إعلان

هل كان قرار ترامب قتل سليماني تتويجًا لمغامرته الكبرى لتغيير الشرق الأوسط؟

08:19 م الإثنين 03 فبراير 2020

قاسم سليماني

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت - هدى الشيمي:

عندما تقرر أية دولة بدء حرب دموية ضد أخرى، فإنها تجري كثيرًا من الحسابات، وتكون على دراية بمَن هم الأشخاص الذين تستطيع استهدافهم، ومَن يحذر الاقتراب منه؛ لأن المساس به سوف يقود إلى عواقب وخيمة. في 3 يناير الماضي، شنَّت الولايات المتحدة قصفًا على موكب الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، التابع للحرس الثوري الإيراني، أودى بحياته بالقرب من العاصمة العراقية بغداد.

قالت مجلة "نيويوركر" الأمريكية، في تقرير مطوَّل نشرته على موقعها الإلكتروني، إن أوامر ترامب بقتل سليماني كانت تتويجًا لمغامرته الاستراتيجية الكبرى لتغيير الشرق الأوسط، والتي تتنبأ بإمكانية العودة إلى سياسة الاغتيالات في الحروب بين الدول.

لفتت المجلة إلى أن سليماني كان أحد أهم القادة الإيرانيين، وصاحب اليد العليا والكلمة المسموعة في العمليات العسكرية التي تحدث في الشرق الأوسط؛ ومن بينها عمليات القصف والهجمات التي تنفذها أذرع إيران في المنطقة، والتي قتلت ما لا يقل عن 600 جندي أمريكي خلال الحرب العراقية.

لم يكن مقتل سليماني أول تحرك أمريكي لتغيير قواعد الحرب والصراع في الشرق الأوسط؛ حيث قالت "نيويوركر" إن عملية اغتيال عماد مغنية، أحد كبار القادة العسكريين في "حزب الله" اللبناني، مهَّدت الطريق نحو مقتل سليماني.

واتهمت الولايات المتحدة وأوروبا عماد مغنية بالتخطيط لأكثر العمليات الإرهابية خطورةً وإثارة؛ بما في ذلك التفجيرات التي قتلت مئتين وخمسين أمريكيًّا في بيروت عام 1983، وهجوم انتحاري على السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين عام 1992، قتل تسعة وعشرين شخصًا.

واعتبر بعض القادة والمُحللين مقتل سليماني غير قانوني ويخالف المعاهدات الدولية؛ ومنها اتفاقية لاهاي لسنة 1907، والتي حظرت قتل أي مسؤول حكومي أجنبي خارج وقت الحرب بموجب قانون النزاع المسلح.

وتقول "نيويوركر": "إن المسؤولين الأمريكيين حذروا بعد الكشف عن مقتل سليماني من أن هذه العملية سوف تشكل تهديدًا كبيرًا على مصالح الولايات المتحدة ومواطنيها في المنطقة".

وبعد الضغط الشديد والانتقادات، بررت الإدارة الأمريكية مقتل سليماني بتلقيها معلومات سرية، لم يثبت صحتها إلى الآن، تزعم أنه كان يُخطط لعمليات عسكرية ضد الولايات المتحدة، وتهدد أمنها وسلامتها.

خطة القتل

1

استبعدت جينا هاسبل، مدير مكتب الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أن تبالغ إيران في انتقامها لمقتل سليماني، وأخبرت الرئيس الأمريكي أن عدد القتلى وحجم الخسائر المترتبة على الهجمات المزعومة التي يخططها سليماني، سوف يكون أكبر كثيرًا مما يترتب عليه بعد مقتله.

مال ترامب إلى رأي هاسبل، وأصدر تعليماته لقتل سليماني.. وأُصيب الضباط في القيادة المركزية بالدهشة، وساروا إلى إعداد الخطة، وبحلول المساء كانت لديهم معلومات استخباراتية تفيد أن سليماني كان في بيروت، والتقى حسن نصر الله، زعيم "حزب الله" الشيعي اللبناني، وأنه يعتزم المرور بدمشق، في طريق عودته من بغداد.

ووَفقًا للاستخبارات الأمريكية؛ فإن مخططي عملية قتل سليماني أبقوا الأمر سرًّا حتى على بعض المسؤولين والقيادات العليا في وزارة الخارجية، وحتى المسؤولين المكلفين بتأمين السفارة في بغداد، إلا أنهم أطلعوا نتنياهو على الأمر.

"الرجل المنشود"

2

في الأشهر الأخيرة قبل وفاته، ظهر سليماني في صورة الرجل المنشود، قالت "نيويوركر" إنه بعد سنوات من العمل السري، ظهر سليماني للعلن، وتحدث أمام الجميع في مقابلة نادرة مع التليفزيون الإيراني، استحضر فيها ذكرياته مع حسن نصر الله، عندما كان الاثنان في بيروت في عام 2006، وقال إنهما شاهدا طائرات الاحتلال الإسرائيلي تحلق في سماء بيروت تستعد لقصف جوي، ولكنهما تمكنا من الهرب بمساعدة عماد مغنية.

بعد أيام معدودة من هذه المقابلة؛ ألقت الحكومة الإيرانية القبض على ثلاثة مُشتبه فيهم كانوا يخططون لمؤامرة لقتل سليماني، والتي تضمنت حفر أنفاق نحو مكان كان من المفترض أن يوجد به، وزرع قنبلة فيه.

عندما استقل سليماني رحلته الأخيرة، استقلت طائرة أمريكية من طراز "MQ-9 Reaper" في العاصمة العراقية، وأوضحت المجلة الأمريكية أنه في الساعة 12:36 صباحًا هبطت طائرته في مطار بغداد الدولي، وسارعت عربة وشاحنة صغيرة نحو مهبط درج الطائرة، حيث استقبل أبو مهدي المهندس، سليماني.

ركب الرجلان المركبات رفقة حاشيتهما، وانطلقت السيارات في الطريق الفارغ نحو المدينة، وفي تمام الـ12:47 صباحًا، حسب "نيويوركر"، بينما كان الموكب يتحرك بين أشجار النخيل، اصطدمت الصواريخ بالمركبات، فأشعلت فيها النيران، وكل الركاب العشرة لقوا حتفهم.

"لا نسعى للتصعيد"

حسب "نيويوركر"، فإن عملية قتل سليماني تختلف إلى حد بعيد عن الأسلوب الأمريكي المُتبع في تنفيذ العمليات المُماثلة منذ 2002.

بعد مقتل سليماني بأيام، أطلقت إيران أكثر من عشرة صواريخ على قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، وأفادت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أنه رغم عدم وقوع أي قتلى؛ فإن أكثر من 30 جنديًّا أصيبوا في الدماغ، وأعلنت طهران تخليها عن القيود المفروضة على تخصيب اليورانيوم، رغم سماحها باستمرار عمليات التفتيش التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

كما كشفت تحركات إيران بعد مقتل سليماني، وفقًا لـ"نيويوركر"، عن أنها تبعث للعالم برسالة مفادها "لا نسعى إلى المزيد من التصعيد".

"لعبة غيّرت كل شيء"

3

خلف الأبواب المُغلقة، سأل المشرعون الأمريكيون مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي، ومارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش، ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تُخطط لشن هجمات على قادة إيرانيين مثل آية الله خامنئي، ولكنهم نفوا تلك المسألة تمامًا.

لكنّ إيران ووكلاءها في جميع أنحاء الشرق الأوسط اعتبروا مقتل سليماني سابقة لم يكن لها مثيل. وتوقع جون برينان، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، أن الإيرانيين لم يطبقوا مبدأ "العين بالعين" ولم يشبعوا رغبتهم في الانتقام، ورجح أن يكون الهجوم على القاعدتين العسكريتين في العراق والذي أسفر عن إصابة عدد قليل من الجنود الأمريكيين كان كالإحماء فقط.

وقال برينان: "هناك أشخاص يرغبون في الانتقام لمقتل سليماني، وأتوقع في مرحلة ما وفي مكان ما سوف يحدث ما لا يحمد عقباه".

ساور القلق إدارتَي جورج بوش وباراك أوباما من أن تصعد إسرائيل العنف ضد إيران، وتجذب الولايات المتحدة إلى النزاع، إلا أن العكس ما حدث حسب توماس ب. بوسرت، مستشار الأمن القومي ومكافحة الإرهاب في إدارة ترامب في الفترة من 2017 إلى 2018. حيث قال بوسرت إن إسرائيل تشعر الآن بالقلق من احتمال تصعيد الولايات المتحدة للنزاع مع إيران من جانب واحد.

كما أكد كل المُقربين من نتنياهو أنه ابتهج بعد تلقيه خبر مقتل سليماني، وقال الدبلوماسي الإسرائيلي "غيّر مقتل سليماني كل شيء". اعتقد معسكر نتنياهو أن هذه العملية سوف تقضي على أية محاولة لإنهاء النزاع الأمريكي- الإيراني دبلوماسيًّا، كما أكدت عزم الولايات المتحدة على مواصلة الضغط على إيران.

وأجرت إيران مراسم توديع سليماني في السادس من يناير الماضي، وتدفق الملايين من الإيرانيين في شوارع طهران في مشهد لم يحدث في الجمهورية الإسلامية منذ مقتل آية الله روح خامنئي في 1989، وكان للمُرشد الأعلى ظهور نادر وهو يبكي على نعش سليماني. وخارج إيران، شيّع أعداد كبيرة من المواطنين سليماني، وشاركوا في جنازات أقيمت في العاصمة العراقية بغداد وغيرها، ودعا كثير من الشيعة إلى الانتقام للقائد العسكري الراحل.

في أثناء متابعة الأخبار في تل أبيب، شعر ضابط استخبارات إسرائيلي سابق بالاضطراب، وأوضح لـ"نيويوركر" أن الأمر يختلف عن اغتيال مغنية في دمشق؛ لأن قادة إيران يحاولون إيصال رسالة مختلفة تمامًا إلى الشعب، متابعًا: "نزل الملايين إلى الشوارع، لمدة ثلاثة أيام لم تتوقف الاحتجاجات، الإيرانيون لن ينسوا ولن يغفروا أبدًا".

فيديو قد يعجبك: