في الذكرى الـ62 على مذبحة كفر قاسم.. لواء إسرائيلي يكشف تفاصيل لأول مرة

11:42 ص الثلاثاء 16 أكتوبر 2018

كتبت- هدى الشيمي:

في منتصف يوليو، أُقيم عرض غريب في محكمة استئناف عسكرية في قرية كفر قاسم، مقر المؤسسة العسكرية في تل أبيب. القاضي، وهو قيادي في جيش الدفاع الإسرائيلي، دعا عيساوي فريج، سياسي من عرب إسرائيل ويشغل منصب عضو في الكنيست عن حزب ميرتس، إلى منصة الشهود، وسأله سؤالاً واحدًا وهو: "هل نشر الوثائق السرية المتعلقة بمجزرة قرية كفر قاسم، والتي حدثت عام 1956 سيثير غضب سكانها؟".

إعلان

ذكرت هآرتس أن فريج واحد من بين كثيرين فقدوا أفراد عائلاتهم بسبب المذبحة التي قامت بها شرطة الحدود الإسرائيلية، ما خلق حالة من الغضب الشديد والتي لم تنتهِ بعد مرور حوالي 62 على وقوع المذبحة.

ومع ذلك، أوضح فريج أن سكان القرية لا يرغبون في الانتقام أو الأخذ بالثأر لما حدث لهم. وقال: "ليس لدينا مصلحة في تعطيل أمن الدول، أو التخلص من أي شخص، خاصة وأن المواطنين يعلمون أي يوجد اللواء يسسخار (يشكا) شيدمي، قائد اللواء 17 في المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي".

كان شيدمي، وفقًا لهآرتس، قائد القوات والمسؤول عن المنطقة في ذلك الوقت، ونُفذت المذبحة بأوامر منه، وكان يوجد في منزله الواسع في حي رامات أفيف الراقي، عندما حدثت تلك الكارثة، ولم يكن يعلم أن اسمه سيرتبط بها في التاريخ.

مؤامرة لطرد العرب

تتضمن المحاكمة التي لا زالت سارية، دعوى قضائية للمؤرخ آدم راز، الذي يطالب بأن يقوم الجيش الإسرائيلي برفع الحظر عن الوثائق السرية المتعلقة بالمجزرة.

أجرى راز، 35 عامًا، العديد من المقابلات مع الشخصيات التي لها علاقة بالمذبحة، ومن بينهم شديمي، الذي توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 96 عامًا، ومن المقرر أن ينشر كتابه الذي يتحدث فيه عن تفاصيل تُنشر لأول مرة عن الجريمة في وقت قريب.

واستعرضت هآرتس شهادة شديمي، حسبما نقلها راز في كتابه، إذ يقول المسؤول العسكري الإسرائيلي إن محاكمته في عام 1958 كانت أمرًا صوريًا، كان الهدف منها الحفاظ على أمن إسرائيل، ورفع المسؤولية عن نخبتها السياسية، بما في ذلك رئيس الوزراء وقتذاك بن جوريون، ووزير الدفاع موشيه ديان، ومسؤولين آخرين، وُجهت لهم الاتهامات بسبب المجزرة.

قال شديمي إن المحاكمة، التي اُتهم فيها في القتل في بداية الأمر ثم تمت تبرئته فيما بعد، كان الهدف منها تضليل المجتمع الدولي، وإظهار إسرائيل في صورة الدولة التي تسعى إلى تطبيق العدالة.

فيما يرى راز أن المحاكمة كانت خدعة ومحاولة للتغطية على "عملية الخلد" والمعروفة باسم (الترانسفير)، وهي الخطة السرية التي عملت عليها إسرائيل لطرد العرب في منطقة المثلث إلى الأردن، والتي لم يُكشف عن تفاصيلها حتى اليوم.

أوامر بإطلاق النار

قال شديمي إن الأمر برمته بدأ في 29 أكتوبر عام 1956، في اليوم الأول مما تطلق عليه إسرائيل حملة سيناء. وكان هو مسؤولاً عن لواء القيادة المركزي، والمسؤول عن الدفاع عن المنطقة المحاذية للحدود مع الأردن. وأصدر أمرًا بحظر التجول، ليبدأ في وقت أبكر من المعتاد في ذلك اليوم في القرى العربية المجاورة ومن بينها كفر قاسم.

وأشار شموئيل ميلينكي، قائد كتيبة حرس الحدود، في وقت لاحق خلال محاكمته هو والجنود الذين تورطوا في المذبحة، إلى أن شديمي أصدر أوامر بإطلاق النار على أي شخص ينتهك حظر التجول.

وعندما سُئل عن مصير المدنيين الذين يعودون إلى القرية بعد تطبيق حظر التجول، قال مالينكي إن شديمي أخبره التالي: "لا أريد أن يشعر أي منكم بالتعاطف معهم، من يأتي متأخرًا (الله يرحمه)".

وفي محاكمته في الخمسينيات، نفى شديمي ما تردد عن إصداره أوامر بالتخلص من أي شخص ينتهك حظر التجول.

ماذا حدث؟

وبغض النظر عن هوية الشخص الذي أصدر الأوامر، فإن النتائج كانت كارثية. تستعرض هآرتس ما حدث ليلة المذبحة، وتقول إنه في حوالي الساعة الخامسة أو السادسة مساءًا في ذلك اليوم المشؤوم، قُتل حوالي 47 عربيًا كانوا عائدين إلى منازلهم في كفر قاسم، فتيات وصبيان ورجال ونساء، جميعهم أطلق عليهم قوات حرس الحدود الرصاص، علاوة على وفاة شيخ طاعن في السن إثر إصابته بأزمة قلبية عندما علم أن حفيده قُتل.

ووفقًا لأهالي القرية فإن إجمالي عدد القتلى وصل إلى 51 شخصًا.

أُدين ثمانية من ضباط الحدود وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي الأحد عشر بتهمة اطلاق النار، وأُرسلوا إلى السجن، وبحلول عام 1960 أُطلق سراحهم جميعًا دون أن ينهوا فترة عقوبتهم، فيما حصل بعضهم على وظائف حكومية مرموقة، وتقاضوا رواتب جيدة.

وبعد مرور حوالي عامين على المذبحة، تقول هآرتس إن شديمي بات الضابط الأعلى رتبة الذي تتم محاكمته، ووُجهت إليه الاتهامات بقتل 25 قرويًا، أي ما يعادل نصف الضحايا.

وفي نهاية الأمر، تم تبرئة شديمي من تهمة القتل، إذ أعلن القاضي أن الاتهامات الموجهة إليه غير مُثبتة بشكل عام ومبدئي، وتم اتهامه بأمر واحد فقط وهو تجاوز صلاحيته، وإصدار أوامر بشأن ساعات ومظاهر حظر التجول، في حين أنه يحتاج إلى تفويض الحاكم العسكري لتحديد موعد بدء وانتهاء حظر التجول، وفُرضت عليه غرامة مادية أغضبت سكان القرية بأكملها، وهي دفع عشرة قروش.

خطة للتخلص من العرب

وفيما تتكشف أدلة جديدة في المحاكمة تؤكد وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي، يرى المؤرخ والمؤلف راز إن محاكمة شديمي كانت بهدف حماية القادة الأكثر أهمية من أي اتهامات، والتستر على عملية الخلد، والتي هدفت إلى طرد العرب من المثلث الحدودي القريب من الأردن، والذي يضم كفر قاسم، لاسيما وأن إسرائيل لم تكن وقتذاك قد احتلت الضفة الغربية القريبة جدًا من المثلث، حسبما يوضح موقع عرب 48.

ولا تزال تفاصيل عملية الخلد غير معلومة وتخضع لسرية كاملة، إلا أن راز تمكن من التوصل إلى بعض المعلومات من خلال الحصول على وثائق قديمة، وأخرى خاصة بمحامي ملينيكي، قائد كتيبة حرس الحدود وقتذاك، والتي جاء فيها التالي: " أولا يجب تطويق القرية، ثم ابلاغ المسنين بإجلائها مع إعطاء امكانية بعبور الحدود حتى الوقت المحدد وهو ثلاث ساعات".

علاوة على ذلك، عثر راز على شهادة مكتوبة للواء أبراشا طمير، الذي كتب خطة عملية الخلد، وقال إن بن جوريون طلب وضع خطة حول كيفية التعامل مع العرب الموجودين في المثلث، في حالة نشوب حرب بين إسرائيل والأردن.

وقال طمير في شهادته، إن الخطة كانت كالتالي: "نقوم بما قام به الأمريكيون في حربهم مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، عندما حبسوا اليابانيين في معسكرات كي لا يشكلوا طابور خامس، لذلك ببساطة إذا بدأت الحرب فإن من يجري نحو الأردن سيتم إجلاءه إلى معسكرات اعتقال في الجبهة الداخلية، ولن يبقوا عند الحدود".

ومن أجل فهم العلاقة التي تربط بين عملية الخلد ومذبحة كفر قاسم وحملة سيناء، يوضح المؤرخ راز أن تلك الأحداث كلها بدأت في الفترة نفسها تقريبًا وقبل حرب أكتوبر 1973، عندما غزت إسرائيل الضفة الغربية، وكانت قرى عربية مثل كفر قاسم تقع بالقرب من الحدود الأردنية، وفي الأسابيع القليلة التي سبقت المجزرة، ارتفعت حدة التوترات في المنطقة، وتسلل العديد إلى إسرائيل.

وحدثت المجزرة بالتزامن مع بداية حملة سيناء، والتي انضمت فيها إسرائيل إلى فرنسا وانجلترا في هجومهم على مصر، والذي انتهى في النهاية بإستيلاء جيش الاحتلال على شبه الجزيرة المصرية، وكانت المذبحة جزء من العمليات والانتهاكات التي قامت بها قوات الاحتلال في الحرب.

إعلان