عائلة موءودة وأطفال مُحترقون وشُهداء عبارة عن أرقام.. سوريا في أسوأ حالاتها

11:20 م الأحد 11 فبراير 2018

كتب- هشام عبدالخالق:

"نصف دستة من الأطفال تم إخراجهم من مستشفى محترق.. انهيار منزل تم تفجيره ليدفن تحته أفراد العائلة، أمدّ رجال الإسعاف المرضى بالماء بعد هجوم محتمل بغاز الكلورين، وهو أحد خمسة في سوريا منذ بداية العام الحالي".. كل هذا هو مجرد جزء ضئيل مما حدث في شمال سوريا هذا الأسبوع، حسب تصريحات المقيمين هناك وعمال الإنقاذ، بعد أن كثفت الحكومة السورية وحليفتها الروسية، من حربهما الجوية على آخر معقلين للمعارضة في الدولة.

إعلان

كانت هذه المقدمة التي اختارتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية لتكون بداية لتقرير لها حول الأوضاع في سوريا، وكيفية تحولها من سيء إلى أسوأ، ويقول مُعاذ الشامي، أحد النشطاء المعارضين للحكومة في مدينة سراقب السورية في شمال الدولة: "استخدم النظام جميع أنواع الأسلحة ضدنا لمدة سبع سنوات، والعالم كله يكتفي بالمراقبة"، ويضيف "في سراقب.. نموت مرتين"، وذلك بعد أن تم قصف منشأة طبية عندما كان طاقمها يداوي جروح مصابي تفجير سوق في المدينة.

وتقول الصحيفة "منذ طرد تنظيم داعش من سوريا العام الماضي، وتقدم الحكومة السورية ضد المجموعات المتمردة، انتشر سوء فهم لدى كثير من دول العالم الخارجي بأن الحرب الدائرة الآن في طريقها للزوال، ولكن المذبحة السورية تصل إلى مرحلة أعلى الآن".

وتضيف "منذ ديسمبر الماضي، فرّ أكثر من 300 ألف شخص من القتال الجديد الدائر في شرق سوريا، وخلال 48 ساعة فقط هذا الأسبوع قتلت القوات الحكومية السورية أكثر من 100 شخص، أغلبهم مدنيين، طبقًا لعمال الإنقاذ، وذلك في الضواحي المحاصرة التي يسيطر عليها المتمردون شرق العاصمة دمشق، ويمكن سماع دوى الانفجارات ومشاهدة الدخان من مقر السلطة على بعد بضعة أميال".

الأمم المتحدة، أعلنت الثلاثاء الماضي، الوضع في سوريا "معقدًا"، ودعت لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، ورفضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تفجير المرافق الطبية في محافظتي حماة وإدلب، حيث كانت أغلبية المستشفيات متوقفة بالفعل.

وتابعت الصحيفة، في الوقت الذي ازدادت فيه هجمات الحكومة السورية على مناطق سيطرة المعارضة، أطلقت تركيا عملية "غصن الزيتون" ضد الأكراد على الحدود، وفجأة أصبح هناك ثلاث مناطق سورية تتعرض للهجوم، كلًا منها تمثل خطرًا جديدًا على المدنيين.

ويقول منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية حول الأزمة السورية، بانوس مومتزيس: "يوجد الآن عدة جبهات أصبح الشعب السوري المتواجد بها في خطرٍ شديد، دون التوصل إلى حل، ونحن لم نرّ هذا منذ وقت طويل".

الحقيقة هنا، أن الحرب السورية لسنوات، لم تكن حربًا واحدة فحسب، بل كانت شبكة من الصراعات المنفصلة المتصلة، وقد احتفلت معظم دول العالم العام الماضي، بسقوط دولة الخلافة المستوحاة من القرون الوسطى، والتي كان أعلنها تنظيم داعش في سوريا، ولكن مهّد هذا الفوز الطريق أمام الصراعات الداخلية في سوريا لتعود مرة أخرى، ويغذيها الآن دافع الانتقام، وفقًا للصحيفة.

ففي غرب سوريا، صبّت القوات الحكومية انتباهها على معركة كانت موجودة قبل ظهور تنظيم داعش، وهي قتال مجموعة من الثوار الذي يهدفون لإسقاط الرئيس بشار الأسد، وبدعم من روسيا وإيران، يكثف الجيش السوري جهوده لسحق أكبر الأماكن المتبقية التي يسيطر عليها المتمردون، والتي أخذتها منذ سنوات فصائل تتكون من منشقي الجيش الوطني وأيضًا الجماعات الإسلامية التي تسيطر عليها الآن.

وعلاوة على ذلك، قد تكون الاحتفالات حول هزيمة تنظيم داعش سابقة لأوانها، حيث اختفى العديد من مقاتليه، وانضموا إلى خلايا نائمة أو عادوا إلى تكتيكات حرب العصابات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.

وقال هيد هيد، باحث سوري بمعهد تشاتام هاوس - منظمة بحثية بريطانية - "توجد بعض العلامات إن بعض الجماعات المتمردة الأخرى تستخدم تكتيكات حرب العصابات، وتقوم بالتفجير في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة مثل دمشق وحلب، وسينضم إليهم الكثيرون إذا خسروا مناطق أخرى.، ونحن نتحدث عن آلاف المقاتلين هنا وليس بضع مئات".

وتقول الصحيفة، تخلى الغرب بشكل كبير عن القتال الدائر حول مصير الأسد، متقبلًا لحكمه المستمر، وتاركًا كلًا من روسيا، إيران، وتركيا، هي القوى الغربية المتحكمة في الحرب، ولكن تبقى الولايات المتحدة مترسخة في جزء كبير من شمال شرق سوريا، وهو الجزء الذي استولى عليه الأكراد - بدعم من الحكومة الأمريكية - من تنظيم داعش.

وتتحمل منطقتان من مناطق المعارضة العبء الأكبر من الهجمات التي تشنها قوات النظام السوري، الذي يدعمه الطيران الروسي، والميليشيا الإيرانية وكذلك حزب الله اللبناني، وإحدى تلك المناطق هي محافظة إدلب، الواقعة في شمال غرب سوريا، والتي تم إجلاء الأطفال من مستشفى فيها الأسبوع قبل الماضي.

ويقول محمد نجدت قدور، أحد مواطني إدلب، ويبلغ من العمر 32 عامًا، إنه كان يشعر باليأس بعد سبع سنوات من التظاهر ضد الحكومة السورية، قضاها في التهرب من الضربات الجوية، ومحاولة بناء منظمات محلية مستقلة، في تحدٍ للجماعات الجهادية التي سيطرت على المحافظة.

ويتابع "سوف ينتهي كل شيء قريبًا، مُلقيًا في ذلك باللوم على قوات الثوار غير المتحدة، وخطأهم في الترحيب بالمجاهدين في البداية، والذين انقلبوا عليهم لاحقًا"، ويضيف "إذا سقطت أي من بنش أو سراقب، فيمكنك توديع محافظة إدلب كلها، ولكننا نستحق هذا".

ووصف الشامي، أحد نشطاء سوريا في مدينة سراقب، بقوله "أصبحت هذه النتيجة الآن، مدينة خالية في سوريا تُدعى سراقب، بعد أن أخلى الجميع بيوتهم وبقيت فقط القطط والكلاب فيها، وأصبح عدد الشهداء في المدينة مجرد أخبار تتناقلها وكالات الأنباء دون أن يلاحظها أحد.

تاريخ محافظة إدلب يمثل تاريخ الحرب بشكلٍ أو بآخر، حيث كانت المحافظة إحدى مراكز اندلاع الثورة في بدايتها ضد حكم عائلة الأسد الذي استمر عقودًا، وأحد أول الأماكن التي حمل فيها المدنيون أسلحة، بعد أن ضيّقت الحكومة الخناق عليهم وبدأت في شن حربها.

وحصلت بعض جماعات المتمردين هناك على دعم الولايات المتحدة وحلفائها، غير أن الجهاديين الأجانب دخلوا وسطهم، مما يثبت أنهم أفضل تمويلًا وتنظيمًا واستطاعوا تجنيد السوريين، وأصبحت إدلب واحدًا من مواطئ القدم الأولى لتنظيم داعش، وأخرج المقاتلون المحليون التنظيم ليسيطر عليها بعد ذلك فصيل مرتبط بتنظيم القاعدة.

"إدلب" لها أيضًا ميزة أخرى، حيث استولت القوات الحكومية على مدن المتمردين، فقد عرضوا كثيرًا على المتمردين والمدنيين اختيار الاستسلام، مع الانتقال إلى إدلب. وأصبحت المحافظة الآن موطنًا لأكثر من مليوني نسمة، نزح نصفهم من أماكن أخرى في البلاد.

وتضيف الصحيفة "المنطقة الأخرى العرضة للهجوم هي المنطقة التي تسيطر عليها الطبقة العاملة في ضواحي دمشق، وتُعرف باسم الغوطة الشرقية، وهي خليط من المنازل السكنية والمزارع والتي كانت تحت الصحار الحكومي لسنوات".

تمر المعركة هناك بديناميكية مختلفة قليلًا عن مثيلتها في إدلب، فهي في الغالب حرب استنزاف مع ثبات الخطوط الأمامية إلى حد كبير، وقطعت الحكومة وصول الغذاء والدواء للسكان، الذين تقول الأمم المتحدة إن عددهم يبلغ 000 400 نسمة، نصفهم من الأطفال، ووصف المنشق السوري اليساري ياسين الحاج صالح الوضع في المدينة بأنه "معسكر اعتقال"، ولكن في الوقت نفسه لم تستطع القوات الحكومية التقدم أكثر مؤخرًا، لذلك لجأت إلى تكثيف الحصار والقصف.

وتعرضت الغوطة الشرقية، منذ بداية العام الحالي، إلى ما لا يقل عن ثلاث هجمات كيميائية باستخدام قنابل غاز الكلورين، وهو لا يقتل لكنه يترك الناس مختنقين، واستخدامه ممنوع طبقًا للقانون الدولي.

وتقول الصحيفة، حتى لو استعادت الحكومة السورية كلًا من إدلب والغوطة الشرقية، فلن ينهي هذا الحرب الدائرة هناك.

وتتابع "تهدد التوترات الدولية بتصعيدٍ جديدٍ لا يمكن التنبؤ به، مثل التوغل التركي الأخير على الحدود الشمالية، حيث تهدف تركيا إلى الاستيلاء على عفرين، ثم الضغط شرقًا وصولًا إلى منبج، حيث ستواجه القوات الأمريكية التي تعهدت بالدفاع عن المدينة، ويمكن أن يؤدي هذا اللقاء إلى نزاع مسلح غير مسبوق بين حلفين من حلف شمال الأطلسي (ناتو)".

احتمالات اندلاع معركة عنيفة في الجبهة السورية بين الولايات المتحدة وروسيا ازدادت مؤخرًا، وتم التأكيد على هذه المخاطر الخميس، عندما قال التحالف - الذي تدعمه الولايات المتحدة - إنه صد "هجومًا غير مبرر" في شرق سوريا ليلة الأربعاء على أيدي ميليشيات تدعم حكومة الأسد، وإنه استجاب بضربات جوية قاتلة.

وما تزال المعارضة تسيطر على مقاطعة لها في الجنوب، تدعمها كلًا من الولايات المتحدة والأردن، وتشكل المنطقة أيضًا نقطة انطلاق للتوترات بين إسرائيل وإيران، في الوقت الذي يرسخ حزب الله اللبناني من تواجده في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل.

وجعلت الصراعات المسلحة الالتزام بالسلام أمرًا صعبًا للغاية، حيث توقفت محادثات السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في جنيف، كما تم تكديس "حوار وطني" في روسيا الأسبوع قبل الماضي مع مؤيدي حكومة الأسد، كان يهدف إلى التصديق على النصر العسكري للقوات الحكومية.

وبعد سبع سنوات من الصراع، وما يقرب من 400 ألف قتيل، و11 مليون شخص تم إخراجهم من منازلهم، يتساءل المحللون والخبراء الدوليون الآن عن كيفية بناء سوريا مرة أخرى، بعد النصر العسكري الوشيك لقوات الأسد واستعادته السيطرة على البلاد بأكملها، وفقًا للصحيفة.

وتتعاقد بعض الدول الأوروبية والأسيوية بالفعل على عقود إعادة الإعمار، التي تقدر بمليارات الدولارات، وقد فازت روسيا وإيران بالفعل بامتيازات البنية التحتية.

وتختتم الصحيفة تقريرها قائلة: "حتى لو ظل منصب الأسد آمنًا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى متى ستستمر الحرب دائرة، وهل ستصبح أكثر دموية؟".

 

إعلان