إعلان

بأدوات متعددة.. كيف تُعيق إيران خروج العراق من شباكها؟

06:03 م الجمعة 01 نوفمبر 2019

لقاء سابق بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس الو

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

برلين (دويتشه فيله)

يرفع المتظاهرون في العراق شعاراتٍ بإنهاء النفوذ الإيراني، لكن طهران لا تعدم القدرة على المناورة. فما هي الآليات التي تعتمدها؟ وكيف استطاعت تثبيت حضورها في بلاد الرافدين بكل هذه القوة؟

لا تتوقف أهداف أكبر مظاهرات تشهدها العراق منذ الإطاحة بصدام حسين عند إسقاط الحكومة الحالية، بل يرفع عدد من المتظاهرين شعارات أكبر، من أبرزها إنهاء النفوذ الإيراني في البلاد، في وقت تدافع طهران عن نفسها بإلقاء الكرة في ملعب الغرب، إذ صرّح المرشد آية الله علي خامنئي أن "أجهزة المخابرات الأمريكية والغربية تثير الاضطرابات بدعم مالي من دول رجعية في المنطقة".

ورغم الدور الذي تكون قوى غربية قد لعبته في تأزم أوضاع العراق، ومن ذلك الغزو الأمريكي الذي لم يحقق ما رفعه من شعارات بالحياة الكريمة للعراقيين، فضلاً عن تدخل قوى إقليمية أخرى في معركتها مع إيران لكسب النفوذ، إلّا أن هذه الأخيرة استنجدت بأسلحة متعددة حتى تجعل من العراق حديقة خلفية لها.

ويمثل شعار "لا مقتدى ولا هادي" (في إشارة إلى مقتدى الصدر وهادي العامري) تجسيداً لمطالب الاحتجاجات التي مسّت الجار الإيراني، فالعامري يقود تحالفاً من فصائل شيعية مدعومة من لدن إيران. وتدرك طهران خطورة هذه الاحتجاجات على وجودها السياسي والعسكري وحتى الطائفي في البلاد، خاصة أنها حدثت في مدن ذات أغلبية شيعية، حيث يتعمق النفوذ الإيراني.

"معركة حياة أو موت"

تشير الباحثة حنين غدار في تحليل على "فورين بوليسي" أن المتظاهرين لم يعودوا يتسامحون مع القوة الإيرانية، وأن المجتمع الدولي عليه استيعاب أن الحاضنة الرئيسية لإيران في العراق أو في لبنان (أي المناطق الشيعية) لم تعد تقبل أن تكون طهران هي من تحكمها. وتبرز المحللة أن المظاهرات الأخيرة بيّنت كيف أن القوة الإيرانية "جد هشة" مقارنة مع ما يعتقده العالم عنها، بل أكثر من ذلك، أشارت غدار إلى عدم وجود ذلك الترابط القوي المفترض بين الشيعة وإيران.

وحسب الإعلامي العراقي، أحمد الركابي، فإن طهران ستواجه تهديداً كبيراً في العراق إن سقطت الأحزاب المرتبطة بها، مشيراً في حديث مع DW عربية، إلى أن العراق يمثل "خطاً أحمر" بالنسبة لإيران، فقد حققت لها مكتسبات كبيرة داخله، سواء من جانب أمني يخصّ مراقبة الحدود الشاسعة التي تجمعهما، أو من جانب اقتصادي متجسد في العائدات النفطية. ويوضّح الركابي أن طهران سـ" تستميت في الدفاع عن المنظومة الحالية، وهي المنظومة ذاتها التي يراها العراقيون متعارضة مع تطلعاتهم في حياة كريمة".

وترسل إيران في هذا الإطار رسائل سياسية بأن "الأعداء يسعون للتفرقة" كما صرح المرشد الإيراني. لكنها لم تتوقف عند العمل السياسي، بل لجأت إلى العمل العسكري لمواجهة الخطر، ومن ذلك قبضة الميليشيات المسلحة التي واجهت المتظاهرين بقسوة وفق ما نشرته رويترز، وما ترتب عن ذلك من مصرع أكثر من 250 شخصا وجرح المئات.

ويبرز الركابي أن القوة العسكرية ستكون من أبرز آليات طهران للدفاع عن نفوذها، بل إن التطوّرات قد تصل حد "وقوع مجازر أكبر مما شاهدناه مؤخرا، فالمعركة داخل العراق معركة حياة أو موت بالنسبة لإيران"، يقول الإعلامي العراقي.

دور تاريخي في تعزيز النفوذ

حازت إيران دوراً متعاظما في العراق، منذ سقوط نظام عدوها اللدود، صدام حسين، وغزو القوات الأمريكية للبلاد. كانت الفرصة مواتية حينئذ لطهران حتى تجعل من العراق تابعاً لقراراتها، مستفيدة من الكثرة العددية للشيعة، الذين عانوا تضييقاً كبيراً في فترة حكم صدام، ومن القرب الجغرافي، فعززت نفوذها سياسياً داخل البرلمان، ودينياً عبر التقارب مع المرجعيات الشيعية والإشراف على تسهيل حج الإيرانيين إلى النجف وكربلاء، وعسكرياً عبر التغلغل في أجهزة الدولة العسكرية.

"استغلت طهران العاطفة الدينية لكون غالبية الشعب من الشيعة" يقول الركابي، مشيراً كذلك إلى أن أن عدم معرفة الولايات المتحدة بطبيعة المجتمع العراقي "فتح المجال أمام إيران لتعزيز نفوذها الذي تقوّى أكثر مع الصراعات الطائفية التي نهشت العراق، ومع ضعف الطبقة السياسية العراقية، زيادة على تمتع القيادة الإيرانية بدهاء كبير في السياسة الخارجية، كما فعلت مع العقوبات الغربية عليها".

وتقوّى الدور الإيراني عندما استغل طهران وقوع مناطق في العراق تحت قبضة تنظيمات إرهابية، بدءاً من "القاعدة"، وانتهاءً بـ"داعش" كي تفرض نفسها مساهمة في إعادة الأمن للبلد، ومن أدلة ذلك الدور الذي لعبته قوات الحشد الشعبي في تحرير الموصل من "داعش"، وهي القوات التي تحضر داخلها ميليشيات مرتبطة بإيران، كما يشير إلى ذلك الباحث هيثم عثمان، في مقال على معهد واشنطن.

تأثير على واقع العراق

وكان لهذا الحضور العسكري تأثير كير على الحضور السياسي الإيراني في العراق، إذ يتحدث هيثم عثمان في مقاله عن أن الانتخابات البرلمانية لعام 2018 مكّنت طهران من مكاسب سياسية، فكتلة "الفتح المبين" التي حازت 47 مقعدا تضم فصائل الحشد الشعبي. ورغم أنها جاءت ثانيا بعد كتلة "سائرون"، إلّا أن وكلاء إيران، وفق تعبيره، سيطروا على إدارة الحكم، ما مكن إيران من مكاسب اقتصادية في العراق خفّفت من حدة العقوبات الأمريكية، ومن ذلك تدفق رؤوس الأموال الإيرانية، وإنشاء مشاريع ضخمة عادت عليها بالنفع.

وليس الحضور الإيراني في العراق "سوى جزءٍ من مشروع كبير لطهران لأجل تصدير ثورتها إلى المنطقة، وتحديداً إلى الدول ذات الحضور الشيعي"، حسب ما تكتبه حنين غدار، وهو المشروع الذي يعود إلى الثورة الإسلامية التي أسقطت نظام الشاه. ومن أبرز البلدان الأخرى ذات الأولوية الإيرانية، هناك لبنان، حيث تتخذ طهران الموقف ذاته الحذر من المظاهرات، وهناك بلدان أخرى لا يمثل فيها الشيعة أكثرية، كاليمن، لكن إيران رعت فيها مجموعات مسلحة في إطار صراعها القطبي مع السعودية.

لذلك، تعي إيران أن مظاهرات العراق، ومعها كذلك مظاهرات لبنان، تمثل تحدياً لها، وضربةً جديدة لسمعتها في المنطقة، لكنها قد تتعامل معها باستراتيجية أخرى، بل "قد يتقوى الحضور الإيراني في العراق أكثر بعد المظاهرات"، والكلام هنا لأحمد الركابي الذي يعتقد أن "غياب قيادة للاحتجاجات، وعدم وجود من يمثل المتظاهرين في الساحة السياسية، يمثل في الآن ذاته نقطة قوة ونقطة ضعف، قد تستفيد منها طهران لتثبيث نفوذها"، بل إن النظام الإيراني، حسب مقال حنين غدار، "شديد الصبر في تنفيذ سياساته، ويقبل الهزائم الصغيرة بأعين مفتوحة تجاه الهدف الرئيسي، أي السيطرة على العراق ولبنان وسوريا واليمن".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: