إعلان

من سوريا إلى قره باغ.. كيف استغل أردوغان "هدية الله" للسيطرة على غاز وبترول 4 دول؟

05:48 م الأربعاء 25 نوفمبر 2020

أردوغان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت – إيمان محمود

كانت ليلة الخامس عشر من يوليو 2016 "هديّة الله" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على حد وصفه لها، فقد رأى فيها فرصة لتطهير الجيش، لكن التطهير شمل كل القادة العسكريين الذين تصدّوا في السابق لطموحاته التوسعية رافضين القيام بعمليات عسكرية عابرة للحدود.

اليوم، وبعد مرور أكثر من أربع سنوات، استطاعت تركيا أن تجد لنفسها موطئ قدم في أكثر من صراع دائر بالمنطقة؛ سواء بالتدخل العسكري العلني أو بإرسال مُرتزقة يحاربون عنها بالوكالة أو كلاهما، بالإضافة إلى القواعد العسكرية في قطر والصومال وأفغانستان والعراق وقوات لحفظ السلام في البلقان، حتى أصبحت أنقرة تتمتع بانتشار عسكري خارجي وُصف بـ"الأكبر منذ عهد الدولة العثمانية".

بهذه الممارسات سطرت أنقرة بنفسها قائمة لا نهائية من العداءات الخارجية، وزادت العُزلة الدولية لتركيا خلال السنوات الأخيرة، وأصبحت مُهددة بفرض عقوبات من الأوروبيين الذين عانوا من ابتزاز أردوغان لهم بورقة عبور اللاجئين والعناصر الإرهابية إلى قارتهم العجوز.

لكن على جميع الأصعدة، لم يسمح حُلم استعادة الإمبراطورية العُثمانية لأردوغان بالرضوخ إلى أي ضغوط خارجية أو داخلية، فالرئيس المعروف بسحق معارضيه يمضي قدمًا نحو توريط بلاده في أكثر من جبهة؛ بدأت بسوريا ولم تنتهِ بعد..

صورة 1

البداية.. حُلم استعادة سوريا العثمانية

أثار النزاع السوري المُندلع عام 2011 مطامع إقليمية ودولية، كانت تركيا واحدة منها؛ فالدولة الواقعة على الحدود الشمالية السورية استغلّت الصراع في إحياء آمال احتلال الشمال السوري.

دعمت تركيا الفصائل السورية المتطرفة، وأبرزها "جبهة النُصرة" الجناح السوري السابق لتنظيم القاعدة والتي تُعرف حاليًا باسم "هيئة تحرير الشام"، وأيضًا "الجيش السوري الحرّ" الذي فتحت أنقرة أبوابها لتدريب عناصره وبعد تقهقره أمام الأسد وحليفه الروسي، أعادت تنظيمه باعتباره "الجيش الوطني السوري".

في بداية الصراع، كانت لدى أردوغان طموحات في مساعدة الفصائل المعارضة المُسلحة، لكن الرياح أتت بما لا يشتهيه أردوغان، وجاء التدخل العسكري الروسي في عام 2015 ليقلب الموازين لصالح الرئيس السوري بشار الأسد بعد أن كان على مقربة من الهزيمة.

اضطرت تركيا لإعادة ترتيب أوراقها، وجعلت في مقدمة أولوياتها القضاء على الأكراد القاطنين في المناطق السورية القريبة من حدودها، والذي كانوا منشغلين وقتذاك في محاربة عناصر تنظيم داعش الإرهابي بدعم من الولايات المتحدة.

وبالفعل غزت الدبابات التركية في عام 2016، أراضي سوريا في عملية سُميت بـ"درع الفرات"، سيطرت من خلالها على عفرين ومنبج في حلب، ونشرت لأول مرة فصائل موالية لها في هذه المناطق.

رسمت تلك العملية مسارًا مُختلفًا لاستراتيجية أردوغان في سوريا، وأصبح مُتهمًا بتحويل السوريين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل المتطرفة إلى مُرتزقة من خلال مكاتب تجنيد -أشبه بالشركات الأمنية- مُستغلاً الحاجة الماديّة بسبب الحرب لدى البعض، والمفاهيم الدينية المتطرفة لدى البعض الآخر.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، بدأ أردوغان اتباع استراتيجية جديدة حاول من خلالها التقرّب إلى روسيا وإيران -الطرفين الدوليين الأبرز في الصراع السوري- ثم أطلقت الدول الثلاث محادثات أستانا بين الدول في عام 2017، لتعزز أنقرة على إثر المحادثات وجودها العسكري من خلال نشر 12 نقطة مراقبة في محافظات إدلب وحماة وحلب.

ثم شنّت تركيا عمليتين عسكريتين لغزو مناطق جديدة في الشمال السوري؛ الأولى تحت اسم "غصن الزيتون" في يناير 2018، والثانية "نبع السلام" في أكتوبر 2019، ومن خلالهما شهدت مناطق الأكراد عمليات قتل ونزوح بالمئات بالإضافة إلى ما قامت به الفصائل من ممارسات سلب ونهب لممتلكاتهم.

ورغم كل ذلك، يقف أردوغان على حافة الفشل في سوريا، فهو لم يستطع تعزيز تواجده في كامل المناطق الحدودية الكردية، كما أن اختلاف الأهداف مع روسيا جعل استمرار المواجهة حتميه، خاصة مع استمرار الأسد في التقدم نحو المناطق الشمالية (آخر جيوب الفصائل المُسلحة).

وإثر هجوم قوات الأسد بدعم روسي خلال العام الجاري، أصبحت الفصائل المُسلحة تسيطر على نحو نصف مساحة إدلب وأجزاء من أرياف حلب واللاذقية وحماة.

أما أردوغان؛ فتكبّد خسائر في الأفراد والعتاد، ثم اضطر لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع روسيا، وسحب نقطتي مراقبة من مناطق سيطر عليها الأسد بمحافظة حماة؛ لنقلهما إلى مناطق أخرى تحت سيطرة الفصائل.

واتهمت الحكومة السورية وموسكو أنقرة بسرقة النفط السوري، قائلين إن أردوغان يمد الفصائل المُسلحة الإرهابية ومنهم تنظيم داعش بالسلاح مقابل نقل شاحنات البترول التابعة للتنظيم إلى الحدود التركية بأسعار أقل وبكميات كبيرة.

صورة-2

العراق.. صراع كردستان التاريخي

لدى تركيا تاريخ طويل في قصف المناطق الكردية الواقعة شمالي العراق، ففي ثمانينيات القرن الماضي، بدأت تركيا ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي طالما سبب لها صداعًا بمطالبه الانفصالية.

وفي عام 1983 بدأت أنقرة بشنّ غارات كثيفة على المناطق الكردية العراقية، وذلك في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، الذي وافق على الغارات التركية، كما وافق لاحقًا على إنشاء قواعد عسكرية تركية داخل هذه المناطق.

في ذلك الوقت، كان حزب البعث العراقي يلاحق قوات البشمركة الكردية كما تلاحق تركيا قوات العمال الكردستاني، وبموجب الاتفاقية بين الطرفين، مُنحت تركيا بملاحقة أهدافها داخل حدود العراق بعمق 20 كيلومترا، لكن العراقيين يقولون إن الجيش التركي تخطى هذا العُمق بكثير خلال الشهور الماضية.

واهتمت تركيا ببناء قواعد عسكرية ثم مراكز ومقرات لاستخباراتها داخل أراضي إقليم كردستان العراق. وتضاربت التصريحات حول عدد المقرّات العسكرية التركية في شمال العراق، لكن رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدريم قال في عام 2018: "قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل التوغل إلى حدودنا".

فيما يقدّر الأكراد عددها بأكثر من 27 قاعدة عسكرية، بحسب موقع "كوباني كورد" الذي قال إن عدد الجنود الأتراك في كردستان العراق يفوق الـ 3000 ألف إلى جانب 1000 من عناصر الاستخبارات.

وذكر الموقع الكردي أماكن تواجد القواعد التركية في مناطق باطوفة، وكاني ماسي (كري باروخي)، والقاعدة العسكرية واللوجستية في بامرني والتي تحتوي أيضًا على مطار، وقاعدة سنكي، وقاعدة في مجمع بيكوفا (كري بيي)، وقاعدة في وادي زاخو، وقاعدة سيري العسكرية في شيلادزي، وقاعدة كويكي، وقاعدة قمريي برواري.

وأيضًا القاعدة كوخي سبي، والقاعدة دريي دواتيا، والقاعدة جيل سرزيري، وقاعدة في ناحية زلكان قرب جبل مقلوب في بعشيقة، بالإضافة إلى مقر ات الأمن التركي في مركز قضاء العمادية، ومركز باطوفة، وقضاء زاخو.

وتملك تركيا قاعدة عسكرية كبيرة في بامرني بمحافظة دهوك، منذ 1997 وتحديدًا في موقع مدرج قديم كان يستخدمه الرئيس السابق صدام حسين لزيارة قصوره في مناطق سياحية قريبة.

وبعد سقوط النظام السابق عام 2003، استغلت تركيا الاتفاقية التي وقعتها في عهده، لتزيد من قواعدها العسكرية والمراكز الأمنية، وشنّ مئات الهجمات واحتلال عشرات القرى الكردية، بحجة ملاحقة عناصر العمال الكردستاني.

وحتى اليوم، تستخدم أنقرة الحجة ذاتها لتعزيز تواجدها العسكري في شمال العراق الغني بالنفط.

ففي عام 2012، اتهمت الحكومة العراقية أنقرة بسرقة نفط إقليم كردستان الذي تنتشر فيه القوات العراقية، كما اتهمتها مرة أخرى في عام 2015، بالتعاون مع تنظيم داعش في سرقة النفط من المناطق التي يسيطر عليها.

صورة-3

ليبيا.. بوابة ثروات شرق المتوسط

كشف أردوغان أطماعه في ليبيا حين وصفها بـ"إرث العثمانيين"، مُبررًا تدخلاته في الدولة الغنية بالنفط، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية الليبية بعد مقتل الرئيس السابق مُعمّر القذافي في أواخر عام 2011، بدأت تركيا في إرسال شُحنات أسلحة -بشكل سري- لدعم جماعة الإخوان.

كانت عينا أردوغان مُنصبّتان في ذلك الوقت على نفط ليبيا كهدف أساسي، فكان النفط مقابل الأسلحة، ثم ازدادت أهمية الدولة الإفريقية بعد انهيار حُكم الإخوان في مصر عام 2013، والذي مثّل ضربة قويّة للمشروع التركي.

استمرت تركيا في تقديم الدعم بعد تولي فايز السرّاج رئاسة حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عن اتفاق الصخيرات في 2015، وبات السرّاج حليفًا مُقربًا، لكنه لم يصمد أمام الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي اقترب من السيطرة على البلاد، قبل أن تغامر تركيا وتتدخل بشكل مختلف في نوفمبر 2019.

ففي هذا التاريخ، وقّع السرّاج وأردوغان مذكرة تفاهم في محاولة لشرعنة تدخله العسكري في ليبيا بحجة بنود الشق الأمني من المُذكرة التي تنصّ على تقديم التعاون العسكري والدعم اللوجستي.

وبدأ الحديث عن إرسال تركيا لمُرتزقة سوريين، بحسب ما نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض ثم أكد ذلك الجيش الليبي بعدما ألقى القبض على بعض عناصرهم، وبالتوازي ازدادت زيارات الوفود المخابراتية والأمنية بين البلدين.

أما الشق الثاني من المُذكرة؛ فكان لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، والذي كشف عن أطماع جديدة لتحويل ليبيا إلى بوابة لبسط النفوذ التركي في صراع شرق المتوسط.

أشار المسح الجيولوجي إلى وجود احتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط قُدرت بنحو 122 تريليون قدم مكعب، وهو ما تسعى أنقرة بأن يكون لها نصيب وفير من تلك الثروات، خاصة أنها على خلاف مع قبرص واليونان حول الحدود البحرية وحقوق التنقيب.

وبعد ترسيم الحدود البحرية التركية الليبية (غير المُعترف بها دوليًا)، هرولت شركات الطاقة التركية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية الليبية، كما أرسلت أنقرة سفناً حربية لحماية سفن التنقيب.

وفي تحرك مضاد، أعلنت مصر توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، في أغسطس الماضي، ما أدى لقطع الطريق على أعمال التنقيب التركية غير المشروعة.

وقبل بضعة أشهر، حولت دول المتوسط منتدى غاز شرق المتوسط الذي تم تأسيسه في مُقتبل العام الماضي إلى مُنظمة تحمل الصفة الرسمية للتمثيل في المحافل الدولية على أن يكون مقرّها القاهرة.

وجاء إعلان المنظمة بمثابة تكاتف دولي ضد أعمال أردوغان، إذ وقّع الأردن واليونان وقبرص وإسرائيل وإيطاليا على ميثاقها، وطلبت فرنسا الانضمام، كما طلبت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي صفة مراقب.

وعلى الجانب العسكري، اصطدم أردوغان بتحذيرات مصر في يوليو الماضي، من الاقتراب إلى مدينتي سرت والجفرة الليبيتين بوصفهما "خط أحمر"، ثم اتفقت اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، الأسبوع الماضي، على سحب القوات والمرتزقة من خطوط التماس نحو بنغازي وطرابلس في خطوة أولى قبل ترحيلهم خارج البلاد.

صورة 4

قره باغ.. تأمين خطوط الغاز

في هذا الصراع أيضًا يلعب الغاز دور البطل، فأذربيجان محطة إنتاج ونقل الطاقة الرئيسية في جنوب القوقاز، هي دولة غنية بالنفط والغاز، ولها تعاون كبير في هذا الشأن مع تركيا.

تمتلك أذربيجان حقلي غاز هما: حقل شاه دنيز 1 ويضخ نحو 8 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ثم شاه دنيز 2 ومتوقع أن يضخ نحو 16 مليار متر مكعب سنويا، منها عشرة مليارات متر مكعب مخصصة لأوروبا وستة مليارات لتركيا.

وهناك تعاون كبير بين تركيا وأذربيجان عبر خط أنابيب نقل النفط "باكو-تبليسي-جيهان"، وخط أنابيب الغاز الطبيعي باكو –تبليسي-أرضروم"، وخط أنابيب "تاناب" الذي تم الإعلان عن جهوزيته الشهر الماضي، لنقل غاز أذربيجان إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.

ومن جهة أخرى، يُعد الغاز الأذربيجاني، هو الأرخص بالنسبة لتركيا؛ إذ يكلفها الألف متر مكعب منه 180 دولار، مقابل 188 دولار للغاز الروسي، و191 دولار للإيراني، بحسب ما ذكرته "تي آر تي" التركية في سبتمبر الماضي.

كما تتعاون تركيا مع أذربيجان لتطوير الخطوط وإنشاء محطات جديدة من شأنها أن تزيد حجم صادرات الغاز 3 أضعاف ليصل إلى أكثر من 20 مليار متر مكعب سنويًا.

اصطفت أنقرة إلى جانب أذربيجان في صراعها التاريخي مع أرمينيا حول إقليم قره باغ، والذي يعود إلى عام 1988عندما اندلعت حرب دامية بين القوات الأذربيجانية والانفصاليين الأرمن في الإقليم، انتهت بتوقيع هدنة بين الطرفين في عام 1994.

ومنذ ذلك الوقت لم تقع بين الطرفين نزاع مُسلح سوى مرة واحدة في عام 2016، لكنه لم يصل إلى العُنف الذي بلغه في نزاع الأسابيع الماضية.

كانت تركيا واضحة في موقفها تجاه أزمة قره باغ، فأعلنت الانحياز لأذربيجان والاستعداد لتقديم كل أشكال الدعم، ضد أرمينيا التي تعود جذور الخلاف التركي معها إلى مذابح الأرمن التي وقعت في عهد الدولة العثمانية.

وضعت أنقرة كل أشكال الدعم العسكري لصالح أذربيجان، كما انهالت الاتهامات الدولية عليها بإرسال "مُرتزقة سوريين وليبيين"، وذكر المرصد السوري أن أعداد المُرتزقة السوريين الذين نقلتهم تركيا وصلت إلى نحو 2050".

وبالإضافة إلى المُرتزقة والدعم اللوجستي وافق البرلمان التركي، الثلاثاء الماضي، على طلب أردوغان بإرسال قوات من الجيش التركي إلى دولة أذربيجان.

والشهر الجاري، وقعت أرمينيا وأذربيجان اتفاق سلام بوساطة موسكو، ينص الاتفاق على استعادة أذربيجان السيطرة على 3 محافظات؛ كلبجار، وأغدام، ولاتشين.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، اعتبر الاتفاق بمثابة نصر لبلاده، وأن أرمينيا لم تكن لديها خيار سوى قبول الاتفاق.

أما أنقرة فضمنت وجودها عسكريًا من خلال قوات حفظ السلام المُشتركة مع روسيا في الإقليم، كما حققت أكثر المكاسب الاستراتيجية من خلال إيجاد معبر بري يربط بين الأراضي الأذربيجانية وإقليم ناخيتشيفان عن طريق آرتساخ، وبالتالي سهّلت الطريق أمام مد خطوط أنابيب النفط والغاز الأذربيجاني تجاه أوروبا.

اضغط للاطلاع على مواقع التمركزات العسكرية التركية شرق المتوسط

فيديو قد يعجبك: