إعلان

النيل يُغرق السودان.. ومواطنون يتصدون بـ"متاريس بشرية": من قلبي سلام للخرطوم

08:15 ص الإثنين 07 سبتمبر 2020

النيل يُغرق السودان

كتبت- رنا أسامة:

يعيش السودان كارثة إنسانية غير مسبوقة منذ 100 عام، بسبب ارتفاع منسوب الفيضان السنوي لنهر النيل منذ نهاية يوليو، ما أفضى إلى خسائر "مُفجعة" في الأرواح والمُمتلكات، فيما اضطرت السلطات لإعلان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في جميع أنحاء البلاد.

والسودان، الذي لا يزال يرزح على وقع أزمات اقتصادية وصحية جمّة، تم إعلانه منطقة كوارث، بعد تضرر 16 من أصل 18 من ولاياته بفِعل النيل الهائج.

"خسائر مُفجعة"

أكّد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، في وقت سابق، أن بلاده تتكبّد خسائر مُفجعة إثر فيضان النيل هذا العام. وحتى الآن، لقي 101 مواطنًا حتفهم، بينهم 3 مُسنين كانت أعمارهم تتجاوز الـ70 عامًا، وأُصيب 46 آخرين، فيما تشرّد مئات آلاف السودانيين.

كما تضرّر أكثر من نصف مليون نسمة، وسط انهيار أكثر من 64 ألف منزل كليًا وجزئيًا، ونفوق أكثر من 5 آلاف ماشية، وفق المجلس القومي لوزارة الدفاع المدني السودانية.

ومن أكثر الولايات السودانية تضررًا، ولاية سنار، وسط البلاد، إذ اجتاحت المياه عاصمتها سنجة التي تحولت إلى "مدينة أشباح"، ما دفع والي سنار، الماحي سليمان، لإطلاق نداء استغاثة لإيواء آلاف المتضررين.

لكن رُغم المحنة، لم تُفارق البسمة منكوبي "سنجة" بينما كانوا يُلملمون ما تبقى لهم من أنقاض منازلهم التي غمرتها المياه.

ارتفاع "غير مسبوق"

يمر فيضان النيل بثلاث مراحل: هطول الأمطار الغزيرة بإثيوبيا في أعلى حوض نهر النيل، بين شهري مايو وأغسطس، والتي تمثل 90 بالمائة من مياه النهر، وتتوزع فيما بعد على التفرعات الأقل أهمية. ثم يأتي موسم الظهور "نمو المزروعات" طيلة فصلي الخريف والشتاء، ثم موسم الحصاد في الربيع التالي.

ويعود ارتفاع منسوب المياه غير المسبوق هذا العام، إلى الأمطار الغزيرة التي هطلت في الحوض الأعلى للنيل الأزرق، والمُمتد من إثيوبيا مرورًا بالسودان وصولًا إلى مصر.

وأمس الأحد، تم تسجيل أعلى مستوى لمياه نهر النيل منذ عام 1912؛ بارتفاع 17,66 متر في العاصمة الخرطوم أي أكثر بـ40 سنتيمترا من أعلى مستوى تم تسجيله سابقا. فيما بلغ في شندي 18.34 مترًا بزيادة 27 سنتيمترًا في غضون 24 ساعة.

ويُتوقع أن يكون وارد محطة الديم عند الحدود السودانية الإثيوبية، الاثنين، في حدود 780 مليون متر مكعب. بينما كان متوسط الأمطار في حوض العطبراوي يومي 4 و5 سبتمبر8.3 ملليمترًا على التوالي، بما سيؤدي لاستقرار إيراد أعالي نهر عطبرة في حدود 280 مليون متر مكعب، الاثنين.

وفي خِضم تلك الكارثة، يخشى كُثر أن الأسوأ لم يأت بعد، وسط توقعات باستمرار الأمطار الغزيرة خلال سبتمبر الجاري في السودان، وفي إثيوبيا المجاورة، منبع النيل الأزرق.

"سلامتك يا سمرا"

وتحت هاشتاجات مثل "#فيضان_السودان"، و"#فيضان_النيل"، و"#السودان_طوارئ_الفيضان"، وثّق نشطاء سودانيون عبر تويتر مشاهد تُظهِر حجم الكارثة مع غمر قرى بأكملها.

وفي جزيرة توتي، حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض بين مدينتي الخرطوم وأم درمان، يملأ الناس الأكياس بالرمال والحجارة الصغيرة في محاولة غير مجدية في كثير من الأحيان لمنع سيل المياه من غمر منازلهم.

وأظهرت مقاطع فيديو سودانيين يُشاركون في إقامة "حواجز بشرية" بهدف الحد من حجم تدفق المياه.

والعام الماضي، أحدث الفيضان أضرارًا بالغة لأكثر من 400 ألف شخص في السودان، حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع لمنظمة الأمم المتحدة (أوشا)؛ إذ لقي 90 شخصًا حتفهم وتدمرت منازل 380 ألفًا كليًا أو جزئيًا.

كما ألحقت هذه الفيضانات التاريخية أضرارا بعدد كبير من المؤسسات الصحية الضرورية لعلاج المرضى وللقيام بفحوص تقصي فيروس كورونا في فترة تطغى عليها جائحة "كوفيد-19".

ووفق تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وجد حوالي 125 ألف نازحا داخليًا ولاجئًا أنفسهم في العراء منذ بداية الفيضانات في شرق النيل. وباتت الطرقات غير مأهولة، ما حرم أكثر من 5 آلاف شخص يعيشون على ضفاف النيل الأزرق من المساعدات الإنسانية.

"سدود ترابية"

استعد سكان جزيرة توتي قبل شهرين من الفيضانات بإقامة متاريس "سدود ترابية" حول الجزيرة. غير أنه ومع المستوى الهائل للمياه هذا العام، اضطروا للجوء إلى حلول بدائية على غرار الحواجز البشرية.

ونقلت فرانس برس عن أحدهم يُدعى سعيد عثمان: "هنا في توتي ليس هناك قتلى أو مفقودون. لكن بعض المنازل تضررت، إذ تهاوت جدران بعض البيوت تحت ضغط تدفق المياه"، مُضيفًا "هناك نقص في الخدمات الصحية وشبكات تصريف المياه في الخرطوم وهو ما يزيد في تعكير الوضع الحالي، لكن على الأقل تساعدنا البلدية بردم المياه بالتراب".

هذا المشهد أعاد إلى رئيسة جمعية المرأة والطفل السودانية، إقبال عباس، ما حدث قبل 22 عامًا. قالت لفرانس برس: "عندما رأيت الشباب يحجزون مياه النيل بأجسادهم، تذكرت فيضان عام 1998. فعلوا كما فعل أجدادهم".

"من قلبي سلام للخرطوم"

كما دشّن نشطاء عرب هاشتاج "#من_قلبي_سلام_للخرطوم"، مُناشدين بالتدخل الدولي للمساعدة وإنقاذ المتضررين. وغرّدت مصرية بصورة كُتِب عليها: "السودان.. سلامتك يا سمرا".

وكتب لبناني عبر فيسبوك: "ما يحدث في السودان وتحديدا الخرطوم وما حولها نراه كارثة حقيقية لا تقل عن انفجار بيروت بل قد تكون أكبر.. ليس تقليلا لما حدث بانفجار بيروت الهائل أبدًا ولكن أيضا السودانيون بشر..".

من قلبي سلام للخرطوم ❤ ولا لأن مافي اليسا وهيفا مابيشملها من قلبنا سلام ما يحدث في السودان وتحديدا الخرطوم وما حولها...

Posted by Bashar Rdwan on Wednesday, September 2, 2020

وغرّد عُماني بصور من الفيضانات المدمّرة في السودان: "حفظ الله الشعب السوداني من كل مكروه.. ألطف وأصدق وأروع الشعوب العربية خُلقًا وتعاملًا".

"مبادرة نفير 2020"

بالتوازي، أُطلِقت مبادرات سودانية من أجل المساعدة على تدارك الأضرار الكارثية للسيول والفيضانات، وأبرزها "نفير 2020"، وهي مبادرة أهلية قومية انطلقت عام 2013، بمجهود شعبي سوداني، لمواجهة تداعيات السيول والأمطار التي تجتاح البلاد كل عام.

وفي حديث إلى "مصراوي"، عرّفت "نفير" نفسها بأنها "نقطة التواصل التي جمعت كافة المبادرات والحملات الأخرى الشعبية والدولية، ووفّرت المعلومات الميدانية حول سيول وفيضانات السودان لكل الجهات ذات الصلة، لدرأ هذه الكوارث الطبيعية".

وقالت إن التفاعل مع المبادرة داخل السودان وخارجه كان "جيدًا جدًا"، مُشيرة إلى أن تقديم منظمات دولية يد العون من أجل مُتضرري كارثة الفيضانات، وبينهم منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف)، لكنها أوضحت أنه "من الصعب حصر قيمة الدعم المالي الآن".

كما قدّمت مجموعة "سيتلمينت جروب" في كندا تبرعات بقيمة 300 ألف و560 جنيهًا أسترلينيًا، في إطار المساعدات الخارجية لمنكوبي السودان عبر "نفير 2020".

في إطار خطتها لخريف 2020، تعمل المبادرة السودانية على حصر المناطق المتضررة عبر البلاغات والمسوحات الميدانية، وتوفير المساعدات والخدمات المطلوبة وتوزيعها بالتنسيق مع الجهات الشعبية، فضلًا عن التنسيق بين كافة المبادرات والحملات واللجان داخل وخارج السودان.

علاوة على ذلك، أنشأت "نفير 2020" خطوطًا ساخنة ومنصة إلكترونية لتلقي البلاغات العاجلة حول الأضرار بكافة أنحاء السودان، ومتابعتها وتحويلها للجهات ذات الصلة بعد تقييمها.

كما كوّنت فريق حصر ميداني لتقييم الأضرار؛ عبر زيارات ميدانية للمناطق المتضررة أو المتوقع تضررها، إما عبر البلاغات المستلمة أو عبر اللجان أو المحليات أو توصيات المبادرة وتقديم تقرير ميداني موثق متكامل.

هذا إلى جانب التنسيق مع لجان الخدمات والأحياء والمقاومة على مستوى ولاية الخرطوم، وولايات السودان لتقييم الوضع الحالي وتقديم التدريب اللازم لدرأ الكوارث بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة، لا سيّما الكشافة السودانية.

7

وتُعنى المبادرة، وفق خطتها للعام الحالي، بجمع المساعدات لفرزها وتوزيعها حسب الاحتياجات الفعلية، بعد تقييم المناطق وحصر الضرر وتقديم التقارير الميدانية الموثقة، وتقديم الدعم الطبي عبر العيادات الميدانية، بالتنسيق مع وزارة الصحة السودانية والجهات ذات الصلة.

فيديو قد يعجبك: