا لمدة أسبوع ولا ننزل بعدها".

تزايد الخطر على الأجانب بكازاخستان، مع اختلاط مسلحين بالمتظاهرين، فيقول عزيز "نزلنا لشراء بعض المشتريات من الشارع، فإذا ببعض الكازاخيون يركضون خلفنا ليضربونا.. في الوضع الحالي إذا رأوا أي أجنبي يمكن أن يطلقوا عليه الرصاص، لذلك لا نخرج".

يعيش عزيز في مجمع سكني يتكون من 8 طوابق، ولكن في ظل الظروف الراهنة، قامت إدارة السكن بتجميعهم في آخر طابقين؛ تحسباً لأي هجوم محتمل، يروي عزيز تجربة أصدقاء له: "بعض الكازاخيين المسلحين طرقوا بابهم بشكل قوي، وهددوهم ليشاركوا في المظاهرات".

ظل كريم طوال أربع أو خمسة أيام لا يستطيع التواصل مع عائلته، ويصف حالهم " كانت أعصابهم متوترة".

أدى انقطاع الانترنت لوقف التحويلات من الخارج بالإضافة لإغلاق شركات الصرافة، مما أثر على وضع الطلاب الأجانب ومن بينهم عزيز ورفاقه "الطعام الموجود لا يكفنا إذ كنا نشتري الأغذية حسب الحاجة.. ولا نمتلك عملة محلية، كما أننا ننام في غير مسكننا والمكان ضيق لوجود عدد كبير في مكان واحد".

وفي حديثه مع مصراوي، قال رئيس الجالية العربية في كازاخستان، دكتور عمر أبو شاور، إن أول يومين من المظاهرات كان صعباً على الجميع من طلبة سواء عرب أو أجانب، فكانت الأمور مبهمة، وواجه الجميع مشكلة نقص المواد الغذائية، لإغلاق المحال التجارية والدكاكين الصغيرة خوفاً من الحرق أو حدوث مشكلة.

ويضيف أبو شاور، واجه بعض الطلبة مشكلة عدم القدرة لتصريف الدولارات التي بحوزتهم نظراً لإغلاق شركات الصرافة، لذا بادر العديد من رجال الأعمال العرب حتى أنا بمساعدة أبناء جاليتنا العربية، ووفق بعض الطلاب قام بعض العرب منهم رشيد أبو طويلة بتوصيل المواد الغذائية للطلبة ببداية المظاهرات في ظل نقصها.

طالب مصري آخر شاركنا بتجربته -أطلقنا عليه اسم "فادي"- يروي يوم اندلاع الاحتجاجات في ألماتي قائلاً: "كنت ذاهب إلى أصدقائي لأخذ بعض الأوراق، عشية الامتحانات، وفجأة بدأت المظاهرات وأحداث عنف في كل مكان، ضعفت شبكة الإنترنت، وأبلغتنا الجامعة أن الامتحانات تم تأجيلها".

ساد الشغب في كل مكان، فكان الشارع الذي يقطن فيه فادي مليء بالمظاهرات والعنف وأشخاص يقذفون الحجارة "كنا كل دقائق نسمع صوت ضربة تهز الحائط، شعرت بالخوف واضطررت للمبيت عند زملائي".

ذهب فادي في اليوم التالي للسكن الذي يقيم فيه، وإذا بحالة الشارع على غير المتوقع "ذهبت سيراً للمنزل لأنه لم يوجد مواصلات، حالة الشارع كانت صعبة إشارات المرور مدمرة وأناس كثيرين يركضون ويصرخون، ونصف المحلات مغلقة، وشوارع أخرى مخربة وخالية من الناس".

خلق انقطاع الإنترنت حالة من الهلع في نفوس الكثير، من أهل لا يستطيعوا التواصل مع أبنائهم، وتحويلات بنكية توقفت، ومحاضرات ألغيت وغيرها الكثير، يروي فادي: "أهلي كانوا قلقين للغاية وخصوصًا أمي، فكان الإنترنت بطيء منذ يوم 2 يناير حتى 4 يناير ومن بعد ذلك انقطع كلياً ولم أكن قادر على التواصل معهم".

يروي فادي "أبلغونا أن أي رسالة أو مكالمة سيتم تسجيلها ويمكن استخدامها ضد صاحبها، كما أخبرتنا إدارة السكن أن نزيل أي فيديوهات أو صور للمظاهرات من على هواتفنا، حيث اعتقلت القوات 3 أفراد بالمبنى للسبب ذاته".

إعلان